لبنان والثورة السورية.. وتجدد الانقسام

الحكومة تبرر دعمها لنظام الأسد بأنه الأصلح للبنان.. والمعارضة تراه تخاذلا

صورة بثها موقع سوري معارض أمس لجانب من انتشار الجيش بساحة المحطة في الزبداني
TT

وضعت الثورة السورية لبنان في مأزق شديد الصعوبة بحكم العلاقة التاريخية والجغرافية التي تربطه بسوريا، والتي متعه بنفوذ كبير استمر لعدة عقود في الحياة السياسية اللبنانية، تزامن مع وجود عسكري سوري في لبنان منذ عام 1976 وحتى 2005 على خلفية أحداث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وقرار مجلس الأمن في هذا الشأن.

وبتتبع أحداث الثورة السورية منذ انطلاقها في منتصف مارس (آذار) الماضي، نجد أن هناك علاقة طردية بين اشتعال الثورة وتأزم الموقف في لبنان، فكلما زادت وتيرة الأحداث السورية، تزايدت حدة الاختلافات على الساحة اللبنانية وتصاعدت المواجهة السياسية والإعلامية بين أطياف الدولة اللبنانية في النظام والمعارضة.

فقد شهد لبنان انقساما سياسيا جديدا منذ اندلاع الثورة السورية أضيف إلى ما يعانيه من أزمات وخلافات، فقد أعلنت قوى المعارضة الممثلة في «14 آذار» وفي طليعتها «تيار المستقبل» برئاسة سعد الحريري وحزب الكتائب برئاسة أمين الجميل وحزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، دعمها لانتفاضة الشعب السوري، واعتبرت الثورة «بداية الخلاص من هيمنة النظام السوري على الشأن اللبناني»، مما دفع النظام السوري وحلفاءه في لبنان إلى اتهام هذه القوى بالمشاركة في المؤامرة على سوريا ودعم الجماعات المسلحة ماديا وعسكريا لإسقاط النظام السوري وإيواء الجنود المنشقين عن الجيش السوري.

في المقابل، وقفت الأغلبية النيابية قوى «8 آذار» بقيادة حزب الله، ضد الثورة السورية رافضة إسقاط نظام بشار الأسد.. حيث أعلن حزب الله أنه ضد ما اعتبره «الهجمة الإقليمية والدولية على النظام السوري»، ورأى الحزب أن ما تتعرض له سوريا هو «مؤامرة أميركية - فرنسية» لهدم «محور الممانعة والمقاومة».

حدث تلاسن بين الفريقين، فاتهمت المعارضة حزب الله وأعوانه بمشاركة النظام السوري في قمع الشعب ودعم الأجهزة الأمنية السورية عسكريا ولوجيستيا واستخباراتيا، وهو ما نفاه حزب الله جملة وتفصيلا.

وبين هذا وذاك وقفت قوى أخرى على الحياد، رافضة منطق الانقسام الداخلي وفضلت أن يكون لها موقفها الخاص، لكنها بمرور الوقت وأمام ما يجري في سوريا من عنف، لم تجد إلا الوقوف إلى جانب الشعب السوري، فساندت قوى «14 آذار»، ولعل أبرز هذه القوى التيار الإسلامي الذي تمثله الجماعة الإسلامية وجبهة النضال الوطني برئاسة النائب وليد جنبلاط.

انعكس هذا الانقسام على الشارع اللبناني وأعطى بعدا طائفيا للأزمة برز في وقوف معظم الشيعة إلى جانب النظام السوري، فيما أيدت قطاعات واسعة من السنة الثورة، وانقسمت الطائفة المسيحية بين مؤيد ومعارض، فأصبح المسيحيون الموالون للمعارضة يتبعون موقفها، فيما قطاع عريض من المسيحيين الموارنة الموالين للتيار الوطني الحر اتخذ موقفا مناصرا للنظام السوري، نتيجة تخوفات قطاع من الشارع المسيحي اللبناني من النظام البديل في سوريا وتداعيات سقوط النظام السوري على الوجود المسيحي هناك.

وفي هذا الشأن عبر البطريرك الماروني بشارة الراعي عن تخوفه من «رحيل مسيحيي سوريا في حال تسلم الأصوليين مفاتيح الحكم»، لكن المعارضة اللبنانية ترى في مثل هذه التوجسات حربا نفسية يروج لها النظام السوري وأتباعه في لبنان لتشويه الثورية السورية وتكريس نظام الأسد كحام للأقليات الدينية.

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»