بابا عمرو تحت الحصار.. والمراقبون تفقدوا المنطقة لساعة واحدة وعاينوا الجثث وانسحبوا

ناشطون: الأمن السوري أخذ المراقبين إلى مناطق موالية ونظم فيها مظاهرات مؤيدة للنظام

صورة لبعثة مراقبي الجامعة العربية في مدينة حمص السورية أمس
TT

لم يغيّر وصول وفد من بعثة المراقبين العرب إلى مدينة حمص السورية، التي استقبلتهم بمظاهرة حاشدة مناهضة للنظام ضمت نحو 70 ألف شخص، شيئا على الأرض.. إذ أعلن ناشطون أن «الوضع المأساوي في حمص لا يزال على حاله، وأن الأمن السوري مستمر في استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي».. فيما قال رئيس الفريق محمد مصطفى الدابي إنه سيعود إلى دمشق، وفريقه باق في مدينة حمص، مشيرا إلى أن «اليوم كان جيدا جدا، ووجدنا تجاوبا من كافة الأطراف». إلا أن الناشط السياسي السوري خالد أبو سليمان، وهو أحد سكان حي بابا عمرو في حمص، أفاد بأن «القصف من الدبابات ومدفعية (الهاون) والرشاشات الثقيلة لم يتوقف منذ خمسة أيام على الحي وحتى التاسعة صباحا (أمس)، وعند التاسعة والنصف أصبح إطلاق النار متقطعا، ويستهدف كل من يخرج إلى الطريق لمنع تنظيم مظاهرة، إلى أن وصل وفد المراقبين الساعة الثانية عشرة ظهرا، عندها توقف نهائيا».

وأكد أبو سليمان لـ«الشرق الأوسط» أنه «لدى وصول الوفد إلى داخل بابا عمرو أطلقت رشقات نارية من حاجز كفر عايا باتجاه البعثة ومن معها، وذلك في محاولة لمنع هذه البعثة من متابعة طريقها نحو الحي الغربي لمشاهدة الجثث والدمار، وادعى من يرافق اللجنة من جماعة النظام أن مجموعات مسلحة إرهابية هي التي تطلق النار نحوهم، لكن الأهالي أكدوا للوفد أن مصدر النار هو حاجز الأمن». وقال: «لقد تمكنا من مرافقة الوفد إلى المناطق التي دمرت وأطلعناهم على الجثث، وتأكدوا من خلوّ المنطقة من المسلحين، وأن أهلها مسالمون، لكن ما إن غادر الوفد حتى استؤنف إطلاق النار بقوة وعاد الأهالي ليحاصَروا في منازلهم». وأوضح أن الوفد أبلغهم أنه «حضر للاستطلاع وغدا (اليوم) سيحضر وفد من خمسة أشخاص سيمكث في بابا عمرو لمدة عشرة أيام»، مؤكدا أن «الحملة مستمرة وأن معظم أحياء حمص تتعرض لإبادة جماعية»، مشيرا إلى أن «الدبابات التي انسحبت من محيط بابا عمرو اختبأت في البساتين القريبة وداخل حرم المدينة الجامعية». وإذ نفى سقوط شهداء أمس في بابا عمرو، لفت إلى أن «شهيدين سلمّا (أمس) إلى ذويهما في حي الإنشاءات توفيا تحت التعذيب، في حين أن 35 شهيدا معظمهم من الأطفال والنساء سقطوا في بابا عمرو في الأيام الثلاثة الماضية بالقصف الذي دكّ منازلهم ودمرها على رؤوسهم».

ويتوافق ذلك مع ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس من أن السلطات السورية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق أكثر من 70 ألف متظاهر كانوا يحاولون دخول ساحة كبيرة في حمص. وأضاف المرصد أن قوات الأمن السورية أطلقت الرصاص الحي في حي مجاور لميدان الساعة على متظاهرين مما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص بجروح، أحدهم في حالة الخطر.

إلى ذلك، أعلن ناشط في منطقة الخالدية، عرّف عن نفسه باسم عمر، أن «قوات الأمن السورية فتحت النار الحي على المتظاهرين الذين كانوا يشيعون جنازة إمام مسجد (قباء) الذي قتل برصاص قناصة، مما أدى إلى سقوط نحو سبعة جرحى»، مشيرا إلى أن «النظام (السوري) لم يسمح للجنة المراقبين بالدخول إلى المناطق المنكوبة في باب السباع ودير بعلبة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تداعينا للاعتصام في حي الخالدية ننتظر وصول لجنة المراقبين، وتوافد متظاهرون من كل أحياء حمص للمشاركة في تشييع الشيخ منهال الأتاسي الذي قتل عند وقوفه على مئذنة جامع (قباء)، ومناداته بإحضار الأدوية والأطباء والتبرع بالدم لمشفى (الحكمة) بسبب وجود أعداد كبيرة من الجرحى، فأطلق عليه قناصة النظام النار فأردوه على الفور».

وأضاف: «لدى خروج الجنازة وآلاف المشيعين من جامع عمر بن الخطاب في منطقة الحمراء، وبعدما قطع الجموع مسافة كبيرة وصولا إلى منطقة الخالدية، كان عدد المشيعين قارب الـ50 ألفا، وبينما كنا في طريقنا إلى منطقة الساعة (مركز المدينة) بدأ عناصر الأمن إطلاق الرصاص الحي في الهواء لتخويف المتظاهرين وتفريقهم، ولما استمرت المسيرة أطلقوا النار على الناس، مما أدى إلى إصابة سبعة شبان، ورموا القنابل المسيلة للدموع»، مشيرا إلى أن «المتظاهرين انكفأوا إلى حي الخالدية وواصلوا اعتصامهم».

ولفت الناشط عمر إلى أن «ما حُكي عن انسحاب للدبابات من الأحياء المحاصرة غير دقيق، إذ انسحب قسم منها من محيط بابا عمرو واختبأ في منطقة قريبة، على أن يعود إلى متابعة مهمته بعد خروج المراقبين»، مؤكدا أن «النظام أخذ المراقبين إلى الأحياء المؤيدة له، ونظموا مظاهرات مؤيدة للنظام ومطالبة بإخراج الإرهابيين من حمص».

من جهتها قالت قناة «الدنيا»، المؤيدة للسلطة السورية، إن وفد مراقبي الجامعة العربية توجه إلى حي باب السباع، حيث «قاموا بتقييم الأضرار التي سببتها المجموعات الإرهابية والتقوا أقرباء شهداء وشخصا خطفته»، هذه المجموعات من قبل. وأضافت أنه عند وصول المراقبين إلى باب السباع «تجمع عدد كبير من الأشخاص ليؤكدوا أنهم يريدون التصدي للمؤامرة التي دبرت ضد سوريا». وقبل جولتهم في حمص، ذكرت قناة «الدنيا» أن وفد مراقبي الجامعة العربية اجتمع مع محافظ حمص غسان عبد العال، موضحة أن «المراقبين العرب سيتوجهون إلى حماه (شمال) وإدلب (شمال غرب) أيضا»، من دون تحديد أي موعد. وكان 50 مراقبا عربيا وصلوا مساء الاثنين لمراقبة الوضع على الأرض في سوريا، حيث تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 5 آلاف شخص قتلوا في قمع الحركة الاحتجاجية ضد النظام منذ منتصف مارس (آذار) الماضي.

وفي مدينة القصير بمحافظة حمص، أعلن المرصد «استشهاد طفل في الـ14 من العمر برصاص أطلق من مبنى بلدية المدينة، كما استشهد مواطن آخر في قرية الضبعة في المحافظة نفسها برصاص طائش». كما أوضح المرصد أن «مواطنين استشهدا وأصيب آخر بجروح إثر إطلاق رصاص من قبل قوات الأمن السورية على متظاهرين في مدينة درعا» في جنوب سوريا.

وفي مدينة دوما في ريف دمشق «استشهد مدنيان برصاص قوات الأمن خلال مشاركتهما في تشييع شهداء قتلوا الاثنين».

من جهة أخرى، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن طالبا قتل أمس وجرح أربعة آخرون برصاص أطلقه طالب في كلية الهندسة الطبية في جامعة دمشق. وقالت الوكالة إن «الطالب عمار بالوش، بالسنة الثانية هندسة طبية بجامعة دمشق، أقدم على إطلاق النار من مسدس حربي خلال مذاكرة الطلاب في كلية الهندسة الطبية».

وأضافت أن إطلاق النار هذا «أدى إلى استشهاد الطالب حسين غنام، وإصابة كل من الطلاب سلطان رضوان وخضر حازم وجورج فرح وبيير لحام»، مشيرة إلى أن حالة أحد الطلاب حرجة جدا، بينما الثلاثة الآخرون إصاباتهم متوسطة. وأوضح مصدر رسمي أن «بالوش اختار الطلاب الخمسة بشكل مقصود، وقام بإطلاق النار عليهم»، مؤكدا أن «السلطات المعنية تلاحقه لإلقاء القبض عليه».

إلا أن المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في بيان له إن الطالب من بلدة رنكوس في ريف دمشق «التي نفذت فيها القوات العسكرية في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) حملة عسكرية قتل خلالها 18 من أهالي البلدة».

وأضافت أنه كان أيضا بين مجموعة «طلاب اعتصموا في حرم الكلية في الثامن من الشهر الحالي دعما لثورة الشعب السوري»، موضحا أن «طلابا موالين للنظام بينهم نجل ضابط اعتدوا على الطلاب المعتصمين الذين تعرضوا للضرب المبرح والإذلال والإهانة»، وأنه «بعد الاعتداء الوحشي على الطالب من قبل الطلاب الموالين للنظام اعتقل لمدة يومين تعرض فيهما لكافة أنواع التعذيب، فما كان منه إلا أن دخل اليوم إلى قسم الهندسة الطبية بجامعته وأطلق الرصاص على الذين قاموا بالاعتداء عليه وإذلاله وتعذيبه من الطلاب الموالين للنظام».

وفي سياق ذي صلة، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أن «عملية تخريبية» قامت بها «مجموعة إرهابية» استهدفت فجر أمس أنبوبا للغاز في محافظة حمص وسط سوريا. وقالت الوكالة إن «مجموعة إرهابية مسلحة استهدفت عند الساعة الثالثة فجرا خطا لنقل الغاز في قرية المختارية الواقعة بين كفر عبد والرستن بمحافظة حمص في عملية تخريبية».

وفي ردود الفعل الدولية، حذرت باريس، ولليوم الثالث على التوالي، السلطات السورية من اللجوء إلى عمليات «التلاعب أو الخداع» التي يمكن أن تقوم بها لإخفاء الحقائق الميدانية أو منع المراقبين العرب من الوصل إلى كافة المناطق.

وتريد باريس أن تتمكن بعثة المراقبين العرب من القيام بكافة المهام الموكولة إليها، ومن النظام السوري تنفيذ كافة بنود المبادرة العربية وليس فقط تسهيل عمل المراقبين، باعتبار أنه جزء من كل. فضلا عن ذلك، تشكك باريس سلفا في نية النظام السوري التعاون مع الجامعة أو مع المراقبين، وتتهمه ضمنا بالسعي لكسب الوقت ولفرض حقائق على الأرض، وتحديدا القضاء على كل إمكانات التحرك للمتظاهرين.

وأمس، قالت الخارجية الفرنسية إن الأسرة الدولية «ستكون بالغة الحذر إزاء كل محاولة يمكن أن يقوم بها النظام في دمشق للتلاعب أو التستر»، مشيرة إلى أنه «لم يدخر جهدا للتمويه على الواقع» القمعي المستمر منذ عشرة أشهر. وبناء عليه، فإن باريس تدعو إلى «اليقظة» وإلى تمكين المراقبين العرب من القيام بمهامهم «من دون أية عوائق». وفي ما خص مدينة حمص تحديدا، التي شهدت في الأيام الماضية قصفا متواصلا لعدد من أحيائها ومنها حي بابا عمرو، قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إنه يتعين تمكين المراقبين من الوصول إلى كل أحياء المدينة. واستطرد فاليرو قائلا إن وصول المراقبين «ليس هدفا بحد ذاته»، بل المطلوب تنفيذ الخطة العربية كاملة، ما يعني وقف القمع وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وانسحاب القوات السورية من المدن وتسهيل وصول الصحافة إلى كافة الأراضي السورية.