النائب أبو العز الحريري: سأترشح لانتخابات الرئاسة.. وسأقدم نفسي كمرشح توافقي للإنقاذ

قال لـ «الشرق الأوسط»: التيار المدني قادم لا محالة.. وصعود الإسلاميين وضع عارض سيزول سريعا

النائب أبو العز الحريري
TT

أعلن النائب البرلماني المخضرم أبو العز الحريري الفائز بمقعد مجلس الشعب المصري عن محافظة الإسكندرية اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة لـ«يرد اعتبار التيار المدني» بعد أن فاز الإسلاميون بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى مرحلتها الثالثة الشهر المقبل.

وقال الحريري، في حوار مع «الشرق الأوسط»: «سأقدم نفسي كمرشح توافقي للإنقاذ لأثبت أن مرشحا مدنيا يستطيع أن يفوز في انتخابات حرة بعد الثورة، ولأرد الاعتبار للتيارات والقوى المدنية».

وفاز الحريري بمقعده بعدما ترشح على رأس قائمة «الثورة مستمرة» ليعود إلى مقعده البرلماني الذي خسره في الانتخابات التي أجراها نظام الرئيس السابق حسني مبارك في عام 2010، والتي أجمع المراقبون على أن تزويرها كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لنظام مبارك.

واتهم الحريري حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي بتزييف الوعي «باستغلالهما لحوائج الناس الفقراء والبسطاء عن طريق قيامهم بجمع الزكاة والصدقات وإعادة توزيعها على الناس لكسب الأصوات الانتخابية»، وقال: «هل قامت جماعة الإخوان أو الدعوة السلفية أو حزباهما بوضع برنامج يساعد هؤلاء للخروج من دائرة الفقر التي تحاصرهم؟.. الحقيقة أن هذا لم يحدث».

واعتبر الحريري أن التيار المدني سيعود قريبا ليتصدر المشهد في مصر، وقال: «إن فوز التيار الإسلامي وضع عارض مؤقت سرعان ما سيزول، والتيار المدني قادم لا محالة».. وفي ما يلي نص الحوار.

* كيف ترى المعركة الانتخابية التي خضتها وكنت أحد الناجين بمقعدك من اجتياح التيارات الإسلامية التي فازت بـ20 مقعدا من أصل 24 بالإسكندرية؟

- أولا أرفض تعبير الاجتياح أو حتى الاكتساح؛ لأن ذلك لم يحدث واقعيا، فالذي حدث ليس تنافسا بين تيارات سياسية أو برامج تنموية، بل هو عبارة عن إعلان عن إجراء انتخابات في أعقاب قيام الثورة بشكل مباشر، حيث كانت القوى الثورية والشباب مشغولين بالمليونيات والمطالب التي كان المجلس العسكري ينفذها على طريقة القطارة، وفي الوقت نفسه لم يكن الإخوان المسلمون أو السلفيون مشغولين بفكرة الثورة على الإطلاق، وأعلنوا اتفاقهم في معظم النقاط مع المجلس العسكري، وأخذوا يستعدون للانتخابات كما لو كانت هدفا بالنسبة لهم وليست وسيلة لتحقيق كامل مطالب الثورة المصرية من إقامة الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية وغيرها، أي أن الذين قاموا بالثورة كانوا في حالة ثورية خالصة ولم يكونوا في وضع سياسي منظم يسمح لهم بخوض انتخابات، وبالتالي فما حدث من التيارات التي تطلق على نفسها أنها إسلامية - مع رفضي لهذا المسمى لأنه لا ينبغي لأي قوى سياسية أن تصف نفسها بالإسلامية لأننا جميعا مسلمون - أنهم كانوا على مدى عقود موجودين ولهم قواعد منظمة فاستطاعوا النجاح بكثافة.. لكن إذا سألتهم عن برنامجهم فلن تجد برنامجا واضحا، لقد نجحوا ليس بسبب قوتهم أو تفوقهم، بل لأن القوى الأخرى لم تكن مستعدة بعد للمنافسة، وفي رأيي إن ما حدث لم يكن انتخابات حقيقية، بل تم تزييف وعي الناخبين من قبل القوى السياسية التي تحب أن توصف بأنها قوى إسلامية.

* ماذا تقصد بتزييف الوعي؟

- تزييف الوعي الذي مارسه كل من حزبي الحرية والعدالة الإخواني والنور السلفي باستغلالهما لحوائج الناس الفقراء والبسطاء عن طريق قيامهم بجمع الزكاة والصدقات وإعادة توزيعها على الناس، هذا بالضبط ما تفعله جماعة الإخوان والدعوة السلفية لكسب الأصوات عن طريق تغطية احتياجات الناخبين بالصدقات، ولكن هل قامت جماعة الإخوان أو الدعوة السلفية أو حزباهما بوضع برنامج يساعد هؤلاء للخروج من دائرة الفقر التي تحاصرهم؟.. الحقيقة أن هذا لم يحدث، فعلى مدى أكثر من ثمانين عاما هي عمر جماعة الإخوان لم يضعوا حلولا للفقر الذي يتفاقم في مصر عاما بعد عام، لأن ذلك يستوجب رؤية سياسية شاملة هم لا يملكونها.

ثم إن الانتخابات ليست فقط صندوق الانتخاب، بل المناخ المحيط عموما من مساواة بين المتنافسين في الإنفاق على الدعاية، وعدم السماح باستخدام المساجد في أغراض الدعاية السياسية، حيث كانت المساجد هي بمثابة الورقة الرابحة التي حصدت بها التيارات السياسية الإسلامية مقاعدها، وكل هذه إمكانات غير متوافرة لمرشحي التيار المدني، وفي ظل عدم المساواة لا يصح أن نعتبر من استأثر بكل هذه المزايا مكتسحا أو حتى فائزا، فالمحصلة أن هؤلاء الذين تم انتخابهم على أساس غير سياسي سيكونون معنيين في مجلس الشعب بوضع قواعد تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الذي يحدد كل السياسات التي ستسير عليها الدولة بعد ثورة 25 يناير.

* هل تعني نتيجة الانتخابات البرلمانية الحالية في مصر أن التيار المدني قد خرج إلى الأبد من معادلة السياسة المصرية؟

- بالعكس، أنا أؤكد أن التيار المدني سيعود قريبا ليتصدر المشهد في مصر، وهو أمر أراه واقعا لا محالة، حيث إن فوز التيار الإسلامي على نحو ما أوضحت مسبقا هو وضع عارض مؤقت سرعان ما سيزول، والتيار المدني قادم لا محالة.

وأنا أرى أن السلفيين والإخوان المسلمين أمامهم خياران لا ثالث لهما، وكلاهما سيوصل في النهاية إلى صعود التيار المدني، الخيار الأول هو قيامهم بالاستعانة بالبرامج المدنية الليبرالية واليسارية للتعامل مع المشكلات التي تعاني منها مصر، وهو ما قام به بالفعل قيادات من حزب النور السلفي الذين أعلنوا عن تبنيهم لبرنامج اليسار المصري في وضع حلول للقضاء على الفقر الذي يعم الأغلبية من الطبقتين الفقيرة والوسطى، أما الحل الآخر فهو استمرار السلفيين والإخوان المسلمين في التحدث بشعارات دينية والحفاظ على فقر المواطنين حيث يمنح الوضع المتردي اقتصاديا لهم فرصة استخدام هؤلاء في الانتخابات عن طريق منحهم الصدقات والمساعدات، وهو ما لن يقبله الناس منهم بعد ذلك، لأن الوعي السياسي ينمو ويزداد، كما أن الاحتجاجات الفئوية للعمال والموظفين والشباب ستزداد إذا لم تتحقق مطالبهم، لذا فإن الخيار التالي للناخبين في حال عدم تحقق طموحاتهم سيكون حينها للتيار المدني الذي لا بد سيتمكن من تنظيم صفوفه وبناء قواعده خلال السنوات القليلة القادمة. وأؤكد أن صعود الإسلاميين هو عارض مؤقت سيزول مع بدء ازدياد الوعي والخبرة لدى المواطنين بالعملية الديمقراطية، وذلك لن يستغرق وقتا طويلا.. وأعتقد أن الممارسات الديمقراطية سوف تجعل الناس تتطلع لحلول وبرامج سياسية أكثر من التطلع للمساعدات المالية أو الشعارات الدينية.. وسيكون الاختيار على أساس سياسي، وهو ما سيرجح كفة التيارات المدنية السياسية خلال المراحل المقبلة.

* ما رأيك في آلية تسليم السلطة للمدنيين من المجلس العسكري؟ وهل تؤيد تسليم السلطة لحكومة إنقاذ وطني أو مجلس مدني، أو لرئيس مجلس الشعب؟

- كل هذه الاقتراحات غير واقعية، وكان من المفترض منذ البداية أن يتم وضع دستور جديد ثم تتم الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، أما وأن ذلك لم يحدث فلا بد لنا من التعامل مع الأمر الواقع والانتظار حتى تسليم السلطة لرئيس منتخب، لكن الطرح بتسليم السلطة لحكومة إنقاذ وطني أو مجلس مدني هو أمر أراه غير منطقي وغير واقعي، نظرا لضيق الوقت لتقوم هذه الحكومة بمهام إنقاذ فعلي وحقيقي للبلاد، وحتى الطرح الخاص بالمجلس المدني ممن يتشكل وماذا يفعل في الوقت القليل المتبقي، هناك مجلس شعب قارب تشكيله على الاكتمال، وعلينا التعامل مع الأمر الواقع.

* وماذا عن تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب ليتولى منصب رئاسة الجمهورية، وهو الاقتراح الذي تردد أكثر من مرة، خصوصا من قيادات إخوانية؟

- أرفض ذلك تماما وأحذر منه، حيث سيحمل ذلك تسليما مبكرا جدا للسلطة وبمنتهى السهولة للإخوان المسلمين وللسلفيين الذين سيسيطرون على البرلمان بسبب حصولهم على أغلبية المقاعد.. وهو أمر لا يستقيم، خصوصا وأن هناك استفتاء دستوريا هم أنفسهم - الإخوان والسلفيون - طالبوا الجميع بالالتزام بما جاء فيه من بنود ليس من بينها تسليم السلطة لرئيس مجلس الشعب، وهذه الخطوة ستعتبر قفزا على الواقع وستؤدي إلى انفجارات سياسية على الساحة المصرية.

* ماذا ترى لمستقبل الرئاسة المصرية، خصوصا وأن الانتخابات الرئاسية سوف تجرى خلال أشهر قليلة؟

- الأمر لم يكتمل بعد، وأتوقع ظهور مرشحين جدد، حيث إن الساحة قد خلت من مرشح من الممكن أن يتوقع له أحد النجاح عن غيره، وتساوى معظم المرشحين المحتملين في فرصهم.. وأرى ضرورة ظهور مرشحين جدد قادرين على المنافسة بقوة، خصوصا أني أرى أن المشروع السلفي بات أقرب على الساحة.

* ماذا تقصد بالمشروع السلفي؟

- هو المشروع المتلاقي مع نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك، حيث كان قيادات هذا الاتجاه يحرمون مجرد التظاهر السلمي ضد مبارك، وأرى أنني والمعارضين لنظام مبارك على مدى السنوات الماضية لن نقف متفرجين على هذا المشروع الذي نراه يصعد يوما بعد يوم، ولذلك فقد تقتضي الضرورة التاريخية التي تشي بالصراع السياسي الطويل بيني وبين نظام مبارك وكل من يتبع نهجه أن أتصدى لهذا المشروع.

* هل يعني ذلك أنك ستطرح بديلا قويا لخوض انتخابات الرئاسة؟

- لقد طلب مني بالفعل عدد من القوى السياسية المدنية الترشح للرئاسة، حيث يريدون أن يجتمع الكل على برنامج قومي موحد يتضمن تحقيق طموحات الشعب المصري على مختلف أطيافه وفصائله.. وأرى أن هذه الانتخابات، خصوصا بمساعدة الشباب، سوف تكون استعادة لاعتبار التيار المدني الذي تعرض للكثير من العوامل التي أدت إلى عدم حصوله على أغلبية برلمانية، وأعتقد أن الانتخابات الرئاسية ستكون فيها الأمور أوضح من الانتخابات البرلمانية، وسيكون فيها توزيع العطايا والمنح واستقطاب الفقراء بالمساعدات أمر غير يسير للمرشحين، فضلا عن تعلم الدرس من قبل القوى المدنية. وسأقدم نفسي كمرشح توافقي للإنقاذ لأثبت أن مرشحا مدنيا يستطيع أن يفوز في انتخابات حرة بعد الثورة، ولأرد الاعتبار للتيارات والقوى المدنية.. فالانتخابات الرئاسية لو أفرزت رئيسا من المرشحين الذين لا يملكون سوى الشعارات فسوف يكون ذلك أمرا خطيرا بالنسبة لمستقبل مصر.. وعلى الإخوان والسلفيين أن يطبقوا ما سبق وأن صرح به الكثير من قياداتهم أكثر من مرة حينما أقروا بأن برنامج اليسار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية هو الأنسب لمصر في هذه المرحلة. وأعتقد أن برنامج مبادئ اليسار أقدر أن يطبقه أحد القيادات التي ساهمت على مدى عقود في وضع هذه البرامج وغيرها، كما أرى أن التوافق أمر هام لهدف أسمى من التصارع السياسي، وهو مستقبل مصر وضرورة إخراج البلاد من عثراتها الاقتصادية والاجتماعية، ثم البناء على أسس علمية سليمة.

* نعود إلى مجلس الشعب الذي عدت إليه، هل تتوقع أن يقوم الإسلاميون بسن تشريعات لتطبيق الحدود الشرعية في مصر؟

- لن يحدث هذا على الإطلاق.. لأنهم ببساطة إذا سعوا لذلك فإنهم يكونون قد خالفوا الشرع ذاته، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقف تطبيق الحدود في السرقة في عام الرمادة الذي اشتد فيه الفقر، ونحن في مصر نعيش في أعوام، بل عصور كاملة، أصعب اقتصاديا من عام الرمادة.. إذن فذلك أمر مستبعد، خصوصا وأن الشعب المصري نصفه تقريبا يعيش تحت خط الفقر. وأعتقد أن الصراع الحقيقي الذي سيحدث بين التيارات المدنية والإسلامية في البرلمان سيكون حول قوانين الاستثمار والبنوك التي يرون الكثير من معاملاتها محرما شرعا، لكنني أستبعد أن يتطرق أحد منهم إلى تطبيق الحدود.

* كيف ترى الدعوات التي أطلقها الكثير من النشطاء للقيام بثورة ثانية يوم 25 يناير المقبل؟ وهل ترى أن الثورة نجحت من وجهة نظرك؟

- أنا أدعو لأن يكون يوم 25 يناير المقبل احتفالا بالثورة وعيدها الأول، ولا يمنع ذلك من تأكيدنا على المطالب التي قامت من أجلها الثورة والتي لم تتحقق بعد.. وأنا أعتبر أن الثورة لم تنجح سوى في مرحلتها الأولى وهي إسقاط رمزية النظام السابق في بعض شخوص كانوا من علامات حكمه، ولكن تبقى مراحل أخرى تتجسد في تحقيق مطالب العيش والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الكاملة، وهي كلها أمور أعتقد أنها ستتحقق تدريجيا، ولا أدعو لأن تكون ثورة ثانية بمعنى إسقاط رموز معينة لأن الوضع الحالي سيزول حتما وسيحل محله وضع آخر سيتم تحديده من قبل نواب الشعب والدستور والرئيس القادمين، وبالتالي لا يوجد أهمية لإسقاط رموز هي ذاهبة بالفعل، وعلينا أن نحول احتجاجاتنا لتصبح ذات طابع تنموي.