الدكتور محمد غنيم لـ«الشرق الأوسط»: الثوار أخطأوا بترك ميدان التحرير والأحزاب شاركتهم الخطأ

أكد أنه سيعطي صوته للبرادعي في انتخابات الرئاسة لأنه أول من قال «لا» للنظام السابق

د. محمد غنيم («الشرق الأوسط»)
TT

قال الناشط السياسي البارز في مصر الدكتور محمد غنيم، إنه بشكل عام يوجد في مصر حاليا إحباط وعدم تفاؤل بسبب ما يحدث في المرحلة الانتقالية، مشيرا إلى أن المجلس العسكري (الحاكم) لا يتعامل مع الأحداث على أنها ثورة وبالتالي لم يستخدم الآليات الثورية اللازمة لحماية الثورة، وأبرزها محاكم الثورة.

وأشار غنيم، وهو رائد في زراعة الكلى في مصر والشرق والأوسط، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، إلى أن ثوار مصر أخطأوا في الاحتفال بعد سقوط الرئيس السابق حسني مبارك قبل تحقيق أمرين: الأول صياغة دستور جديد، والثاني الإصرار على تشكيل مجلس رئاسي من المدنيين ويضم أحد العسكريين. ونوه غنيم إلى وجود شبهة تآلف وغزل بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقال إن ميدان التحرير لم يعد نقيا حاليا مثلما كان في ثورة 25 يناير، حيث هناك خلط بين ثوار حقيقيين وأشخاص نزلوا الميدان قد يكونون مدفوعي الأجر، أو يعبرون عن غضب العشوائيات.. وفي ما يلي نص الحوار:

* بداية، كيف تشخص الحالة المصرية الآن بعد مرور قرابة العام على ثورة 25 يناير؟

- الحالة النفسية للمصريين الآن تختلف عن 12 فبراير (شباط) الماضي، اليوم التالي لتنحي مبارك، ففي هذا التاريخ كان هناك سرور وسعادة وتطلع إلى مصر صاعدة وواعدة.. لكن حدث خطأ من الثوار وهو الاحتفال قبل تحقيق أمرين: الأول إسقاط دستور 1971 والدعوة لجمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد، والثاني الإصرار على تشكيل مجلس رئاسي من المدنيين ويضم أحد العسكريين. أما حاليا فهناك مشاعر مختلفة، هناك ارتباك وتراجع أمني ما زال مستمرا وتراجع اقتصادي يهدد مستقبل مصر لفترة طويلة.. بشكل عام، يوجد إحباط وعدم تفاؤل، وبالتالي وجدنا مشاعر كانت تؤيد الثورة تقول حاليا «ماذا فعلت لنا الثورة؟».. مع العلم أن الثوار لم يحطموا متجرا أو يمنعوا سائحا ولم يفعلوا شيئا يضر الاقتصاد المصري.

* لكن، هناك أحداث عنف كثيرة جرت كان شباب الثورة طرفا فيها وتسببت في وقوع ضحايا؟

- هذه المشاكل جاءت نتيجة الانفلات الأمني وعدم التعامل بشدة مع الأحداث الأولى بعد الثورة مثل حادث كنيسة «أطفيح». فالمجلس العسكري لا يتعامل مع أحداث 25 يناير (كانون الثاني) و11 فبراير (شباط) على أنها ثورة، وبالتالي لم يستخدم الآليات الثورية اللازمة لحماية الثورة.

* ما الآليات الثورية التي تتحدث عنها؟

- تشكيل محاكم ثورة ومحاكم غدر.. وإسقاط الدستور القديم حينها، واختيار جمعية تأسيسية.

* تقول إن الثوار أخطأوا.. لكن القوى السياسية والأحزاب شاركت في هذا الخطأ أيضا.. كيف ترى هذا الأمر؟

- الثوار فعلا ارتكبوا أخطاء، منها تركهم الميدان وانقسامهم وتفتيتهم، لأن هناك جزءا من ائتلافات الثورة مصطنع ولا وجود له في الواقع ولم يكن له دور في الميدان، هذا بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام والمجلس العسكري وعصام شرف أصابوا رؤوس قيادات الثوار بنوع من التيه، فاعتقدت كل مجموعة أنها هي القوة الأهم، وبالتالي حدثت تجزئة في قوى الثورة.

* ماذا يمكن أن تقدمه حكومة الجنزوري الآن؟

- الحكومة لن تستطيع أن تضيف شيئا، لأنها ممكن أن تأخذ قرارا ولا تستطيع أن تنفذه، وكانت هناك قرارات كان يمكن أن تنفذ في مارس (آذار) الماضي، لا نستطيع أن ننفذها حاليا. مثل القرض الذي عرضه صندوق النقد الدولي وقيمته 3 مليارات و1.5 مليون دولار، حاليا يتحدثون عن 10 أو 12 مليار دولار، لكن صندوق النقد الدولي يقول إن التصنيف الائتماني تغير حاليا. في مارس أيضا، كان يمكن أن نقوم بصياغة الدستور أولا ولكن حاليا لا نستطيع. كان هناك تفاؤل برئيس وزراء جاء من الميدان وهو الدكتور عصام شرف، لكن أداءه كان سلبيا وغير موفق سواء لعدم وجود صلاحيات.. الأمر الآخر هو أن هناك شبهة تآلف وغزل بين «الإخوان» والمجلس العسكري الحاكم.

* ما مشاهد هذا الغزل؟

- أنا لا أفهم تشكيل لجنة صياغة التعديلات الدستورية التي كان يرأسها المستشار طارق البشري، فتشكيلها يثير الشك، لأن لدينا فقهاء دستوريين كثيرين في البلد؛ لكن نفاجأ بلجنة بها قيادي بجماعة «الإخوان» وهو صبحي صالح.. ما فعله البشري ومعاونوه في هذه التعديلات سيحاسبهم التاريخ عنه. ثم يأتون ويقولون إن أي خروج على هذه التعديلات التفاف على إرادة الشعب، رغم أن التعديلات على دستور 1971 هي التفاف على إرادة الشعب.

* من المسؤول عن أحداث العنف الأخيرة في التحرير؟

- الأحداث بدأت باعتصام نحو 200 شخص في ميدان التحرير يقولون إنهم من مصابي الثورة، والحل الخاص بهذا الاعتصام كان سياسيا بإرسال مندوبين ليفرزوا حالات المعتصمين ويعطوا أصحاب الحقوق حقوقهم، لكن الحل كان أمنيا وهذا أثار الغضب ونزلت الناس مرة أخرى الميدان.. وفي الحقيقة، فإن ميدان التحرير لم يعد نقيا مثلما كان في ثورة 25 يناير، حاليا هناك خلط بين ثوار حقيقيين وأشخاص نزلوا الميدان قد يكونون مدفوعي الأجر، أو يعبرون عن غضب العشوائيات.

* هل أثر ذلك الخلط على موقف الثوار ومطالبهم؟

- إذا نظرنا لأحداث الاشتباكات، نجد أن الذي يلقي الحجارة والمولوتوف شكلهم ليسوا ثوارا، وفى نفس الوقت لا أتصور أن قوات الجيش والشرطة لا تبادل المتظاهرين رمي الحجارة لأن لديهم آليات أخرى، فالعسكري لا يمسك بحجر ويلقيه على متظاهرين يريد أن يحتويهم. الأمر الآخر هو أن هناك عنفا غير مبرر، فكان الأفضل أن ألقي القبض على من يلقى الحجارة وأحقق معه بدلا من سحله. وإذا حللنا حالة القتلى والمصابين نجد أن هناك الصيدلي والطبيب والمهندس، وهي نوعية معينة انتقائية.

* هل أنت مع التفسير الذي يرى أن مثل هذه الأحداث محاولة لإجهاض الثورة؟

- حاليا لا توجد ثورة في الواقع، ثم إن أصحاب القرار لا يتعاملون مع 25 يناير على أنها ثورة وإلا كانت مصر مختلفة، وكان هناك مجلس رئاسي مدني ودستور جديد، وأن تتفرغ القوات المسلحة للحالة الأمنية لأن جهاز الشرطة سقط ويقف أحيانا كالمتفرج الشامت.

* هل هناك تعمد لتأليب الرأي العام على الثورة؟

- لا يوجد شك في ذلك، فعندما تقوم ثورة ينقسم الناس إلى ثلاثة أقسام، الأول ثوار والآخر أعداء ثورة وفريق ثالث متعاطف مع الثورة في الوسط.. الثورة المضادة مهمتها أنها تحول المتعاطفين إلى جزء من أعداء الثورة وهذا حدث بالفعل، حيث نجد أن البطالة زادت وأعمالا كثيرة وقفت وبالتالي تحولوا ضد الثورة.

* هناك دعوات لإجراء انتخابات الرئاسة في 25 يناير المقبل لتعجيل تسليم السلطة؟

- هذا ارتباك.. كيف نجري انتخابات رئاسية دون دستور، ودون أن نحدد شكل الدولة رئاسية أو برلمانية.

* كيف تقيم نتائج الانتخابات البرلمانية التي حصل فيها التيار الإسلامي على أغلبية كاسحة؟

- قبل ثورة 25 يناير، كانت هناك قوى سياسية تقليدية منها جماعة الإخوان، باعتبارها منظمة ولديها تمويل كاف، بجانب أحزاب «الوفد» و«التجمع»، وبعد 25 يناير استمر بقوة تنظيم الإخوان، وظهرت قوى أخرى لها تمويل وأفكار معينة كالسلفيين. ثم إن حزب الوفد برئاسة السيد البدوي مزق القوى المدنية، لأنه تحالف مع «الإخوان» في البداية بغية الحصول على مقاعد محدودة ثم خرج، وبعض الأحزاب الصغيرة أيضا مثل «التجمع» ذهب لـ«الإخوان» قبل أن يخرج وينضم لـ«الكتلة المصرية»، و«الكرامة» بعد أن ظن حمدين صباحي، المرشح للرئاسة، أن «الإخوان» سيعطونه أصواتهم في انتخابات الرئاسة، وهذا غير صحيح.

كان يجب أن يكون «الوفد» مظلة لكل القوى المدنية من الشيوعيين وحتى «المصريين الأحرار» ولم يحدث، و«الكتلة المصرية» أيضا تفتتت بعد إنشائها، لأن قوائمها كانت تضم بعض الفلول ومرشحين عليهم علامات استفهام، فخرج منها ما يعرف بتحالف الثورة مستمرة، وبالتالي نحن أمام أكثر من تحالف يمثل القوى المدنية.

* كنت من مؤسسي تحالف الكتلة المصرية ثم خرجت لتدعم تحالف الثورة مستمرة.. لماذا؟

- كنت أدعم «الكتلة»، لكن لم أستطع الاستمرار للخلاف على تشكيل القوائم وضرورة أن تكون نقية من فلول «الوطني»، وحاليا أدعم تحالف الثورة مستمرة، باعتبارها أنقى الحركات السياسية في الوقت الحالي.

* كيف ترى شكل البرلمان المقبل، وهل سيستطيع أن يحقق أهداف الثورة؟

- في البرلمان المقبل، سنرى أكثر من 60 في المائة لـ«الإخوان» وأكثر من 15 في المائة للسلفيين، والباقي مجزأ لـ«الوفد» و«الكتلة» وباقي الأحزاب، ومن يحصل على 60 في المائة في أي دولة فهذه أغلبية كبيرة.

* لماذا غاب شباب الثورة عن مشهد الانتخابات البرلمانية؟

- بسبب حالة الانقسام والتجزئة وقلة التمويل ولتشويه صورتهم خلال الشهور الماضية، رغم أن هناك شبابا نجحوا مثل زياد العليمي ومصطفى النجار.

* كيف تقيم المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية حاليا؟

- نحدد أولا النظام السياسي في الدستور الجديد، وقد يظهر مرشحون جدد وقت الترشيح، لكن لو أجريت الانتخابات وبها المرشحون الحاليون فسأعطي صوتي للدكتور محمد البرادعي لأنه يمثل مصداقية للذين قالوا «لا» للنظام السابق، ولديه رؤى وتحليلات سياسية دقيقة وواجهة دولية، وكل الانتقادات التي وجهت له انقلبت لصالحه.

* عرض عليك أكثر من منصب وزاري في حكومات بعد الثورة.. لماذا رفضت؟

- عرض علي وزارة الصحة في حكومة شفيق ووزير التعليم في حكومة الجنزوري الحالية، ورفضت لأنني أرى أن المرحلة الانتقالية لها مهمتان أساسيتان هما الحفاظ على الأمن والاقتصاد، وفيها لا أستطيع أن أضع خطة استراتيجية لإنقاذ التعليم أو الصحة خلال هذه الظروف، أما قضية الترشح للرئاسة فهذه يمنعها الإعلان الدستوري لأني متزوج بأجنبية، ووجهة نظري أن نتيح الفرصة لأجيال أصغر.