ليبيا: تصاعد الضغوط على «الانتقالي» والحكومة رغم الاحتفال للمرة الأولى بمرور 60 عاما على الاستقلال

الكيب قبل استقالة شركس.. ومسؤول عسكري: تخلصنا من صواريخ «سام 7» بناء على طلب من الناتو

الطاهر شركس
TT

على الرغم من المظاهر الاحتفالية التي عمت مختلف المدن الليبية للمرة الأولى بمرور ستين عاما على استقلال ليبيا منذ عام 1951، وهي المناسبة التي لطالما تجاهلها نظام العقيد الراحل معمر القذافي، فإن المجلس الانتقالي والحكومة الانتقالية يتعرضان لضغوط متصاعدة من الشارع الليبي أسفرت عن استقالة الطاهر شركس، وزير الاقتصاد، بعد مرور أقل من شهر واحد على تسلمه مهام منصبه.. فيما أوضح مسؤول عسكري ليبي أن التخلص من صواريخ «سام 7» (المحمولة المضادة للطائرات) تم بناء على طلب من حلف الناتو أثناء العمليات العسكرية، خشية استخدامها ضد مروحياته القتالية.

وفيما بدا أنه بمثابة استجابة لمطالب المتظاهرين الذين خرجوا على مدى الأيام القليلة الماضية في عدة مدن للمطالبة بالتخلص من رموز النظام السابق، تخلى شركس عن منصبه كوزير للاقتصاد في الحكومة الانتقالية التي يترأسها الدكتور عبد الرحيم الكيب.

وقال مسؤول في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط» إن الكيب قد قبل على الفور استقالة شركس، بعدما اكتشف أنه كان أحد أعضاء الحكومة الليبية السابقة التي ترأسها الدكتور البغدادي المحمودي، قبل سقوط نظام القذافي. وكان الكيب قد أكد مؤخرا لـ«الشرق الأوسط» أنه مستعد فورا لطرد أي وزير أو مسؤول في حكومته يتم اكتشاف أنه كان أحد رموز النظام السابق.

وقالت مصادر حكومية ليبية إن الكيب بصدد تعيين وزير جديد لحقيبة الاقتصاد بدلا من شركس، والذي فضل التنحي طواعية عن منصبه استجابة لضغوط الشارع الليبي، ولعدم إحراج رئيس الحكومة.

وينظر الليبيون بكثير من الامتعاض إلى إصرار المجلس الانتقالي والحكومة على الاحتفاظ بمسؤولين سبق أن عملوا تحت إمرة نظام القذافي، ويطالبون في المقابل بإنهاء وجود هؤلاء في العمل الرسمي والحكومي.

ومثلت استقالة شركس، وهي الأولى من نوعها في حكومة الكيب الجديدة نسبيا، أول اختبار حقيقي لمدى استجابة الحكومة الانتقالية لمطالب المتظاهرين، الذين دعوا أيضا إلى التزام المجلس وحكومته بالشفافية في تسيير شؤون البلاد، خلال الفترة الانتقالية، التي ستنتهي بعد نحو ستة أشهر فقط.

وتأتى هذه التطورات فيما يشهد الشارع الليبي مظاهرات شبه يومية في كبرى المدن، وخاصة طرابلس وبنغازي، بعدما بدأ ناشطون سياسيون اعتصاما أمام مقر المجلس الوطني السابق في بنغازي، وقالوا إنهم لن يفضوا الاعتصام قبل الاستجابة إلى جميع مطالبهم.

لكن هذا الاحتقان السياسي لم يمنع الليبيين، أول من أمس، من الاحتفال بذكرى الاستقلال عن الحكم الاستعماري للمرة الأولى منذ أربعة عقود، حيث كان نظام القذافي يعتبر في المقابل أن وصوله إلى السلطة في الأول من شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1969 هو العيد الرسمي والوطني للبلاد.

ونظم المجلس الانتقالي إحياء هذه الذكرى تخليدا لحصول ليبيا على استقلالها (بقيادة الملك الراحل إدريس السنوسي) عن فرنسا وبريطانيا، اللتين كانتا تديران ليبيا عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية.

واعتبر المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني، أن ليبيا استحقت استقلالها بفضل الجهود الجبارة التي بذلها الآباء والأجداد قي ظل ظروف كانت غاية في الصعوبة، لافتا إلى أن دولة ليبيا أنشئت من لا شيء، حيث كان الشعب الليبي فقيرا، مذكرا في هذا الخصوص بمقولة الملك السنوسي بأن «المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله».

في المقابل، طالب رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب الليبيين بالحرص على المصلحة العليا لليبيا، من خلال استعدادهم للتنازل والوصول للاتفاق من خلال الحوار السياسي الناضج، مشيرا إلى أن البلاد تحتاج لتكاتف الجهود وتوحيد القوى والاستعداد للتنازل عن المصالح المحلية. كما أعلن عن خطة طموحة قال إنها تستهدف إعادة الحياة إلى طبيعتها، ومن دون سلاح، من خلال دعم الجيش الوطني واستكمال بناء أجهزة الأمن والشرطة.

إلى ذلك، أعلن محمد هدية، مسؤول التسليح بالمجلس الوطني الانتقالي، أن السبب في التخلص من الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات (سام 7) جاء بناء على طلب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) بوساطة أميركية. وقال هدية، في تصريح بثته وكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، إن «تلكؤ الحلف خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي في توجيه ضربات ناجحة تستهدف كتائب القذافي التي تهاجم المدنيين في مختلف المناطق الليبية، جعل وزير الدفاع السابق اللواء جلال الدغيلي يطلب من القنصل الأميركي في بنغازي في اجتماع عقده معه بأن يدخل الحلف مروحيات قتالية لأرض المعركة».

وأشار إلى أن بعض المروحيات المقاتلة تساوي في تسليحها سرية مقاتلة بأكملها، بينما تساوي طائرات «أباتشي» كتيبة كاملة من خلال صواريخ (جو - أرض) التي على متنها، على خلاف الطائرات النفاثة التي تطير على ارتفاع شاهق وتحمل صواريخ (جو - جو) المضادة للطائرات، مؤكدا أن الأخيرة غير ذات جدوى في استهداف المدرعات التي على الأرض.

ولفت إلى أن القنصل الأميركي طلب في ذلك الوقت التخلص من الصواريخ المضادة للطيارات المحمولة على الكتف الحرارية (سام 7)؛ بعد اكتشاف الحلف لاثنين منهما كانا منصوبين في إحدى المزارع المتاخمة لمطار بنينة الدولي بمدينة بنغازي المحررة في ذلك الوقت، وكانا يستهدفان طائرات مدنية من خلال مندسين موالين للقذافي.

ونقل هدية عن القنصل الأميركي تبريره ذلك بأن الطائرات المروحية ستستهدف من خلال هذه الصواريخ، عبر مندسين «مفترضين»، إذا دخلت أرض المعركة في ظل انتشار هذا النوع من السلاح «الخطير»، لأنه لديه القدرة على اصطياد الطائرات العمودية بكل سهولة في حال صلاحيته للاستخدام.

وقال هدية إن الوزارة أعطت الإذن للولايات المتحدة الأميركية بتوجيه ضربات لمخازن هذا النوع من السلاح، التي كانت خاضعة لسيطرة قوات القذافي، لافتا إلى أن الحلف أتلف آلافا من هذه الصواريخ التي كانت مخزنة بمستودعات القريات والزنتان بالجبل الغربي جنوب العاصمة الليبية طرابلس، موضحا أن معظم الصواريخ التي تم إتلافها من قبل الخبراء الليبيين والأميركيين إما تالفة وإما «مجربة»، وأن وجودها يشكل خطرا على المدنيين الليبيين، أكثر من فائدتها.

وكشف النقاب عن أن هناك خطة ليبية - أميركية مشتركة لبيع الصالح من هذا السلاح إلى عدة دول، مشيرا إلى أن الخطة تندرج في إطار الحرص على جمع أكبر كمية ممكنة من هذه الأسلحة وتأمينها، خشية أن تباع في السوق السوداء، مما قد يفتح الباب أمام تهديد الأمن الملاحي المدني في حال وصولها إلى تنظيمات متشددة، مثل «القاعدة».