الهاشمي: المالكي فجر أزمة من العيار الثقيل.. ولست موظفا لديه حتى يمنع سفري إلى الخارج

نائب الرئيس العراقي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: لا أستبعد دور إيران وسوريا في قضيتي

TT

بدا نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، واثقا من انتصاره في المواجهة بينه وبين رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، دافعا بالتهم الموجهة إليه، التي وصفها مرارا بأنها «مفبركة» الهدف منها هو النيل من سمعته الوطنية، وإسقاطه سياسيا، ليخلو الجو للمالكي، الذي وصفه بأنه ليس رجل توافقات ولا مصالحة وطنية ولا مؤمنا بالديمقراطية.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، لم يستبعد الهاشمي وجود دور إيراني سوري واضح في الدفع باتجاه إقصائه وتدمير سمعته، مكررا، أكثر من مرة، تساؤله حول إصرار المالكي على انتهاك سيادة القانون والقضاء، مشيرا إلى أن «قضيته جنائية، فلماذا يتدخل المالكي إذا كان يحترم فعلا استقلالية القضاء؟».

ومع وجوده في المقر البديل للمكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، بقرية قلاجوالان، تحول ذلك المقر المهمَل في السنوات الأخيرة، بسبب تحول أعضاء المكتب السياسي إلى مركز مدينة السليمانية، إلى خلية عمل نشطة بوجود الهاشمي، الذي بدأ يزاول مهامه الرسمية من هناك؛ حيث أكد أنه باق إلى جانب الرئيس طالباني، متحديا دعوات المالكي لقيادة كردستان بعدم السماح له بالهرب إلى خارج العراق. وأكد أنه ما زال نائبا لرئيس الجمهورية وأنه إذا كانت هناك دعوات أو ضرورات تستدعي سفره إلى الخارج فإنه سيسافر؛ فهو ليس موظفا لدى رئيس الوزراء حتى يأتمر بأوامره. وفي ما يلي نص الحوار:

* مع خروج الأميركيين بدأت هذه الأزمة، والمالكي تحدث عن امتلاكه وثائق ضدكم يقول إنه احتفظ بها لثلاث سنوات، فلماذا هذا التوقيت برأيك؟

- في الحقيقة الكل فوجئ بهذه الأزمة، خصوصا في هذا الوقت بالذات، ولو كانت القضية ذات بعد جنائي، فكان بالإمكان أن تأخذ طريقها من خلال القضاء بعيدا عن الإعلام، وهذا الضجيج الذي حصل، أدى إلى خلق أزمة وطنية حقيقية في هذا الظرف الصعب، وكان من المفروض أن تكرس الحكومة كل جهودها وطاقاتها لإسعاد الشعب العراقي بخروج الأميركيين واستعادة السيادة وتدعيم العملية السياسية وتحقيق التوافقات الوطنية، خاصة أن وضع العراق على أعتاب مرحلة جديدة من الوفاق الوطني ومن فرص التقدم والازدهار، والتركيز على صياغة حياة أفضل لمواطنيه، هذا كله مع الأسف الشديد تم إجهاضه بما قام به رئيس الوزراء نوري المالكي، ولو كانت هناك فعلا قضية جنائية كان يفترض أن تمر من خلال العدالة، خاصة أنني كنت موجودا في بغداد، أما عن توقيت هذه المسألة فيبدو لي أن الرجل استعجل في برنامجه ومنهجه للقضاء على خصومه السياسيين، وبدأ بطارق الهاشمي، والسلسلة سوف تستمر كما أعلن هو عن ذلك في المؤتمر الصحافي، وفي الحقيقة كان بيتي مطوقا منذ شهرين وأنا موجود ببغداد، وربما سبب الاستعجال كان التقارير التي وصلت إليه، وهي في حقيقة الأمر تقارير ملفقة دعته للتحرك العاجل وتوجيه ضربة استباقية، كأنما يريد أن «يتغدى بالآخرين قبل أن يتعشوا به»، هذا هو تفسيري بشكل عام للأزمة، ويبدو لي من خلالها أن المالكي لن يقبل بوجود أي معارضة من أي نوع بعد انسحاب الأميركيين، وسيسعى لتكريس إدارة الدولة بيد رجل واحد وحزب واحد، وهذا النهج للمالكي لم يعد خافيا على العراقيين كلهم، الرجل بدأ بي، ومن المحتمل جدا أن يتحرك على الآخرين مستقبلا حتى التحالف الكردستاني أيضا؛ فالرجل استطاع أن يهيمن على التحالف الوطني، واليوم لا صوت يعلو على صوت المالكي داخل هذا التحالف، هذه المؤشرات كلها توحي في الحقيقة بأن هذه القضية مسيسة بالمقام الأول، وهدفه هو إسقاط كل السياسيين المعارضين لسياسة المالكي، وربما كان الرجل تحت ضغوط تقارير كاذبة أوحت له بأن الخصوم يتهيأون لانقلاب عسكري، أو إلى عمل مضاد له، هذه المزاعم كاذبة ولا أساس لها من الصحة، وحاولنا إيضاحها للمالكي ولمن حوله من المستشارين، وقلنا لهم يا إخوان هذه التقارير لا مصداقية لها وليست لنا نية بذلك، نحن الآن في مناصب مرموقة في الدولة، فالانقلاب عسكري على من؟ ولماذا؟

* وماذا عن الملفات التي تحدث عنها المالكي الذي اعتبرها أساس الاتهامات الموجهة إليكم، وقال إنه قدمها إلى رئاسة الجمهورية؟

- صدق المالكي ربما فقط في هذه الجزئية، نعم قدم ذلك الملف قبل ثلاث سنوات، لكن الرئيس قام بتشكيل لجنة من مستشاريه القانونيين لدراسة هذا الملف وتحليله، وقدموا له بعد ذلك خلاصة تقييم بالادعاءات والمعلومات التي وردت في هذه الملفات. والخلاصة تقول إن ما ورد في هذا الملف لا يرقى إلى إقامة أي دليل مادي ضد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، وإنما ترتكز على مجرد قصص وروايات ودعاوى تم حسمها من قبل القضاء وانتهت، هذه الخلاصة قدمها مام جلال إلى رئيس الوزراء نوري المالكي، وقال له بالنص: «أبو إسراء، أنت لست رجل قانون، ولكني أنا رجل قانون، هذا الملف يحوي قصصا وروايات ولا يحوي قضايا جنائية يمكن أن ترقى إلى إقامة دعوى قضائية ضد طارق الهاشمي». سأله رئيس الوزراء: هل أنت مطمئن لهذا القول؟ قال مام جلال: نعم أنا مطمئن وسأتحمل مسؤوليتي. قال المالكي: إذن سوف أحفظ هذا الملف. هذا الذي حصل قبل ثلاث سنوات. وعندما أخبرني الرئيس بذلك اعترضت على الإجراء الذي اتخذه بإعادة هذا الملف إلى رئيس الوزراء، وقلت له ما يلي، ويشهد الله على ما أقول ويمكنكم أن تسألوا الرئيس حول هذه الجزئية.. قلت له: أنا لن أقبل بهذا الإجراء، وأترجاك إصدار أمر إداري بسحب يدي من العمل، وتشكيل لجنة قضائية داخل رئاسة الجمهورية للتحري عن كل هذه الدعاوى التي وردت وسوف أقدم شهادتي بصددها، وبعد ذلك إذا انتهت اللجنة التحقيقية إلى لا شيء، وقالت إن هذه الدعوى كيدية ولا أهمية لها، سأقوم أنا، كنائب لرئيس الجمهورية، بإقامة دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء لتعرضي إلى ضرر أدبي وضرر مادي ورد بذكر اسم طارق الهاشمي في هذه الملفات. بمعنى أنني سوف أتقدم بدعوى قضائية ضد رئيس الوزراء لأنه ادعى أن نائب رئيس الجمهورية يقوم بكل هذه الأعمال الإرهابية. العراقيون اطلعوا كلهم على هذا الملف، وبالتالي حصل الضرر الأدبي بالنسبة لي، وفي حينه قال لي مام جلال: أستاذ طارق أترجاك اعتبر هذا الموضوع منتهيا، ونزولا على رغبة رئيس الجمهورية لم أقاضِ رئيس الوزراء في حينه، هذا من جانب، والجانب الثاني لنفترض أن ما ورد في الملف حقيقة، لماذا انتظر المالكي ثلاث سنوات حتى يقدم هذا الملف مرة ثانية للقضاء؟ هل تتذكرون السؤال الذي وجه للمالكي حول احتفاظه بهذا الملف تلك الفترة الطويلة كلها، وكيف أجاب قائلا: أنا انتظرت حتى يتوقف هؤلاء عن القتل، لكنهم لم يتوقفوا، ويبدو أنهم تجاوزوا الحد المسموح به للقتل؛ لذلك قدمت هذا الملف للعدالة الآن، أي منطق هذا؟ وعلى من تنطلي هذه الأكاذيب؟ وكيف يتحمل رئيس الوزراء أن تسيل دماء العراقيين وهو يتفرج ولا يأخذ حتى إجراء لإيقاف هذه الدماء كلها؟ وبعد ثلاث سنوات تأتيه صحوة ضمير مفاجئة ويقدم الملف إلى القضاء، أي مهزلة هذه؟ وعلى من يضحك رئيس الوزراء، على وعي الشعب العراقي المغيب؟ العراقيون أذكياء، والرجل فشل فشلا ذريعا في الطعن بنزاهتي وبأمانتي وسلوكي السلمي في هذه الجزئية، والناس حقيقة استغربوا أن يتكلم رئيس الوزراء بهذه اللغة عن هذا الملف الذي تم التعامل معه في حينه من قبل رئيس الجمهورية.

* أنت أشرت إلى أن المالكي بدأ بطارق الهاشمي، وهو الذي يمثل مكونا سياسيا مهما، ألا يعني ذلك أن محاولاته هذه ستنسف التوافقات السياسية، خاصة أنك أشرت إلى أن الدور سيأتي على الآخرين؟ هل هذا يعني أن العراق مقبل على مرحلة جديدة؟

- في الحقيقة، العراق أصبح في وضع صعب للغاية، أنا كنت متفائلا قبل أشهر، لكني اليوم أقول إن مستقبل بلدي أصبح في مهب الريح؛ لأن هذا الرجل فجر أزمة وطنية من العيار الثقيل، ليس من السهولة تداركها من خلال لقاءات عابرة أو تقبيل اللحى أو تناسي الجراحات، هذا الرجل فجر أزمة لها بعدها السياسي والطائفي الواضح، هذا الرجل دمر كل المرتكزات التي تعاهدنا على بنائها خلال السنوات الثماني الماضية، وثبت اليوم لكل مراقب أن الرجل ليس رجل توافقات سياسية، ولا يؤمن باستقلالية القضاء، ولا بنزاهة القضاء، ولا يريد أن يقبل صوتا معارضا.. وهذه مشكلة كبيرة جدا؛ حيث وضع نفسه في زاوية حرجة، لكن هذا الخطاب فيه تهديد واضح وابتزاز للقادة في القائمة العراقية، وإذا انتهى المالكي من القضاء على قادة «العراقية»، سيتهيأ لإقليم كردستان بمواجهة حقيقية في المستقبل.

* بالنسبة لموقف القائمة العراقية، هل أنتم راضون عن أدائهم وموقفهم من الأزمة؟

- بالتأكيد هناك تضامن في هذه المسألة، وأنا أقدر الضغط والابتزاز اللذين يتعرضون لهما، وتصريحات رئيس الوزراء في المؤتمر الصحافي كانت واضحة، نحن متفقون جدا، وليس هناك تخلٍّ من «العراقية» عن محنة طارق الهاشمي، ولا التخلي بالدفاع عن استقلالية القضاء، وهناك إصرار منهم على ضرورة تصويب العملية السياسية، وبناء دولة المؤسسات ومنع انفراد شخص أو حزب بإعادة نفس النموذج الطاغوتي الذي كان سائدا قبل عام 2003، هذه الثوابت موجودة عند «العراقية»، وما زال الكل مؤتمنا عليها، وبالتالي أنا سعيد لوحدة موقف «العراقية» ووقوفهم تضامنا مع محنة طارق الهاشمي وما واجهه من ادعاءات كاذبة والإساءات في وسائل الإعلام وغيرها.

* لكن ألا تعتقد أن هذه الأزمة الكبيرة كانت تتطلب وجود رئيس القائمة إياد علاوي في بغداد؟

- الدكتور إياد علاوي لديه التزامات دولية، وأنا أعتقد أنه سيشرح ما حصل في العراق للمجتمع الدولي، وهذا أمر مهم جدا؛ لذلك فغيابه اليوم له ما يبرره، ونحن فعلا نريد أن يطلع العالم العربي على وجه الخصوص على ما يحصل في العراق؛ لأنه في نهاية المطاف اليوم ما يحصل في العراق سوف ينتقل إلى دول الجوار، كما يتأثر العراق بما يحصل في دول الجوار؛ لذلك أعتقد أنه من باب أولى أن يعلم قادة الدول العربية حقيقة الأزمة وأسبابها، وانعكاساتها وتداعياتها على المستقبل، وأن أفضل من يوصل هذا الصوت إلى العالم العربي والإسلامي هو الدكتور إياد علاوي.

* دعوتم إلى تغيير المالكي، هل تعتقد أن المشكلة هي مع المالكي أم مع التحالف الوطني؟

- المشكلة فعلا مع التحالف الوطني؛ فهو الذي سمى نوري المالكي رئيسا للوزراء، وهو الذي رشحه، ونحن وافقنا عام 2006، وحتى ترشيحه مؤخرا لتشكيل الحكومة الحالية جاء أيضا من التحالف الوطني، وبذلك فالكرة أصبحت اليوم في ملعب التحالف الوطني، الإشكالية هي أن العراق لن يستقيم إلا في ظل توافق وطني، وفي ظل شخصية تؤمن ببناء دولة المؤسسات ودولة القانون، من خلال تجربتنا مع السيد المالكي ومن خلال الأزمة التي فجرها، ما عدت أعتقد أن الرجل هو رجل توافق وطني ولا رجل مصالحة وطنية ولا يؤمن بالديمقراطية ولا بالرأي الآخر ولا الشفافية ولا باستقلال القضاء، إذا كانت هذه هي مواصفات الرجل، إذن هل من المعقول أن ننتقل من هذه الأزمة إلى أزمة ربما تكون أكبر في المستقبل، أم نضع نهاية لهذا التداعي المؤسف في وضع العراق السياسي؟ هذا ليس في صالح العراق ولا التحالف الوطني، وعلى هذا الأساس من مصلحة العراق ومن مسؤولية التحالف الوطني أن يبحث عن خيارات بديلة لرئاسة الوزراء.

* وجهتم اتهامات إلى إيران بأنها تقف وراء هذه الأزمة! - أنا لا أستبعد التدخل الأجنبي في ما حصل، ولست وحدي من يقول هذا، بل إن إيران نفسها تقول إننا أصبحنا اللاعب الرئيسي الوحيد في الساحة العراقية بعد خروج الأميركيين، واليوم سوريا أيضا لديها تأثير كبير على صناعة القرار في العراق، والسبب واضح ومعلوم، وجزء منه هو التغيير الذي حصل في موقف الحكومة من النظام السوري، هاتان الدولتان في الحقيقة تلعبان دورا في صناعة القرار بالعراق؛ لذلك لا أستبعد أن تكونا على الأقل قد دفعتا باتجاه إحراج الهاشمي والإساءة إلى سمعته في هذا الظرف الصعب.

* إذن ما جدوى مطالبتكم بتغيير المالكي، ما دام الأمر في المحصلة سيكون بيد إيران لترشح بديلا عنه، وإيران اليوم تتمتع بنفوذ واسع في العراق؟

- هذا واحد من التحديات الكبيرة، أنا أحزن للغاية عندما أرى أن بلدي استعاد السيادة الناجزة بعد انسحاب القوات الأميركية، لكن الأميركيين يتركون وراءهم تحديا ثقيلا يتجاوز إمكانات العراق، وتحديدا التدخل الإيراني، هذا عتب على الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية، خصوصا دول الخليج، التي تركت أمر العراق هكذا دون أن تفعل شيئا، وهذا عتب على دول الجوار التي غضت النظر عن التدخل الإيراني المتواصل منذ عام 2003 وتوسيع نشاطها ونفوذها في مختلف المجالات، وبالتالي وقع العراق اليوم أسيرا بيد الجارة إيران، ونحن، قادة العراق الوطنيين، ندفع ثمنا غاليا، والعراق يدفع هذا الثمن أيضا.

* دعوتم إلى عدم تسليح العراق بالأسلحة الأميركية خشية من استخدامها من قِبل المالكي لتدعيم قوته وخدمة مصلحته.

- دعني أوضح لك النص الوارد في لقائي مع «نيويورك تايمز»، أنا لم أدع إلى عدم تسليح العراق، المراسل كان قلقا وسألني عن أن وضع العراق غير مستقر بسبب الأزمة الوطنية التي تواجهه في الوقت الحاضر، والولايات المتحدة قررت أن تزود العراق بكمية كبيرة من الأسلحة التكنولوجية المتقدمة، وقلت له إنه لا مانع من ذلك بشرط أن تضمنوا أن جيش العراق والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية هي أجهزة وطنية ومهنية، وليست أجهزة طائفية، هذه مسألة مهمة جدا، وإلا سوف تنقلب هذه الأسلحة وبالا على العراقيين، ووبالا على دول الجوار، هذا الذي قلته، وسألني المراسل هل تعني بذلك أن تمتنع الولايات المتحدة عن التجهيز، قلت: لا، فليمضِ التجهيز والتدريب، لكن بشرط أن يحققا أغراضهما، وحتى يحقق التسليح والتجهيز أغراضهما ويصبح للعراق جيش قوي لا بد أن نهيئ له قاعدة وطنية ومهنية، بمعنى إصلاح منظومة القوات المسلحة للدفاع وللداخلية قبل أن نقوم بتجهيز الجيش العراقي. على سبيل المثال هناك اليوم رتب عالية لم تتخرج في الكلية العسكرية أو كلية الشرطة، إذن هذا الشخص غير مؤهل ليتعامل مع أسلحة ذات تكنولوجيا عالية، وبالتالي هذه أموال الشعب العراقي، عندنا قيادات غير مؤهلة لما هو دون ذلك فكيف نشتري «إف 16» والمدفعية ثقيلة المدى، نحن لا نملك اليوم جيشا عصريا، ناهيك عن أن هذا السلوك الذي نراه اليوم هو سلوك طائفي واضح، وبالتالي نحن بحاجة إلى جيش وطني يحترم كل مكونات الشعب العراقي لا يكون عبئا على مكون ولا على عرق مستقبلا، هذه المسألة مهمة جدا، ليس فقط لإقليم كردستان الذي أعلم أن لديه تحفظات بهذا الشأن، وإنما ينبغي على كل مكونات الشعب العراقي أن تشعر بالقلق من زيادة القوة العسكرية دون أن تهيئ لها بناء جيش وطني لكل العراقيين، ولكي لا يكون وبالا على الشعب العراقي نفسه، وهذا الذي حصل في زمن صدام حسين، ولا ينبغي أن نكرر هذه التجربة.

* ما تفسيرك للدعوى التي أقامها ضدك السياسي العراقي مثال الألوسي بالتزامن مع تفجر هذه الأزمة؟

- ليتقدم الرجل بما يشاء من أدلة، ففي كل مناسبة يحاول هذا الرجل أن يركب الموجة ويسيء إليَّ دون وجه حق، وأنا لا علاقة لي بهذا الموضوع، هو يعتبر أن الرجل المتهم في قضية مقتل نجليه هو قريب لي أو ابن خالتي، لكن الحقيقة أن هناك مصادفة في تشابه اللقب لا أكثر ولا أقل، هذا الوزير الذي يعتقد أنني هربته لا يمت لي بصلة قرابة، فليتقدم بالدليل والشهود وسوف أقبل أي دعوى بهذا الشأن، فكما فقد هو ابنيه، فقدت أنا أيضا إخوتي، الذي قتل ابنيه هو الذي قتل إخوتي أيضا، وبالتالي نحن معا أصحاب مصاب واحد فكيف أتعاطف مع قتلة ولديه وأنا أعلم حجم المعاناة والمحنة اللتين يعيش بهما هذا الرجل؟ يؤسفني أن اليوم فوق محنة طارق الهاشمي يأتي هذا الرجل ليتسبب بمحنة جديدة، وهو الذي كان قبل أيام قليلة ينتقد حكومة المالكي والطائفية وسوء الإدارة والرشوة والفساد، وبدلا من أن يقف اليوم معي لأنه يعلم أنني مظلوم؛ حيث سبق أن قال في مناسبات كثيرة إن القضاء مسيس... على كل حال أنا أترك هذا الموضوع للقضاء، وإن شاء الله سيجد مني كل التعاون بهذا الموضوع.

* المالكي هدد قيادة الإقليم من مغبة السماح لك بمغادرة العراق، فهل ستترك العراق؟

- أنا هنا اليوم بأمر إداري صادر عن رئيس الجمهورية بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول)، وبالتالي أنا هنا أمارس مهامي وواجباتي كنائب لرئيس الجمهورية، ومن حقي أن أتحرك داخل العراق وخارجه من دون ضغوط، وأنا لست موظفا في رئاسة الوزراء، وكان على المالكي أن يحترم هيبة رئيس الجمهورية، لكن هذا الرجل تجاوز كثيرا رئاسة الجمهورية، وهذه ليست المرة الأولى، هذا الموضوع لا يعنيه وهو يعني حصرا رئيس الجمهورية، وأنا اليوم لست فقط ضيفا عند أهلي في كردستان وإنما أنا أمارس دوري كنائب لرئيس الجمهورية قريبا من الرئيس، وسوف أبقى معه إلى الوقت الذي يشاء، وأعود إلى بغداد عندما تعود الحياة الطبيعية إلى مكتبي وإلى منزلي أو ربما أسافر إلى خارج العراق إذا كانت هناك حاجة لي كنائب رئيس الجمهورية، فأنا أتمتع بكامل الحرية، والمالكي لا يملك الحق في أن يتدخل في قضايا تتعلق بموظف ينتسب إلى رئاسة الجمهورية؛ لأن رئاسة الجمهورية ليست جزءا من تنظيمات رئاسة مجلس الوزراء.

* في الإطار نفسه وجه المالكي تحذيرات إلى قيادة الإقليم من أن مشاكل بغداد وأربيل ستتفاقم إذا لم تسلم الهاشمي.

- أنا أسأل سؤالا: ما علاقة الرجل بهذه المسائل؟ هو يقول إن هذه مسألة جنائية وقضائية، إذن مجلس القضاء هو الذي ينبغي أن يدير هذا الملف، لكن هذه إشارة للرأي العام العراقي، وهي أن هذه القضية أصبحت قضية نوري المالكي شخصيا، فهو الذي فجر الأزمة وهو الذي يتابع هذا الملف قضائيا، هو الذي يقول نقبل أو لا نقبل بنقل القضية إلى كردستان، وهو الذي يقول على كردستان أن تسلم أو لا تسلم، أليست هذه الأمور كلها تدل صراحة على التعدي من جانب المالكي على استقلالية القضاء؟ هذا السؤال يوجه إلى الرأي العام، فلماذا لا يسحب نفسه خارجا ويترك الموضوع بيني وبين مجلس القضاء؟

* هل ما زلت عند موقفك بالطعن في نزاهة القضاء العراقي، والإصرار على نقل القضية إلى كردستان؟

- المادة 55 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تتيح لأي مواطن عراقي أن يطلب نقل القضية التي تتعلق به من محافظة إلى أخرى، وهذه ليست جديدة، وربما الهدف هو تحقيق عدالة أفضل أو لعدم توافر شروط الأمان، أنا لا أشعر بالأمان اليوم في بغداد، هناك أفراد من طاقم حمايتي، وهم أناس أبرياء، تعرضوا للابتزاز والضغط، وربما للتعذيب، لانتزاع كل هذه الاعترافات الكاذبة والمفبركة منهم، وبالتالي لن تتحقق العدالة في بغداد إذا كان الجماعة حريصين على حقيقة ما جرى وتمحيص كل هذه الاعترافات، إذن لننتقل إلى منطقة محايدة، وهذه المنطقة المحايدة الآن هي منطقة كردستان؛ لأنها أولا ليست جزءا من المناطق العربية السنية التي تشكل امتدادا لطارق الهاشمي، كما أنها ليست امتدادا لجمهور المالكي، وإنما كردستان محايدة بين طارق الهاشمي، إذا كان خلافه خلافا سياسيا، ونوري المالكي، وفي الوقت نفسه كردستان لديها أيضا قضاء محترم وقضاة محترمون وسيجري كل الشهود القسم، وسوف أقدم نفسي دون أي تأخير ولن أتردد، وليأتِ كل هؤلاء الذين اعترفوا ليجري التحقيق بشكل شفاف وسلس ولا بأس حتى من حضور ممثل عن مكتب الأمم المتحدة في بغداد، أو ممثل عن الجامعة العربية ببغداد وكذلك ممثل عن منظمة المؤتمر الإسلامي لاستجلاء حقيقة ما جرى، وبالتأكيد ربما نحن بحاجة اليوم إلى إعادة هيبة القضاء العراقي وسمعته التي تضررت كثيرا بهذه الأزمة. وفي ما يتعلق بطلبي نقل المحاكمة إلى كردستان هناك قضايا كثيرة انتقلت بين المحافظات، منها قضية الوزير عبد الفلاح السوداني، التي انتقلت من محافظة السماوة إلى بغداد، وقضية حسين الشهرستاني، عندما تحول من متهم إلى شاهد وذهب القضاة إلى مكتبه، وقضية حاكم الزاملي تحولت من المحكمة الجنائية العراقية إلى محاكم الرصافة، هذا كله حصل وهو موضوع روتيني، الإشكالية هي هل أن الأطراف التي تقف وراء هذه الاتهامات وفبركتها حريصة على التعرف على الحقائق، أم أنها تريد فقط أن تلحق المزيد من الأذى بسمعة القضاء العراقي من خلال تسييسه والضغط على الشهود والقضاة والضغط على الهاشمي مستقبلا بهدف إسقاطه سياسيا وهو المقصد من ذلك كله؟ إذن فليوافق المالكي على الطلب ولا يعترض؛ لأن هذا ليس من اختصاصه.

* إذا طالت الأزمة وبقيت معلقة، أنت نائب رئيس الجمهورية ومقرك في بغداد، واليوم أنت هنا بكردستان، كيف تتصور الأمور؟

- أنا كما قلت سابقا هنا بكردستان بتكليف من رئيس الجمهورية بعد أن علم أن أوضاعي في بغداد ومكتبي ومنزلي لم تعد مواتية لممارسة مهامي؛ لذلك طلب مني أن آتي إلى السليمانية، وأنا، كما تعلم، جئت مع زميلي الأخ الدكتور خضير الخزاعي، وجئنا بمهمة رسمية، وذكرت هذه المسألة للرئيس فقال ابقَ معي في السليمانية، ولديك مهام في إطار رئاسة الجمهورية تقوم بها، وعلى هذا الأساس أمارس دوري كموظف في الدولة العراقية، والدستور والقانون لا يمنعان الموظف من أن يؤدي دوره في هذه المنطقة أو تلك، يحزنني أن مكتبي وبيتي قد دُمرا، وضباط حمايتي يلاحَقون اليوم، وهناك موظفون بمكتبي مسجونون حاليا، القضية لم تعد طارق الهاشمي، بل أصبحت موجهة إلى جمهوره، هناك اعتقالات لأنصاري في الزبير والعامرية والغزالية وشمال بغداد واليرموك، هذا الرجل تصرف بطريقة تجاوز فيها المعقول؛ لذلك القضية واضحة، إنها ليست مجرد دعوى قضائية ضدي، وأنا من خلال جريدتكم (الشرق الأوسط) أدعو المالكي إلى أن يعود إلى منطق العقل، وألا يدفع الأمور باتجاه المجهول، فذلك ليس لصالحه ولا لصالح العراق، عليه أن يضبط إيقاع حركة الأجهزة الأمنية وقواته المسلحة، وأن يوقف هذا الأذى غير المسبوق على الناس الأبرياء.