خليل إبراهيم.. الطبيب.. الوزير.. المتمرد الشرس

شارك في حرب الجنوب مع قوات الحكومة.. وفقد الملاذ الآمن بعد الإطاحة بالقذافي

خليل إبراهيم
TT

«الطبيب الثائر».. والوزير.. ثم «المتمرد الشرس»، جميعها ألقاب وصف بها خليل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة، أقوى جماعات التمرد في إقليم دارفور، والذي أعلن الجيش السوداني عن مقتله أمس، على تخوم دارفور.

وإبراهيم البالغ من العمر 54 عاما، مولود في قرية الطينة على الحدود السودانية - التشادية لأسرة تعود لقبيلة الزغاوة المشتركة بين السودان وتشاد، والتي ينتمي إليها الرئيس التشادي إدريس ديبي، ويتردد أن لديه علاقة دم بالزعيم المقتول.

وتخرج إبراهيم في كلية الطب بجامعة الجزيرة وسط السودان، وقد التحق بالحركة الإسلامية السودانية التي يتزعمها حسن الترابي منذ أن كان طالبا في المرحلة الثانوية. وبعد تخرجه عمل في مهنة الطب في عدد من المستشفيات السودانية، قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية في عام 1985.

عاد إبراهيم إلى السودان بعد انقلاب الرئيس عمر البشير في عام 1989 الذي نفذته الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي الذي انشق في وقت لاحق عن الحكومة، وعمل في عدة مواقع وزراية في ولايات السودان المختلفة، فقد عين وزيرا للصحة في إقليم دارفور، ثم وزيرا للتربية والتعليم، وبعد ذلك مستشارا لوالي ولاية النيل الأزرق (جنوب شرقي السودان). كما عمل وزيرا للصحة في ولاية شرق الاستوائية بجنوب السودان. وقد شارك في الحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه في تسعينات القرن الماضي تحت لواء قوات الدفاع الشعبي، وكان ضمن الفريق الطبي للدفاع الشعبي.

يقول عنه زملاؤه في الحركة الإسلامية إنه كان «أميرا للمجاهدين» في فترة الحرب الأهلية بالجنوب التي أعلنت فيها حكومة البشير الجهاد على الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان يقودها الراحل جون قرنق، غير أن أحد المقربين لإبراهيم نفي ذلك، وقال إن جهاز الأمن والمخابرات الوطني هو من أطلق هذه الإشاعات لتشويه صورته.

وكان خليل إبراهيم يشغل منصب وزير في حكومة ولاية شمال دارفور قبل حدوث الانشقاق الذي قاده حسن الترابي عن البشير في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في 1999.

وقد انضم إلى حزب الترابي الذي أسس حزب المؤتمر الشعبي المعارض، إلا أنه غادر إلى أوروبا هولندا وفرنسا، ليؤسس من هناك حركة العدل والمساواة، في عام 2001، التي عرفت بأنها أكثر الحركات الدارفورية المتمردة تسليحا وكانت لاعبا رئيسيا في الأيام الأولى من الصراع الذي اندلع في 2003.

دخلت الحركة في معارك عسكرية ضد القوات الحكومية في عام 2003 أبرزها عملية مطار الفاشر التي دمر خلالها الكثير من الطائرات وعدد من قوات الجيش والشرطة، وتمت بالتنسيق مع حركة تحرير السودان، والتي كانت نقطة تحول في الصراع بدارفور. غير أن هجومه على العاصمة السودانية في مايو (أيار) من عام 2008 كان أكبر العمليات التي نفذتها حركة تمرد في البلاد على الإطلاق، في عملية أسفرت عن سقوط أكثر من مائتي قتيل لكن القوات الحكومية تصدت لها مما أدى إلى اشتباكات عنيفة، ثم محاكمة عدد من المتمردين الذين صدرت عليهم عقوبات إعدام في وقت لاحق.

في حديثه لجريدة «الشرق الأوسط» منذ أربع سنوات.. وبعد غزو الخرطوم، قال مستهزءا «أنا بين جنودي أتناول الشاي ومن أرادني فليأت»، ردا منه على اعتباره المطلوب الأول لحكومة الخرطوم ورصد الأجهزة الأمنية جائزة ماليه هائلة لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض عليه، بعد قيامه بعملية غزو الخرطوم، والتي سماها «الذراع الطويلة».

غير أن خليل لجأ لاحقا إلى تشاد التي طردته في مايو 2010 بعد تقارب مفاجئ مع السودان، ثم انتقل إلى ليبيا التي وفر له زعيمها معمر القذافي ملاذا. عرف إبراهيم بعلاقته الوثيقة بالقذافي واتهم بتلقي أموال منه لدعم التمرد في دارفور، وتوطدت العلاقة أكثر بعد أن توجه إبراهيم إلى طرابلس لاجئا في 20 مايو 2010، وأقام بها إلى حتى اندلاع الثورة الليبية في فبراير (شباط) الماضي، فتداولت أنباء عن كونه زعيم المرتزقة السودانيين في ليبيا. وحتى بعد رجوعه إلى دارفور في سبتمبر (أيلول) الماضي، ذكرت عدة مصادر أن سيف الإسلام نجل القذافي كان تحت حماية إبراهيم بناء على توصية القذافي له بحماية أسرته والإشراف عليها مقابل أموال ضخمة قدمها له وخرج بها من ليبيا.

ظهر اهتمام إبراهيم بالأقليات في السودان مبكرا، يقول عنه الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة أحمد حسين «إنه من القيادات التي لديها رؤية ثاقبة في قضايا المهمشين، فقد قدم الكثير من المشاريع خلال عمله في الحكومة الولائية بدارفور». وقد أصدر إبراهيم كتابا سماه «الكتاب الأسود» عام 1999، وهو ذات العام الذي انفصل فيه عن النظام الحاكم بعد أن قام بعدد من العمليات الشهيرة مثل اعتقال يحيي بولاد عام 1993، قال فيه إن «وسط وشمال السودان يستحوذان على السلطة والثروة وإن أبناء دارفور والجنوب والشرق مهمشون بصورة كبيرة».

ويعتقد أن ذلك الكتاب من الشرارات التي أطلقت الثورة والتمرد في دارفور، بينما يعتقد آخرون انتقدوا الكتاب أنه (كتاب عنصري يقود إلى فتنة بين السودانيين).

بعد ذهابه إلى هولندا للدراسات العليا بدأ إبراهيم تشكيل الخلايا السرية لحركته، وبعد عودته عام 2000 إلى الخرطوم مكث لفترة وغادر سرا إلى تشاد ومنها إلى فرنسا لإعلان حركته ذات التوجه الإسلامي، والتي تناصرها القبائل الأفريقية مثل الزغاوة والمساليت والسنار، في أغسطس (آب) عام 2001. وقد بدأت نشاطها العسكري في فبراير 2003، وظل من حينها على قيادتها وخاض بها حروبا طويلة مع الحكومة المركزية.

ورفض إبراهيم التوقيع على اتفاق سلام مع الخرطوم في عام 2006 يعرف باتفاق أبوجا، وقعه فصيل مهم في حركة تحرير السودان، بزعامة ميني أركو مناوي، الذي أصبح مساعدا للرئيس، قبل أن ينفض هذا الاتفاق ويعود مناوي إلى القتال، متحدا مع إبراهيم. كما أن إبراهيم رفض أيضا مواصلة التفاوض مع الحكومة السودانية في منبر الدوحة، رغم أنه وقع اتفاقين إطاريين في فبراير من عام 2009، وأعقبها في مارس (آذار) 2010، لكنه غادر الدوحة في مايو من عام 2010 متوجها إلى دارفور عبر تشاد التي رفضت دخوله وقامت بطرده لرفضه مواصلة المفاوضات، غير أن العقيد الليبي المخلوع معمر القذافي قام باستضافته. وقبل السقوط النهائي لنظام القذافي عاد إبراهيم إلى دارفور في سبتمبر الماضي، في عملية وصفتها الحركة بأنها الأكبر للحركة لإنقاذ قائدها الذي كانت تطارده الخرطوم وتعمل على القبض عليه أو قتله، وهو ما حدث الآن.

وتوقعت مصادر لـ«الشرق الأوسط» أن تصدر الحركة بيانا في حال تأكدها من مقتل زعيمها، وأن تعلن رئيس جديد للحركة خلفا لخليل إبراهيم الذي يمثل مقتله ضربة كبيرة لها، رغم أنها انضمت إلى تحالف جديد يعرف بتحالف (الجبهة الثورية السودانية)، والتي تشمل حركتي تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور وميني أركو مناوي والحركة الشعبية في شمال السودان، والتي تدعو إلى إسقاط نظام البشير.