أزمة صحية كبيرة تلوح في الأفق باليونان

خفض النفقات 13% تسبب في ندرة الأدوية وطول فترات الانتظار للعمليات الجراحية

TT

تم افتتاح عيادة مجانية هنا منذ نحو عام لخدمة المهاجرين غير الشرعيين، غير أنها تقوم حاليا برعاية اليونانيين من أمثال فاسيليكي راغامب، التي كانت تجلس في غرفة الانتظار أملا في الحصول على الإنسولين لنجلها الذي يعاني السكري.

وقبل 4 أيام، نفدت كمية الإنسولين وانتقلت الأم، التي ليس لديها تأمين صحي وغير قادرة على دفع ثمن مزيد من الإنسولين، من صيدلية إلى أخرى وهي تناشدهم الحصول على كمية تكفي لبضعة أيام، واستغرق الأمر 3 ساعات حتى تمكنت من العثور على صيدلي مستعد لمساعدتها. وقالت الأم وهي تنظر إلى الأرض: «لقد حاولت مع الكثير منهم».

ولطالما كانت اليونان تتمتع بنظام صحي عام يكفل للجميع الحصول على جميع الخدمات الصحية، لكن خلال العامين الماضيين، اضطرت البلاد إلى تقليص النفقات بصورة كبيرة حتى تتمكن من تقليص العجز وسداد الديون. وأدت هذه التدابير إلى الإضرار الشديد بالنظام الصحي.

ويقول الأطباء في المستشفيات العامة: إن هناك نقصا في جميع أنواع اللوازم الطبية، بدءا من ورق التواليت وحتى الحقن، كما تعطلت المعدات التي تعمل على الكومبيوتر. وتقوم الممرضات برعاية 4 أضعاف عدد المرضى الذين يتعين عليهن رعايتهم، وأصبحت فترات انتظار إجراء العمليات الجراحية – بما في ذلك عمليات استئصال الأورام السرطانية – أطول من ذي قبل.

وبالإضافة إلى ذلك، أثرت الأزمة على فرص الحصول على الأدوية؛ حيث لم تعد شركات الأدوية، المدينة بملايين الدولارات، مستعدة لتزويد المستشفيات بالأدوية. وفي الوقت نفسه، يشعر الصيادلة بالخوف من عدم قدرة الحكومة على دفع مستحقاتهم؛ لذا يطالبون بالحصول على مبالغ نقدية، حتى من أولئك الذين لديهم تأمين صحي.

ويرى الكثير من الخبراء أن نظام الصحة العامة في اليونان يعاني فسادا شديدا، وأنه بحاجة ماسة للإصلاح، لكنهم يقولون أيضا إن التخفيضات في التكاليف كانت كبيرة جدا وتم فرضها بصورة سريعة للغاية، فكان تأثيرها على المواطنين مثل تأثير أعاصير تسونامي؛ ففي غضون عامين، فقط، قامت الحكومة بتخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية من 19.5 مليار دولار إلى 17 مليار دولار، بانخفاض 13%. وبموجب اتفاق اليونان مع دائنيها، يتعين على البلاد توفير مزيد من النفقات في مجال الرعاية الصحية – نحو 915 مليون دولار - حسب تصريحات مسؤولين حكوميين.

في الوقت نفسه، شهدت مرافق الصحة العامة زيادة أعداد المرضى بنسبة تتراوح بين 25 و30%، بعدما أصبح الكثير من اليونانيين غير قادرين على تحمل نفقات العيادات الخاصة. وقال أولتاز أوغارت، وهو طبيب تخدير في مستشفى سانت سافاس للسرطان في أثينا: إنه يتعين على مرضى سرطان الثدي الانتظار ثلاثة أشهر حتى تتم إزالة الأورام التي يعانون منها. وأضاف: «الانتظار لفترة طويلة هكذا هو مسألة حياة أو موت بالنسبة للمرضى».

وفي رسالة لمجلة «لانسيت» الطبية في الآونة الأخيرة، حذر فريق من الباحثين الإنجليز من أن «مأساة يونانية» تلوح في الأفق، مشيرا إلى تزايد معدلات الانتحار ومعدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، علاوة على تدهور الخدمات في المستشفيات نتيجة للمشاكل والضغوط المالية. وقال الباحثون: «يدفع المواطنون العاديون ثمن سداد الديون: عدم القدرة على الوصول إلى الرعاية والخدمات الوقائية، ومواجهة ارتفاع مخاطر فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المنقولة عن طريق ممارسة الجنس، وفقدان حياتهم في أسوأ الحالات».

ويقول الأطباء في عيادة بيراما، التي تديرها منظمة «أطباء العالم»، غير الربحية، إنهم يرون الكثير من العائلات التي لا يمكنها دفع أجرة الحافلة، ناهيك عن الرسوم الجديدة التي يتم دفعها في العيادات العامة.

من الناحية التقنية، يحق لهؤلاء اليونانيين، الذين لا يستطيعون دفع هذه التكاليف، أن يتمتعوا برعاية صحية مجانية، لكن هناك قدرا هائلا من البيروقراطية، كما هو واضح في حالة راغامب، التي كانت تعمل في السابق كمصففة شعر وأنفقت كل ما كان لديها من إعانات البطالة والتأمين الصحي منذ 6 أشهر، وتقول إنها لا تزال تنتظر إنهاء الأوراق والمستندات بشكل صحيح.

ولم تكن هذه القصة مفاجئة للدكتورة ليانا مالي، وهي طبيبة أطفال كانت تتعامل مع حالة إلياس (3 سنوات)، نجل راغامب، الذي تم اكتشاف إصابته بمرض السكري قبل بضعة أشهر فقط، بعدما دخل في غيبوبة. وقد سمعت مالي الكثير من الشكاوى المتعلقة بالبيروقراطية التي تواجه المرضى، لدرجة أن الآباء لا يتمكنون في كثير من الأحيان من دفع اشتراكات التأمين الصحي، أو أن يتخلف أرباب العمل عن سداد تلك الاشتراكات، وبالتالي يخرج هؤلاء المرضى من التأمين الصحي. وقالت مالي إنها اكتشفت شيئا مزعجا، هو أن عددا كبيرا من الأطفال لم يحصلوا على اللقاحات الأساسية، وما لم يتم حل تلك المشكلة فستعاني اليونان مجددا أمراضا مثل شلل الأطفال والدفتيريا والسعال الديكي. وأضافت: «هذا موضوع شديد الخطورة، لكن هذه اللقاحات باهظة الثمن».

وفي بداية أزمة الديون، كانت اليونان تنفق نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية – وهو ما يقرب من متوسط ما تنفقه أوروبا على الرعاية الصحية – لكن نظام الرعاية الصحية المتبع في اليونان بعيد كل البعد عن الكفاءة؛ حيث يشمل الكثير من المستشفيات الصغيرة ويعتمد على أدوية باهظة الثمن.

وعلاوة على ذلك، يعاني نظام الرعاية الصحية الفساد المتفشي على نطاق واسع؛ حيث يقول الخبراء إن الأطباء يعقدون صفقات مربحة في كثير من الأحيان مع شركات الأدوية، وهو ما يجعلهم يسرفون في وصف الأدوية المخصصة للمرضى.

ومنذ بداية أزمة الديون في عام 2009، قامت الحكومة بتجميد التوظيف وخفض الرواتب والتركيز على اتباع الوصفات الطبية وإجراءات جديدة لعمليات الشراء. وقد تم القبض على نحو 20 طبيبا بتهمة الفساد. ويعترف المسؤولون الحكوميون بوجود بعض المشاكل، لكنهم يقولون إن هذا النظام لن يستمر، وستكون هناك تعديلات خلال العام المقبل. وقال نيكوس بوليزوس، الأمين العام لوزارة الصحة: «لقد ركزنا على النواحي المالية لمدة عامين، والآن يجب أن نقوم بعملية التقييم».

ومع ذلك، يقول الكثير من الأطباء: إن التركيز على خفض التكاليف قد زاد على الحد؛ حيث يوجد نقص كبير في الأدوية، علاوة على أن الإمدادات الطبية والأدوية من نوعيات رديئة. ويشكو الأطباء من وجود خلل في الحقن الجديدة المستوردة من الصين، كما أن العقاقير لا تقوم بالوظيفة المرجوة منها، إضافة إلى أن تجميد التوظيف أدى إلى حدوث نقص في عدد الممرضات، مما يؤدي في كثير من الأحوال إلى تأجيل الإجراءات.

وقال الدكتور إلياس سيوراس، وهو طبيب متخصص في أمراض القلب وناشط نقابي في مستشفى إيفانجليسموس في أثينا: «النظام برمته يعاني حالة فوضى حاليا؛ حيث إنني أتعامل مع 40 مريضا خلال فترة عملي التي تصل لـ6 ساعات، وهو أمر مثير للسخرية. إنه يزيد من صعوبة عملي، لكنه أسوأ بكثير بالنسبة للمرضى، كما أن الأشياء التي كان يتم توفيرها في الماضي، مثل الاختبارات، لم تعد متاحة الآن، والمرضى لا يملكون المال الكافي لدفع التكاليف».

وقال سيوراس إن 11000 مريض يخضعون لعمليات جراحية في القلب في المستشفيات العامة كل عام، لكن هذا العدد انخفض إلى 9000 خلال العام الماضي؛ لذا فإنني أعتقد أن نحو 2000 شخص على الأقل في حاجة إلى التدخل الجراحي، لكنهم لا يملكون تكاليف ذلك. وأضاف: «ليس لديَّ أي فكرة عن مكان وجودهم، ومن الممكن أن يكونوا قد رحلوا عن الحياة».

ويقول خبراء، بمن فيهم ليكورغوس لياربولوس، وهو اقتصادي في مجال الصحة في جامعة أثينا، وقد ساعد الحكومة في وضع الكثير من التدابير لتوفير التكاليف: إن المستشفيات كانت على الأرجح تتجاوز عدد عمليات القلب المسموح بها. وقد شكك لياربولوس في عملية تجميد توظيف الممرضات، وقال: «إنها من المجالات التي تعاملت معها اللجنة الثلاثية بشكل خاطئ»، في إشارة إلى الجهات الثلاث الدائنة لليونان، وهي: صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي.

وقد أصبح الحصول على الأدوية يمثل مشكلة كبيرة للكثير من المرضى؛ حيث توقفت بعض شركات الأدوية – المدينة بملايين الدولارات أو غير راضية عن الأسعار الجديدة والمنخفضة التي تنوي الحكومة تطبيقها – عن تزويد المستشفيات بالأدوية اللازمة. وقد ضمت هذه الشركات شركة «روش» السويسرية العملاقة للأدوية، التي لا تتيح أدوية السرطان في أي مكان آخر. وإضافة إلى ذلك، يطالب الكثير من الصيادلة بالحصول على ثمن الأدوية فورا، رافضين المجازفة بانتظار السداد، وقال رئيس نقابة الصيادلة في أثينا، كونستانتينوس لورانتوس: إن عددا قليلا فقط من الصيادلة هم من يستطيعون الانتظار، خاصة بالنسبة لعقاقير السرطان، التي يمكن أن تصل أسعارها إلى 5000 أو 6500 يورو في الشهر.

وقال إنه طلب من أحد المرضى الذهاب إلى الصيدليات التابعة للمستشفيات لمعرفة ما إذا كانت الأدوية موجودة أم لا، لكن المريض أخبره أنه ذهب إلى 6 مستشفيات، دون جدوى. وأضاف لورانتوس: «ليس لديَّ أدنى فكرة عما حدث له».

* أسهم في كتابة التقرير ديميتريس بونياس ونيكولاس ليونتوبولوس

* خدمة «نيويورك تايمز»