أجواء من التفاؤل طغت على تسليم السلطة في تونس

الاتحاد الأوروبي يرحب بالحكومة الجديدة ويلتزم تقديم الدعم لها

حمادي الجبالي يصافح الباجي قائد السبسي أثناء مغادرته قصر الحكومة بالقصبة، أمس (رويترز)
TT

اتسم خطاب الباجي قائد السبسي، رئيس الحكومة التونسية المؤقتة، بكثير من التفاءل، ولم تغب روح الدعابة التي يتسم بها السبسي لتدخل الابتسامة على وجوه الحاضرين، وجاء هذا الخطاب الذي ألقاه مساء أول من أمس بقصر الحكومة بالقصبة، والذي كان الخطاب التوديعي والإعلان عن إنهاء مهامه كرئيس حكومة وتسليم السلطة للحكومة الجديدة التي يترأسها حمادي الجبالي على المشهد السياسي في تونس.

فبعد نحو 55 سنة من استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1956، جاء أول تداول سلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع. واستعادت معظم الصحف التونسية والقنوات الإعلامية مشهد المصافحة بين قائد السبسي والجبالي والبشاشة البادية على وجه رئيس الحكومة المتخلي ووعده بالتعاون مع الحكومة الجديدة، وأكدت أن اللحظة تاريخية بكل المقاييس وهي تفتح صفحة جديدة في الحياة السياسية التونسية.

ومن جهته، رحب الاتحاد الاوروبي بتعيين الحكومة الجديدة في تونس برئاسة حمادي الجبالي، وقال التكتل الأوروبي الموحد، إنه يعلق أهمية كبيرة على تعزيز الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون في تونس، فضلا عن التقدم نحو التنمية المستديمة، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإنه يمكن لتونس أن تعتمد على الاتحاد الأوروبي لتحقيق كل هذه الأهداف. ومن خلال بيان صدر في بروكسل باسم كاثرين أشتون منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، وستيفان فول مفوض شؤون التوسيع وسياسة الجوار، أعرب التكتل الأوروبي الموحد عن أمنياته بالتوفيق للحكومة الجديدة، واعتبرها خطوة جديدة وهامة على طريق الانتقال إلى الديمقراطية، وأشار البيان إلى أن الحكومة الجديدة جاءت بناء على انتخابات ديمقراطية وخلال عام من بداية الثورة التونسية، وقدم الأوروبيون التهنئة للشعب التونسي، الذي استطاع خلال هذه الفترة إنهاء نظام استبدادي، وإجراء انتخابات لإنشاء الجمعية التأسيسية، ووضع نظام ديمقراطي، كما وجه البيان تحية للحكومة السابقة برئاسة الباجي قائد السبسي على العمل الممتاز الذي قامت به خلال الفترة الماضية، وفي البيان قال الاتحاد الإوروبي إنه يتطلع إلى بدء حوار مكثف مع الحكومة التونسية الجديدة، وأشار إلى ما قدمته بروكسل من دعم لتونس في عملية التحول الديمقراطي، وجدد البيان الالتزام بمواصلة الدعم والمساعدات استجابة لطلبات السلطات التونسية والمجتمع المدني ، وقال البيان «هناك جدول أعمال واسع من العمل مشترك ينتظرنا ومفاوضات الشراكة والانتقال لمرحلة منطقة تجارة حرة شاملة وفي إطار شراكة مميزة تعود بالفائدة على الجانبين».

وفي اطار مواصلة لسلسة الإصلاحات السياسية في تونس، بدأ المجلس الوطني التأسيسي أول من أمس اجتماعاته، وقدر خبراء سياسيون أنها ستكون كذلك بنسق «ماراثوني»، وقد تشهد تجاذبات بين طرفي السلطة على غرار ما عرفه مشروع القانون المنظم للسلطات العمومية المصادق عليه بالأغلبية المطلقة في جلسة يوم 10ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وكانت اللجنة المكلفة النظام الداخلي التي يرأسها علي العريض القيادي في حركة النهضة ووزير الداخلية في الحكومة الجديدة، قد اختصرت عدد فصول ذلك القانون وخفضتها من 340 فصلا إلى 160 فحسب، في محاولة لملاءمته مع القانون المنظم للسلطات العمومية، ومن المنتظر أن تعرض مشروع القانون فصلا بعد فصل على أنظار أعضاء المجلس التأسيسي على أن تتم المصادقة عليه بأغلبية الأصوات.

ومن خلال مصادر مطلعة بالمجلس، فإن مشروع النظام الداخلي سيتضمن كيفية تكوين الكتل البرلمانية وطريقة تحديدها من الناحية القانونية بالإضافة لانتخاب بقية أعضاء مكتب المجلس التأسيسي وتكوين اللجان البرلمانية القارة. وكان المجلس قد حدد بصفة مبدئية عدد الأعضاء بعشرة كشرط لتكوين كتلة برلمانية إلا أن أعضاء من المجلس طالبوا بضرورة التخفيض في هذا العدد مراعاة لتشتت بعض الأحزاب وصعوبة تكوين كتل برلمانية في بعض الحالات.

وبشأن الأقلية المعارضة في المجلس، فقد اشترط الفصل 39 من مشروع قانون النظام الداخلي أن يكون أحد مساعدي رئيس المجلس وهم خمسة من الكتلة المعارضة أو الأقلية على أن يتم التصويت على ترشح المساعدين لرئيس المجلس التأسيسي بالأغلبية المطلقة.

ومن المنتظر بعث هيكل داخل المجلس أطلق عليه اسم «ندوة الرؤساء»، وتضم رئيس المجلس التأسيسي ونائبيه ومساعديه الخمسة والمقرر العام للدستور ورؤساء اللجان الدائمة ورؤساء الكتل البرلمانية ورئيس لجنة الحصانة البرلمانية داخل المجلس. وسيكون من مهام هذا الهيكل إعداد برنامج عمل المجلس وجدول جلساته ومشاريع القوانين التي ستعرض عليه والجلسات العامة وأعمال اللجان البرلمانية.

ومواصلة لنهج تصحيح الوضعيات المتضررة في عهد بن علي، من المتوقع حسب مصادر مطلعة من المجلس التأسيسي، أن تبعث مجموعة من اللجان الخاصة من بينها لجنة شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العفو التشريعي العام، ولجنة مكافحة الفساد والإصلاح الإداري.

وفي محاولة لرأب الصدع بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، تسعى أحزاب الائتلاف الثلاثي إلى ضمان مشاركة فاعلة لأحزاب المعارضة، فبعد أن عرضت في السابق حقيبة وزارة المرأة وشؤون الأسرة على مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي وتم رفض المقترح، عاد الائتلاف من جديد لمغازلة المعارضة المتشددة في مواقفها والرافضة لمشاركة حركة النهضة في قيادة البلاد، وذلك من خلال عرض منصب محافظ البنك المركزي على المنصف شيخ روحو أحد أعضاء الحزب التقدمي في المجلس، وشيخ روحو من بين أهم الخبراء الدوليين في مجال الاقتصاد الإسلامي، إلا أن الرد ما زال متعثرا، بسبب إعلان الشابي منذ ظفر «النهضة» بأغلبية الأصوات في الانتخابات الأخيرة، عن مقاطعته المشاركة في حكومة تتزعمها حركة النهضة.