جدل سياسي بشأن احتفالات مسيحيي مصر بأعياد الميلاد ولجان شعبية لحراسة الكنائس

دار الإفتاء: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم جائزة.. و«الإخوان»: من الوارد جدا أن نحضر قداس العيد

أزهري في الكنيسة يقدم التهنئة في احتفالات مسيحيي مصر بأعياد الميلاد (أ. ف.ب)
TT

تسببت احتفالات مسيحيي مصر بأعياد الميلاد في جدل سياسي، على غير المعتاد، حيث كانت تلك الأعياد تمر بهدوء شديد، ووسط حضور رسمي من مسؤولي نظام الرئيس السابق، حسني مبارك، كما تأتي الاحتفالات بعد عام من مذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية في مستهل العام الماضي، وزادت مساحة الجدل مع صعود أحزاب الإسلام السياسي على سطح الساحة السياسية في مصر، إذ خرج اللواء عادل عفيفي، رئيس حزب الأصالة، ذي التوجه السلفي، بتصريح قال فيه إن حزبه لن يبعث بأي تهاني للمسيحيين ولن يشارك في احتفالاتهم بأعياد الميلاد (الكريسماس)، مضيفا أن هناك حاجزا نفسيا بين المسلمين والمسيحيين في مصر. وبرر عفيفي، وهو ضابط شرطة سابق برتبة لواء، وعمل مساعدا لوزير الداخلية، موقفه بأن المسيحيين يصفون المسلمين بأنهم غزاة، ويدعون لتحرير مصر من الإسلاميين.

إلا أن دار الإفتاء ردت على تصريحات عفيفي بفتوى أجازت فيها تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، شريطة أن لا تكون بألفاظ تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وقالت الفتوى إن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله، عز وجل، به مع الناس جميعا دون تفريق، مستشهدة بقوله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا» وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ».

وذكّرت الفتوى بالنص القرآني «لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ»، وأفتت دار الإفتاء بجواز قبول الهدية من غير المسلم معتبرة أنها سُنة، مشيرة إلى أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يقبل الهدايا من غير المسلمين؛ حيث ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل، وأهدت له الملوك فقبل منها».

وبعث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر برقيات تهنئة بعيد الميلاد المجيد إلى البابا شنودة الثالث بابا المسيحيين الأرثوذكس ورؤساء الكنائس والطوائف المسيحية والوزراء المسيحيين، بمناسبة أعياد الميلاد المجيد.

أما حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، فرد على تلك التصريحات بشكل عملي إذ أرسل وفدا من قياداته لتهنئة الطائفة الكاثوليكية بمصر بأعياد الميلاد.

وقال الأنبا يوحنا قلتة، نائب بطريرك الكاثوليك بمصر، إن عددا من قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، حضروا القداس الذي أقامته الكنيسة بمناسبة أعياد الميلاد، مشيرا إلى أن احتفال الكنيسة هذا العام اقتصر على القداس فقط دون وجود أي مظاهر أخرى، نظرا للأوضاع التي تمر بها البلاد.

من جهة أخرى، قالت مصادر كنيسة أرثوذكسية لـ«الشرق الأوسط» إن شبابا من بينهم مسلمون قالوا إنهم سيشكلون لجانا شعبية حول الكنائس ليلة رأس العام الميلادي الجديد، وخلال قداسات عيد الميلاد، التي ستقام مساء يوم السادس من يناير (كانون الثاني) المقبل، طبقا للتقويم الشرقي.

وتعرضت كنيسة القديسين مارمرقس والأنبا بطرس بمدينة الإسكندرية (220 كيلومترا شمال غربي القاهرة) لتفجير عشية أول أيام العام الحالي خلف 24 قتيلا وعشرات المصابين خلال خروج المسيحيين من قداس بمناسبة العام الجديد. وفي السادس من يناير عام 2010، أطلق مسلحون النار على مطرانية نجع حمادي بمحافظة قنا بصعيد مصر، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص بينهم مسلم واحد وإصابة نحو 20 آخرين. وقدمت النيابة ثلاثة متهمين للقضاء الذي قضى بإعدام المتهم الأول حمام الكموني وعاقب المتهمين الآخرين بالسجن لمدد متفاوتة، ونُفذ حكم الإعدام في الكموني في شهر أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي.

ورحبت المصادر الكنسية بمبادرة حماية الكنائس، واعتبرتها تعكس الوحدة الوطنية، إلا أنها أعربت في الوقت نفسه عن ثقتها في الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات المصرية لحماية الكنائس خلال الاحتفالات بعيد الميلاد.

ونفى القمص سرجيوس وكيل البطريركية الأرثوذكسية ما تردد عن إلغاء الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الأمر غير صحيح.. الدعوات تُطبَع حاليا وسيتم توزيعها فور الانتهاء منها».

وردا على سؤال حول توجيه الكنيسة الدعوة لقياديين بالأحزاب الإسلامية لحضور القداس قال القمص سرجيوس: «لا نوجه دعوات إلا لرئيس المجلس العسكري ورئيس الوزراء ومن يريد أن يحضر الاحتفال عليه أن يبلغنا برغبته في حضور الاحتفال لنرسل له دعوة».

وقال الدكتور محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان: «من الوارد جدا أن نرسل مبعوثين لحضور القداس والاحتفال الكنسي».

وأضاف غزلان لـ«الشرق الأوسط»: «ذهابنا للاحتفال هو مبدأ لا خلاف عليه، ويتبقى فقط اتخاذ القرار وتحديد أسماء القيادات التي ستذهب»، مشيرا إلى أن خمسة من قيادات الجماعة ذهبوا لحضور احتفال الطائفة الكاثوليكية. وأوضح قائلا: «كان مقررا أن يذهب ثمانية من القيادات إلا أن ثلاثا منهم حالت ظروفهم دون الحضور».

وقام عدد من النواب المنتمين لحزب الحرية والعدالة، الذين فازوا في الانتخابات البرلمانية، التي انتهت مرحلتان من مراحلها الثلاث، بزيارة عدد من الكنائس لتقديم التهنئة للقساوسة بأعياد الميلاد، ما بدا أنه محاولة لتبديد مخاوف المسيحيين من اتجاه حزب جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أغلبية برلمانية مريحة بعدما فاز مرشحوهم بأغلبية المقاعد في هاتين المرحلتين.