بطريرك القدس: لا بد للجدران التي تعزل الناس أن تنهار

بيت لحم تستقبل الأعياد الميلادية بكثير من الفرح ودعوات هدم الجدران

آلاف المسيحيين وغيرهم تجمعوا في الساحة الأمامية لكنيسة المهد في بيت لحم للاحتفال بأعياد الميلاد المجيدة (أ.ف.ب)
TT

تحولت مدينة بيت لحم، هذا الأسبوع، إلى ما يشبه قاعة أعراس كبيرة، أنيرت فيها كل ساحة وزاوية وشجرة وشارع وبيت، بأنوار مختلفة الألوان، ولبست أبهى زينة ممكنة، بينما كانت تصدح السيارات والمحلات التجارية بأغاني الميلاد المعروفة، ويجوب الكثير من الشبان الذي يلبسون زي «بابا نويل» التقليدي، شوارع المدينة يقدمون الهدايا للأطفال ويلتقطون معهم الصور.

وعلى مدار أسبوع كامل، قبل حلول أعياد الميلاد المجيدة للطوائف التي تسير وفق التقويم الغربي، احتفلت بيت لحم بالعيد؛ إذ غنى الكثير من الموهوبين والفرق الفنية في كل ليلة أمام كنيسة المهد، لآلاف المسيحيين والمسلمين والسياح الأجانب الذين كانوا يحتشدون ابتهاجا بقرب العيد.

وقبل يوم واحد من دخول العيد، أمس، يومه الأول، اختنقت بيت لحم بالزوار الرسميين وغير الرسميين وبالسياح والمصلين، بانتظار وصول بطريرك اللاتين في القدس وسائر الأراضي المقدسة، فؤاد طوال، إلى المدينة، ليترأس قداس منتصف الليل الذي حضره كذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض، ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة، ورئيس وزراء سانت فنسينت وغرينادينز، رالف إيفيرارد غونسالفيس، ووزير خارجية المجر، يانوس مارتوني، ورئيس بلدية بيت لحم، فيكتور بطارسة، ومسؤولون آخرون.

وفي الساحة الأمامية لكنيسة المهد؛ حيث وُلد السيد المسيح، وهي الكنيسة الأشهر في العالم، اختلط المصلون بالسياح والعائلات والأطفال ورجال الأمن والصحافيين والباعة المتجولين وفرق الكشافة التي قدمت عروضا مختلفة طوال اليوم. وتجلت روعة العلاقات المسيحية والإسلامية في الساحة الصغيرة نسبيا، التي تجمع إلى جانب كنيسة المهد، مسجد عمر بن الخطاب؛ حيث صلى الخليفة هناك بعدما رفض الصلاة في كنيسة المهد خشية أن تصبح هدفا للمسلمين من بعده، بأن يقولوا: «هنا صلى عمر».

ويحضر آلاف المسلمين سنويا هذه الاحتفالات إلى جانب المسيحيين ويرتدون ملابس «بابا نويل»، ويشاركون في كل كبيرة وصغيرة، بما فيها تزيين بيوتهم بأشجار الميلاد الشهيرة.

وفي ساحة المهد الفاصلة بين الكنيسة والمسجد؛ حيث يتجمع الآلاف، كان ثمة حضور لافت لـ500 مسيحي من غزة، سمحت لهم إسرائيل بالوصول إلى بيت لحم، وآلاف من السياح؛ إذ قدر عدد الذين وصلوا إلى بيت لحم، حسب إحصاءات رسمية، بـ40 ألف سائح.

وفي ذروة هذه الاحتفالات الكرنفالية، وصل موكب البطريرك طوال مقبلا من القدس، عبر طريق تقليدي يبلغ طوله 8 كيلومترات، ومن أجله فقط يفتح الإسرائيليون بوابة المدينة الحديدية الضخمة في الجدار الفاصل الذي يخنقها ويفصلها عن مدينة القدس.

وقال البطريرك طوال فور عبوره بوابة الجدار، عند المدخل الشمالي للمدينة: «بيت لحم ستفرح اليوم على الرغم من كل الجدران».

وواصل طوال طريقة شاقا قلب المدينة في موكب يتألف من نحو 30 سيارة وتحرسه الشرطة الفلسطينية، عبر سيارات أمنية وبعض الخيالة، باتجاه ساحة المهد؛ حيث كان ينتظره الآلاف وعدد كبير من المسؤولين الفلسطينيين ورجال الدين.

وقال طوال، عند وصوله ساحة المهد؛ حيث ترجل قبل نحو 100 متر من بوابة الكنيسة الأشهر: «سنصلي من أجل سلام عادل وشامل، هذه رسالتنا في هذا العيد».

وفعلا ترأس طوال قداس منتصف الليل، وألقى رسالة أمل وسلام، قال فيها: «طوبى للساعين في السلام». وأضاف: «إن المنطقة تمر بمتغيرات سريعة ولا يمكن أن نبقى متفرجين، علينا أن نعمل قدر المستطاع للحفاظ على مواطنينا، نشاركهم أحلامهم وآمالهم»، معربا عن أمله في أن يكون هذا العيد نهاية للعنف والإرهاب ونزعات التسلط.

وحث طوال على هدم الجدران التي تعزل الناس، في إشارة إلى جدار الفصل وجدران الكراهية، وقال: «لا بد للجدران التي تعزل بين الناس أن تنهار». كما اعتبر أن للأديان دورا مهما في تحقيق السلام، مضيفا: «نرجو أن يبقى طريق السلام من دون حواجز وقيود».

وتمنى البطريرك على القادة العرب أن يتحلوا بالحكمة وبذل الذات في سبيل مصلحة مواطنيهم، كما تمنى أن يعم الهدوء وتتحقق المصالحة بين كل الشرائح والأطياف في العالم.

وقضى المسيحيون يومهم الأول في العيد، أمس، بتقبل التهاني وحضور الحفلات وتبادل الزيارات والصلاة. وستستمر الاحتفالات بالأعياد الميلادية حتى منتصف الشهر المقبل؛ إذ يحتفل المسيحيون الذي يسيرون وفق التقويم الشرقي بميلاد المسيح في 7 يناير (كانون الثاني)، وتتكرر طقوس حضور البطاركة واستقبالهم في ساحة المهد.

وهنأ الرئيس الفلسطيني الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد، وقال لهم في حفل عشاء: «أهنئكم جميعا ونفسي بالميلاد المجيد، وأن يعيده الله علينا وعلى كل المسيحيين في العالم بعام أفضل تملؤه المحبة والسلام والاستقرار على الشعب الفلسطيني، وأن يكون العام المقبل عام تحقيق السلام في الأراضي الفلسطينية المقدسة». وأضاف: «نحن أصحاب الديانات الثلاث على هذه الأرض المقدسة نتعايش منذ آلاف السنين، نحن نقول إن المسجد والكنيسة والكنيس تتعانق مع بعضها البعض في هذه الأرض المقدسة، لا أحد ينكر حق أحد، نريد أن نعيش معهم (الإسرائيليين) بأمن وسلام، ونريد أن نبني دولتنا إلى جانب دولتهم، نحن مؤمنون بحل الدولتين؛ دولة إسرائيل الموجودة ودولة فلسطين التي تنتظر الوجود لتعيشا جنبا إلى جنب بأمن واستقرار، آمل أن يعودوا إلى رشدهم وأن يفهموا أننا طلاب سلام ولسنا طلاب حرب وإرهاب، نحن نريد أن نعيش معهم، لكن إذا لم يريدوا ذلك فالأمر يعود لهم، وإذا أرادوا أن يتعنتوا في مواقفهم، فالخاسر هم ونحن أيضا، ولا نريد أن نخسر هذه المعركة لنصل إلى السلام العادل والشامل».