المراقب «الزائف» يعيد الجدل حول محاولات ضرب مصداقية الثورة السورية إعلاميا

الراشد لـ «الشرق الأوسط»: صور «العربية» عن «بابا عمرو» أهم كثيرا من تصريحات المدعو محجوب * مدير «المرصد السوري»: مثلما هناك «شبيحة» النظام هناك أيضا «شبيحة» الإعلام

مراسم جنازة أحد الضحايا السوريين بريف دمشق أمس
TT

فيما بدا وكأنه استمرار لتسريب قصص إلى الإعلام لضرب مصداقية الثورة السورية، تفجر جدل واسع أمس حول شخص عرف نفسه لقناة «العربية» الفضائية أول من أمس بأنه المستشار محجوب، الذي زعم أنه أحد المراقبين العرب، وقال: إنه أصيب في هجوم في حي بابا عمرو بمحافظة حمص، ثم نفت الجامعة العربية في وقت لاحق أنه أحد المراقبين الذين ينتمون إليها، تكررت مثل هذه القصص من قبل خلال 10 شهور من عمر الثورة السورية، في انتحال سيدة لصوت لمياء شكور السفيرة السورية في فرنسا في حديث لقناة «فرانس 24» يونيو (حزيران) الماضي، قالت المتحدثة فيه إنها السفيرة السورية في فرنسا، وإنها تتقدم باستقالتها «احتجاجا على العنف الذي يمارسه النظام السوري»، كما عبرت عن دعمها وإقرارها بـ«مشروعية مطالب الشعب بمزيد من الديمقراطية والحرية»، ونفت بعدها بساعات في حديثها لـ«العربية» أن تكون تقدمت باستقالتها.

من جهته علق عبد الرحمن الراشد مدير عام قناة «العربية» في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أمس حول حديث محجوب بقوله: «إن الصور التي بثتها (العربية) عن أحداث بابا عمرو، أهم بكثير من تصريحات محجوب»، وقال واجبنا المهني تقديم القصص الإخبارية موثقة بالمعلومات والصور.

وأشار الراشد إلى أنهم في العادة يتأكدون من شخصية الضيف أكثر من مرة، وهناك موظفون في المحطة الفضائية مهمتهم الأساسية التأكد من شهود العيان والشخصيات التي تتحدث لـ«العربية» عن أحداث الثورة السورية، إضافة إلى أن المعدين والمذيعين في المطبخ الإعلامي للمحطة لديهم معلومات واضحة النقاط ومحددة عن أهمية مراعاة الدقة وصحة الأخبار.

وقال: «في حالة شهود العيان عند حديثهم عما يجري على الأرض في المدن السورية أيضا، نطلب أن يزكيهم أحد من الشخصيات السورية المعارضة في الخارج حتى لا يحدث لبس، لأننا نعرف أن النظام قد يستغل أي «سقطة» أو أخبار مدسوسة، وقد يحدث هذا في أي عمل إعلامي، لصالح ضرب مصداقية الثورة السورية».

وأكد الراشد لـ«الشرق الأوسط» في حالة محجوب الذي زعم على الهواء أنه من المراقبين العرب وأنه أصيب في العمليات، «أنه قد تم الحصول على موافقة من «هيئة تنسيقيات الثورة السورية» على ظهور محجوب، قبل ظهوره على الهواء، أي أن الخبر صادر من عندهم أولا، ثم حاولنا الاتصال بالجامعة العربية مرة أخرى، لتأكيد الخبر، ولكنهم ردوا على «العربية» في وقت متأخر جدا بالليل في حدود الحادية عشرة مساء بتوقيت دبي، وطالبونا أولا بالنفي وتقديم اعتذار، ثم أخذ مسؤول الجامعة العربية، يناقش ويجادل في أهمية تغطية أحداث الثورة السورية، لأن ليس لها قيمة، وأعتقد أنه محسوب على النظام، وتساءل أيضا: «لماذا أنتم متحمسون للثورة في سوريا، ألا يكفيكم ما حدث في ليبيا من قتل 50 ألف شخص من أجل إنهاء حكم القذافي؟!» ويضيف الراشد أن الأدهى من ذلك هو «أن مسؤول الجامعة العربية رفض الظهور على الشاشة، أو يتحدث بصفته الرسمية». وقال الراشد: «من وجهة نظري الشخصية أن ما حدث من أخطاء الجامعة العربية من مماطلة وبطء في التفاعل مع أحداث الشارع السوري، نجم عنه مئات القتلى وعشرات المآسي الإنسانية أسوأ كثيرا من خطأ واحد تعتذر عنه (العربية) ممثلة في تصريحات المدعو محجوب».

إلى ذلك نفت الجامعة العربية ما تردد على لسان المدعو المستشار محجوب، مؤكدة أنه لا يوجد من بين بعثتها أحد بهذا الاسم وأن عمل البعثة على الأراضي السورية يسير وفق خطة الانتشار.

وذكر السفير علي جروش أن ما ورد من أنباء عن إصابة أحد أفراد بعثة الجامعة خبر عار من الصحة وليس للجامعة أي علاقة بهذا الموضوع أو بالشخص الذي أعلن على قناة «العربية» هذا الأمر، مؤكدا أن الجامعة العربية قامت بتعميم خبر التكذيب على كل وسائل الإعلام، لأن محجوب لا علاقة له ببعثة الجامعة وليس من بينها ولا يعمل موظفا بالجامعة العربية من الأساس.

وفي بداية الشهر الجاري نفى جهاد مقدسي الناطق الرسمي باسم الخارجية السورية صحة ما أوردته عدة وكالات أنباء من تصريحات منسوبة للرئيس بشار الأسد، خلال المقابلة التي أجرتها معه شبكة «إيه بي سي». ولفت مقدسي إلى «وجود ضجة إعلامية غير مبررة حول كلام أخذ من خارج سياقه». وأوضح مقدسي أن الرئيس الأسد قال للقناة الأميركية عندما سألته المذيعة عن قوات الأمن قائلا: هذه ليست قواتي، وهل هناك مجنون يقتل شعبه «هناك أخطاء ارتكبتها قوات الأمن والجيش، والتي تتحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن في سوريا، وسيتم محاسبة المسؤولين، لأن لا أحد فوق القانون»، وتابع: «أسئلة باربرا وولترز (الصحافية التي أجرت المقابلة) كانت عفوية، وأجوبة الأسد كانت جادة وصريحة».

وسارع مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية إلى الطعن في تصريحات منسوبة للأسد، قائلا: «من المضحك أنه (الأسد) يحاول الاختباء وراء نوع من لعبة الفقاعة.. ولعبة الادعاء بأنه لا يمارس السلطة في بلاده». وشهدت الساحة السياسية إثر ذلك تلاسنا شديدا غير مسبوق بين واشنطن ودمشق، حيث صرح تونر أن تلك التصريحات تدل على أنه «إما فقد تماما كل سلطة له داخل سوريا أو أنه مجرد أداة، وإما أنه منفصل تماما عن الواقع». وأضاف: «إما أن يكون ذلك انفصالا عن الواقع وإما استخفافا أو كما قال يكون مجنونا. لا أعلم»، واتهمت الخارجية الأميركية الأسد بالتنصل من المسؤولية بعد أن قال في المقابلة التلفزيونية التي بثتها «إيه بي سي» إنه غير مسؤول عن مقتل آلاف المحتجين. وقال الأسد في المقابلة: «نحن لا نقتل شعبنا. ليس من حكومة في العالم تقتل شعبها إلا إذا كانت تحت قيادة شخص مجنون».

وقالت مصادر مطلعة مقربة من المعارضة السورية بلندن لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ليست المرة الأولى التي تبث فيها أجهزة إعلام أخبارا غير صحيحة عن الثورة السورية، كانت تصب في النهاية لمصلحة النظام».

وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إن الأهم في تغطية أخبار الثورة السورية هو التوثيق والتدقيق، وأي أخبار غير صحيحة تصب في العادة لصالح النظام. وأضاف عبد الرحمن في حالة سقوط شهداء نتأكد في العادة من الخبر من أكثر من مصدر من عائلة القتيل، وأوضح مثل ما هو موجود «شبيحة» في داخل سوريا وهم عناصر أمنية مهمتهم القتل والتخريب وإشاعة الإرهاب بين السوريين، هناك أيضا شبيحة الإعلام اليوم، وهم أخطر من شبيحة السلاح لأن شبيحة السلاح لا يستطيعون تنميق وتجميل وادعاء أن أعمالهم وطنية لأنها بوضوح ممارسة القتل المباشر للناس العزل الأبرياء ثم التنصل منه، أما شبيحة الإعلام فلديهم الكلمة يعتسفونها وهدفهم ركوب الموجة. واشتكى عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» من تعتيم بعض وسائل الإعلام العربية على أخبار وبيانات «المرصد السوري» لحقوق الإنسان، رغم صدقيتها وحرفيتها. وأضاف: «الأهم في متابعة أخبار الثورة السورية هو المصداقية، وليس التهييج الإعلامي الذي يضر بالثورة». ووقعت الأخبار المغلوطة أو خلق الأكاذيب عن أحداث الثورة السورية في أكثر من مناسبة من قبل، وكان الهدف منها إحداث حالة من التشويش عن مجريات الثورة، فقد نفت السفيرة السورية لدى فرنسا لمياء شكور في يونيو الماضي أن تكون تقدمت باستقالتها، والتي تناقلتها وكالات الإعلام، نقلا عن قناة «فرانس 24».

وفي اتصال مباشر مع «العربية»، تحدثت شكور بغضب عن الموضوع، مؤكدة أنها «لم تتكلم مع أي قناة»، مؤكدة نيتها مقاضاة القناة الفرنسية.

وقالت شكور «تم انتحال صوتي. أنا لم أتكلم مع أي قناة، والمتحدثة كانت تتكلم بالإنجليزية». كما أكدت التزامها بتمثيل النظام السوري الرسمي، برئاسة الرئيس بشار الأسد. وكانت امرأة عرفت عن نفسها على أنها شكور قالت في اتصال هاتفي أجرته معها «فرانس 24» إنها تقدم استقالتها من منصبها رفضا لـ«دورة العنف» في بلادها وإقرارا بـ«مشروعية مطالب الشعب بمزيد من الديمقراطية والحرية».

وقالت السيدة في المقابلة «لم أعد قادرة على الاستمرار في تأييد دائرة العنف المفرط ضد المدنيين العزل، ولم أعد قادرة على تجاهل موت الشباب والنساء والأطفال». وأضافت «أبلغت السكرتير الخاص للرئيس بشار الأسد نيتي الاستقالة. إنني أقر بمشروعية مطالب الشعب بمزيد من الديمقراطية والحرية». وأوضحت الدبلوماسية السورية أن «استقالتي تدخل حيز التنفيذ فورا» مضيفة «أدعو الرئيس بشار الأسد إلى دعوة زعماء المعارضة إلى تشكيل حكومة جديدة». وأوضحت «فرانس 24» في بيان أنها اتصلت بشكور من خلال الملحق الإعلامي في السفارة السورية في باريس. وأضافت الشبكة «نحن لا نستبعد أي تلاعب أو تحريض. وإذا كان هذا ما حصل فسنلاحق كل الأشخاص أو المسؤولين أو الهيئات التي تقف وراءه». ولكن السفيرة لمياء شكور اتصلت هاتفيا بالتلفزيون السوري ونفت أن تكون قدمت استقالتها. كما ظهرت شكور صباح اليوم التالي على شاشة التلفزيون الفرنسي من داخل مقر السفارة السورية في باريس، وحرصت على أن تكون جالسة وخلفها صورة للرئيس الأسد.

وقال قيادي من المعارضة السورية في لندن لـ«الشرق الأوسط» مرات عدة زعمت أجهزة إعلام عربية مقتل أشخاص معروفين مثل هالة المنجي شهيدة حي الميدان في دمشق، وفي اليوم التالي مباشرة تظهر المنجي في قناة «الدنيا» على الهواء، لتنفي مقتلها وأنها على قيد الحياة.