تساؤلات حول قدرة كيم العشريني على قيادة بلد نووي

محللون: الزعيم الكوري الجديد قد يستعين بعمه أو جهاز شبيه بمجلس شيوخ

كيم جونغ أون
TT

سيكون كيم جونغ أون، ابن الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين، قائد كوريا الشمالية الجديد، أصغر شخص يعتلى السلطة في بلد يملك ترسانة نووية. ويقول علماء المخ والأعصاب إن المخ في تلك السن لا يزال في المراحل النهائية من التطور، كما يرى علماء نفس النمو أن هناك سببا وجيها لأن يجعل الآباء المؤسسين لأميركا السن الأدنى للرئيس 35 عاما، لأن الذين تقل أعمارهم عن هذه السن لا يتمتعون بالخبرة أو المهارة للتعامل مع عملية اتخاذ القرارات المعقدة، ومن ثم يحذر المؤرخون من أن السجل الحافل بالقادة الشباب ضعيف.

ويقول سام وانغ، اختصاصي الأعصاب في جامعة برينستون، ومؤلف كتاب «أهلا بك إلى دماغك»: «لن يكون كيم جونغ أون نفس الرجل الذي سيكون عليه بعد 10 سنوات، أو حتى خمس سنوات، فعملية النضوج المستمر التي لاحظناها جميعا في الأشخاص في عمر العشرينات تنعكس في التغييرات في بنية المخ. فالروابط في الجزء الأمامي من الدماغ لم تكن قد نمت أو تطورت بالشكل الكافي، والأجزاء الأمامية من القشرة الجبهية تمثل أهمية كبرى في كبح جماح النزعات ووضع الخطط طويلة الأجل».

وفي مراتب قادة العالم لا يزال الاعتماد على كبار السن أو على الأقل في الناضجين ذوي الأعمال المتوسطة، القاعدة الحاكمة. فأغلب قادة العالم وصلوا إلى سدة الحكم في الخمسينات من العمر، وربما أكبر من ذلك، وقد كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، استثناء في ذلك، عندما أدى القسم وهو ابن السابعة والأربعين.

لكن على الرغم من ذلك هناك نحو 12 حاكما، وصلوا إلى سدة الحكم قبل سن الثلاثين، نصفهم على الأقل أبناء خلفوا آباءهم. وكان أداؤهم اليوم وعبر التاريخ غير مثير للإعجاب. فعندما تولى الملك إدوارد السادس العرش في عام 1547 في سن التاسعة من العمر، كان قد تربى على يد والده هنري الثامن، «كأثمن جواهر المملكة». وقد أظهر الملك الطفل الذي كان يهيم بالدمى - توفي في سن الخامسة عشرة - سجية وحشية، ففي إحدى المرات قام بتقطيع صقر حي وفي أخرى أمر بقطع رأس عمه لأنه تولى دورا أكبر مما ينبغي في حكم البلاد.

أما أحد أصغر زعماء البلاد اليوم هو الملك مسواتي الثالث، ملك سوازيلاند، الذي توج ملكا في سن الثامنة عشرة عام 1986، والذي نكث بوعده في صرف منح تزيد على عشرة ملايين دولار للأيتام المصابين بالإيدز، على الرغم من امتلاكه ثروة شخصية هائلة، بحسب صندوق النقد الدولي. وكانت وسيلة مسواتي في مواجهة ارتفاع معدل الإصابة بالإيدز في بلاده منع الفتيات الأقل من 18 عاما من ممارسة الجنس لمدة خمس سنوات. وخلال فترة الحظر تزوج الملك من فتاة في السابعة عشرة من العمر - الزوجة التاسعة - ثم دفع بقرة كغرامة له على انتهاك القانون الذي سنه.

ويشير جيرولد بوست، الذي عمل مديرا لمركز وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتحليل الشخصيات والسلوك السياسي قبل الاضطلاع بقيادة دراسة للنفسية السياسية في جامعة جورج واشنطن، إلى أن إعداد التقارير عن كوريا الشمالية تعيدنا إلى حقبة الكرملين، عندما لجأت المؤسسات الاستخبارية الغربية إلى دراسة صور التجمعات العامة لمحاولة فهم بناء السلطة في الدول الشيوعية المنعزلة، التي تحيط نفسها بسرية بالغة. وحتى وقت قريب كانت الصورة الوحيدة التي تملكها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لكيم، صورته في المدرسة الثانوية وهو يرتدي الشورت.

ويأتي صعود كيم جونغ أون الشاب المفاجئ للسلطة هذا الأسبوع بعد الوفاة المفاجئة لوالده كيم جونغ إيل، في مرحلة مبكرة للغاية من إعداده لتولي السلطة. ويقول بوست: «لم تتح له الفرصة للفوز بولاء المحيطين به. وستسود الكثير من الشكوك الجيش والبنية السياسية بشأن قدرته على التعامل مع الضغوط والمسؤولية. في تناقض تام والده، الذي كان قد تم تعيينه في وقت مبكر للغاية وإعداده بشكل منهجي».

ولم يتضح بعد ما إذا كان عم كيم جونغ أون، جان سونغ تيك، سيعمل كوصي غير رسمي للقائد الجديد، لكن الاستخبارات الكورية الجنوبية تتوقع إنشاء نوع من مجلس الشيوخ يتقاسم السلطة مع كيم الشاب. وبطبيعة الحال، فإن عدم النضج والاندفاع ليسا حكرا على الشباب وحدهم، فكيم جونغ إيل الذي خلف والده في عام 1994 في سن الثانية والخمسين كان عادة ما يفرط في اللجوء إلى العادات التي ترتبط بالشباب وعدم النضوج. فقد ارتدى حذاء ذا كعب عال، واعتمد تسريحة شعر غريبة، في إحدى فترات حياته، وفقا لشركة «هينيسي» لصنع المشروبات الكحولية، المشتري الأكبر في العالم لأفخر أنواع الخمور.

بيد أن العصر الحالي ربما يكون عصر القيادات الشابة، خاصة في عالم التكنولوجيا، حيث أنتج «فيس بوك» ثلاث مليارديرات لا تتجاوز أعمارهم ثلاثين عاما. ويقول ديفيد بيوركلوند، أستاذ علم نفس النمو في جامعة فلوريدا أتلانتيك، ومؤلف كتاب يؤكد على أن عدم النضوج مرحلة أساسية للاكتشاف وليست وقتا ينبغي أن ينظر فيه إلى الشباب على أنهم بالغون تحت التدريب: «لكن حتى بين الشباب المبدع في قطاع التكنولوجيا الذين جمعوا مبالغ طائلة من شركاتهم، تجدهم يميلون إلى القيام بعمل ضخم ثم بيع الشركة، عدا استثناءات نادرة، والأشخاص في العشرين من أعمارهم ليسوا هم المديرين أو الرؤساء التنفيذيين، فالمهارات المطلوبة في الرؤساء التنفيذيين غالبا ما ترتبط بالأفراد ذوي الخبرة، ممن لديهم القدرة على التأقلم مع المتناقضات».

ويشير بيوركلوند إلى أن الأشخاص الموهوبين الذي يعيشون العشرينات من أعمارهم يتفوقون، بل وحتى يهيمنون على مجالات مثل التكنولوجيا والرياضة والموسيقى والرياضيات، مجالات يمكنك فيها الحصول على المعلومات بالقيمة الاسمية، حيث يوجد المطلق ولا وجود لظلال المعنى.. «لكن تعيين مارك زوكربيرغ (مؤسس فيس بوك) وزيرا للخارجية ليس بالفكرة الجيدة على الإطلاق».

مؤشر النضوج الرئيسي، الذي يفسح المجال لاتخاذ القرار الصائب هو ما يطلق عليه علماء النفس «ما وراء المعرفة»، والقدرة على معرفة ما يمكنك وما لا يمكنك القيام به. ويقول بيوركلوند: «السواد الأعظم من الذين يعملون بشكل جيد يعتقدون أننا أكثر كفاءة إلى حد ما مما نحن عليه، لكنهم لا يسعون إلى محاولة إدارة دولة».

هذه الحساسية تجاه قيودنا الخاصة ليست بالأمر الواضح إلى حد كبير في العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية، ولكنها مهارة أساسية بالنسبة لشخص يحاول حل المشكلات في بلد يعاني من الحرمان العميق والدائم. وقال بوست: «غياب الرأفة بالمواطنين ذوي المراتب الدنيا بين القيادة الكورية الشمالية أمر لافت للنظر إلى حد بعيد».

ويرى تيم إلمور، رئيس مؤسسة تنشئة القادة، وهي جماعة غير ربحية في أتلانتا تدير برامج التدريب على قيادة للشركات والكليات والفرق الرياضية: «خلال سنوات عملي التي بلغت نحو 20 عاما كنت أعتقد أنني شخص مثالي، حتى في سن الثانية والخمسين، ويمكن للعواطف أن تحد من قدرتي على اتخاذ القرارات السليمة، والقائد الناضج بين رجال الأعمال وبشكل خاص قادة الدول لا ينبغي أن يكون أنانيا وأن يسعى إلى طلب المشورة الحكيمة، وهو أمر لم نشهده في قادة كوريا الشمالية، حتى عندما كانوا أكبر سنا وأكثر نضجا».

منذ الأيام الأولى التي دونها التاريخ أدى عدم نضوج القيادات الشابة بالدول إلى تعيين أوصياء على العرش والشيوخ الذين يمكنهم توجيه وتقديم المشورة للملك، لكن حتى القادة الصغار الذين أعدوا منذ ولادته لتولي المسؤولية سيتصرفون يوما ما بصورة غير ناضجة خلال السنوات الأولى من حكمهم. ويضيف بوست: «الوصول إلى السلطة في سن مبكرة يشكل خطرا حقيقيا، انظروا إلى بشار الأسد في سوريا، الذي خلف والده في الرابعة والثلاثين، والذي يقود الآن حملة ضارية ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة، هل يشعر أنه مجبر على إظهار صلابته للقيام بهذه المهمة؟ والتساؤل الذي يواجه كيم هو: هل يملك هذا القدر من الحنكة والخبرة وذلك النوع من المعرفة بأقصى مدى يمكن من خلاله الضغط؟ الدلائل كلها تشير إلى أنه كان مدللا إلى أقصى الحدود، ولا يوجد ما يدفع للاعتقاد بأنه يملك الحكمة لفهم حجم المشكلات التي يواجهها».

والتفاصيل القليلة التي ظهرت حول حياة كيم حتى الآن تظهر مؤشرا بسيطا على أنه اضطر إلى اتخاذ قرارات تحت الضغط. ويشير البروفيسور وانغ، أستاذ علم الأعصاب في جامعة برينستون، إلى أن التربية في بيئة مترفة أمر سيئ، وأكد أن دراسات القوارض والرئيسيات، أثبتت أن استجابات هرمون التوتر يرتفع إلى مستويات قياسية لدى الأشخاص الذين لم يعانوا من الضغوط في مرحلة الشباب، ومن ثم، فإذا لم يكن كيم قد تربى على مواجهة «أي ضغوط على الإطلاق، فلن يتمكن من وضع آليات المواجهة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»