تقلص نفوذ أميركا يحد من تأثيرها في مجريات السياسة العراقية

أوباما قال لمعاونيه: أعطينا العراقيين فرصة .. أما كيفية استغلالها فهو أمر متروك لهم

TT

مع تفجر الأوضاع في العراق في الأيام الأخيرة، كان نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، على اتصال هاتفي دائم بقادة الطوائف المتناحرة في الدولة وقد أجرى اتصالا برئيس الوزراء الشيعي ورئيس البرلمان السني يوم الثلاثاء، كما أجرى اتصالا بالرئيس العراقي الكردي يوم الخميس، مستحثا إياهم على محاولة التوصل لحل للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.

لكن الولايات المتحدة فقدت، في ظل عدم وجود قوات لها على الأرض أو أي تأثير مباشر لها على الشؤون العراقية، قدرا كبيرا من نفوذها داخل العراق. ومن ثم، فإن الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة الأخيرة، التي انحدرت إلى حالة من انعدام الثقة بين الطوائف وعداء تجلى في تفجيرات وقعت في بغداد يوم الخميس راح ضحيتها أكثر من 60 شخصا، بالأسلوب نفسه الذي تتعامل به مع أية أزمة دبلوماسية طارئة بالخارج، كما أن أوباما، بحسب قول معاونيه، مصر على عدم إرسال الولايات المتحدة قوات أخرى إلى العراق. وفي محادثات خاصة في البيت الأبيض، قال لمعاونيه إن الولايات المتحدة أعطت العراقيين فرصة؛ أما كيفية استغلال تلك الفرصة، فهو أمر متروك لهم.

ويقول ديفيد روثكوبف، المسؤول السابق في إدارة الرئيس بيل كلينتون والخبير في الأمن القومي «في الوقت الحالي، يعتبر العراق، جنبا إلى جنب مع النيل من أسامة بن لادن ونجاح العملية العسكرية في ليبيا واستعادة سمعة الولايات المتحدة في العالم، إنجازا واضحا بالنسبة لأوباما». وأضاف: «لقد وفى بوعده وانسحب. غير أن الأمر ربما ينقلب رأسا على عقب بالنسبة له بسرعة هائلة». وعلى سبيل المثال، كما يقول روثكوبف وخبراء أمن قومي آخرون، يسارع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، إلى انتهاج سياسات تحدث انقسامات عميقة بين السنة والأكراد والشيعة. وإذا تفكك العراق أو بدأت إيران في إحداث تأثير أكثر وضوحا أو اندلعت حرب أهلية، «ربما تلقى اللائمة على الرئيس». وأضاف «لن يذكر له أنه غادر العراق، بل كيف غادرها».

بالفعل، يتعرض أوباما لحملة هجوم سياسية ضخمة. وقال السيناتور جون ماكين، الجمهوري عن ولاية أريزونا، إن قرار أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق قد «انكشف». ولدى ظهوره على محطة «سي بي إس نيوز» يوم الخميس، قال ماكين إننا «ندفع ثمنا غاليا جدا في بغداد بسبب فشلنا في ترك قوة تابعة لنا هناك».

من جانبهم، أشار مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى أنه كان من الصعب جدا إدراك حقيقة أنه كان بإمكان القوات الأميركية أن تمنع الأزمة السياسية أو الهجمات المنسقة في العراق. وقال أنتوني بلينكن، مستشار الأمن القومي لبايدن «لقد حدثت هذه الأزمات من قبل، حينما كانت هناك عشرات الآلاف من القوات الأميركية في العراق، وتم حلها جميعا، لكن تم حلها بواسطة العراقيين من خلال العملية السياسية». وأضاف: «سيتمثل الاختبار فيما إذا كانوا سيستمرون، مع دعمنا الدبلوماسي، في توظيف السياسات في التغلب على خلافاتهم ومواصلة مشاركة السلطة والوصول إلى مكان أفضل أم لا».

وحتى الآن، تتبنى الإدارة سياسة عدم التدخل بشكل معلن، حتى مع نصح بايدن المسؤولين العراقيين بمحاولة تسوية خلافاتهم. وقد استمر العديد من مسؤولي إدارة أوباما في إجراء اتصالات هاتفية على مدار الأسبوع مع المالكي وغيره من المسؤولين العراقيين، حيث حثوهم على مواجهة الاتهامات والاتهامات المضادة التي تتمحور حول اتهام المالكي نائب الرئيس العراقي السني، طارق الهاشمي، بتجنيد أفراد من حرسه الشخصي لتنفيذ عمليات اغتيال.

وقال معاونون إن بايدن تحدث إلى المالكي، وأسامة النجيفي، قائد سياسي سني، وجلال طالباني، رئيس العراق الكردي. وحثهم على عقد اجتماع لكبار القادة السياسيين العراقيين، من المالكي إلى القادة السياسيين الأدنى مرتبة، ناقلا رسالة مفادها أن «كل ما تحتاجونه هو التوقف عن كيل الاتهامات لبعضكم بعضا عبر وسائل الإعلام والجلوس معا والتعامل مع المخاوف التنافسية»، بحسب عبارة مسؤول إدارة رفيع المستوى. يذكر أن هذا المسؤول، على غرار العديد من المسؤولين الآخرين، وافق على مناقشة قضايا داخلية خاصة بالإدارة شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يعتقدون بأن طالباني هو أفضل شخص يمكنه عقد مثل هذا الاجتماع، نظرا لأنه يحظى بالاحترام من جانب معظم العراقيين.

وليس بايدن هو المسؤول الأميركي رفيع الشأن الوحيد الذي يشارك بشكل فعلي في المناقشات مع المسؤولين العراقيين. فقد سافر ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، الذي كان من قبل قائدا للقوات متعددة الجنسيات في العراق، إلى بغداد مؤخرا لإجراء محادثات مع نظرائه العراقيين. وبعيدا عن ذلك، كشف مسؤولون بإدارة أوباما للمالكي عن أن العلاقات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية الأميركية مع العراق «سيحددها» مدى نجاح المالكي في تشكيل حكومة ائتلافية تضم السنة والأكراد. وحتى من دون وجود عسكري في العراق، تتمتع الولايات المتحدة على الأقل بقدر من التأثير على المسؤولين العراقيين. على سبيل المثال، يرغب العراق في شراء طائرات حربية طراز «إف -16» من الولايات المتحدة، وكانت إدارة أوباما تحاول مساعدة الحكومة في بناء علاقات أفضل مع دول الجوار العربية السنية، مثل الإمارات العربية المتحدة، التي أرسلت مؤخرا وزير دفاعها إلى بغداد لإجراء محادثات حول كيفية مساهمة العراقيين في المناورات العسكرية الإقليمية.

لقد كان مسؤولون بالبنتاغون وضباط جيش يأملون في إبرام اتفاق مع الحكومة العراقية من أجل إبقاء بضعة آلاف من القوات الأميركية والمدربين العسكريين في العراق لما بعد 31 ديسمبر (كانون الأول). غير أن السياسات الداخلية في العراق حالت دون تحقيق هذا الأمل، وتوافقت النتيجة أيضا مع حديث أوباما عن الانسحاب الكامل الذي كان قد وعد به. حتى إن الخطط التي صيغت بهدوء من أجل الاستمرار في نشر قوات لمكافحة الإرهاب تم بالمثل سحبها بهدوء من على الطاولة، لضمان الالتزام بتعهد أوباما بسحب جميع القوات القتالية الأميركية من العراق، حسبما أفاد مسؤولون رفيعو المستوى بإدارة أوباما.

* خدمة «نيويورك تايمز»