انتقادات الواقع السياسي في مصر تفسد الود على «فيس بوك»

أصبحت تفرق الأصدقاء.. والبعض اضطر إلى غلق حسابه الشخصي

جهود حثيثة لترميم بقايا مخطوطات المجمع العلمي المصري الذي احترق في مظاهرات التحرير الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)
TT

لم يكن «علي» الشاب العشريني يتوقع أن تتقلص قائمة أصدقائه على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بهذا الشكل، لمجرد أنه كتب على صفحته الشخصية تعليقا ينتقد فيه الشباب المعتصمين الموجودين في ميدان التحرير وشارع مجلس الوزراء واصفا إياهم بـ«البلطجية»، وذلك بعدما شاهد تصاعد النيران من مبنى المجمع العلمي الذي احترق قبل أيام.

ما حدث لـ«علي» أن المختلفين معه في الرأي والمعترضين على ما ألصقه بالمعتصمين من أوصاف، قاموا بحذفه من حساباتهم الشخصية، لكونهم يرون أن هؤلاء الشباب من الثوار الشرفاء.

لم يكن ذلك حدثا فرديا.. بعد أن ألقت أحداث مجلس الوزراء بظلالها على نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة لتصبح مجالا حاميا للنقاش بين أعضائها. فالمدافعون والمشككون في هوية المعتصمين، وأنصار المجلس العسكري والمناوئون له، والمؤيدون والمعارضون لمظاهرات الجمعة بين ميداني «التحرير» و«العباسية»، يتشددون لآرائهم ووجهات نظرهم، ومن يختلف معهم يكون مصيره الحذف والتجاهل، ويصل الأمر أحيانا إلى القطيعة التامة بين المختلفين.

وفيما تتقلص قوائم بعض أعضاء الموقع من الأصدقاء، فضل آخرون إغلاق حساباتهم الشخصية، وترك الموقع بسبب ما يجدونه من سباب وشتائم وخرق لخصوصيتهم الشخصية من جانب أصدقائهم المتراشقين بالكلمات، وكذلك مع تزايد لهجة «التخوين» بين الجميع بعد أحداث الأسابيع الأخيرة في مصر التي اشتدت مع أحداث شارع محمد محمود ومن بعده شارع مجلس الوزراء.

وتتصدر مصر البلدان العربية في معدل استخدام «فيس بوك»، وتسجل وحدها ما يقرب من 4 ملايين مستخدم بين بداية عام 2011 (وقت انطلاق الثورة المصرية) وحتى صيف نفس العام.

وتشير لبنى عبد الراضي (29) سنة، إلى أن كثيرا من الشباب المصري على «فيس بوك» لم يعد يقبل مبدأ الاختلاف معه في الرأي، بل إن الكثير يعتبر أن الشخص الذي يختلف معهم قد ارتكب جريمة يستحق عليها العقاب، وهو ما يتمثل في حذف هذا الصديق المختلف معهم بعد أن يواجه بردود فعل عنيفة، مشيرة في الوقت ذاته إلى لجوء البعض إلى كتابة عبارة: «اللي مختلف معايا في الرأي ومتضايق من كلامي ممكن يعملي بلوك».

وتمثل حالة الاختلاف بين أعضاء «فيس بوك» جزءا من الحالة العامة في المجتمع المصري، حيث يعتقد كل طرف أنه وحده دون الآخرين على صواب، وأن المختلفين في الآراء السياسية معه جميعهم على خطأ. وهي الحالة التي تضرب حاليا أوساط التيارات والأحزاب السياسية، وكذلك المواطنين المنقسمين في توجهاتهم بين ميدان «التحرير» المؤيد للثوار، وميدان «العباسية» الموالي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وهو الرأي الذي تتبناه الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية، التي ترى أن ما يشهده «فيس بوك» من تفرق «الأصدقاء» المختلفين في الآراء السياسية يعد صورة مصغرة لما يحدث في الشارع المصري، الذي يعيش حاليا حالة من عدم الاتفاق بين المصريين ووجود التيارات المتصارعة.

وتوضح أن حرية الاختلاف بين أفراد المجتمع الواحد أمر طبيعي، لكن يستلزم ذلك وجود احترام متبادل بين الجميع واحترام للخصوصية. لكن ما يحدث في الفترة الأخيرة هو تشويه لصورة الآخر، ويناقض المقولات التي تربينا عليها مثل «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وأيضا «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».

وهي الحالة التي ترجعها أستاذة علم الاجتماع إلى عدة أسباب، أبرزها حالة «البلبلة» التي تشهدها مصر وغياب القدوة في المجتمع، إلى جانب عدم تنشئة المصريين على مفهوم الديمقراطية منذ الصغر، فالديمقراطية ممارسة وعقيدة واقتناع بالرأي والرأي الآخر، لافتة إلى أن نظام الحكم السابق كان له دور وإسهام في ذلك، حيث تربت كوادر على الاستبداد بالرأي ولا تعي مفهوم الديمقراطية.