جيل جديد من العراقيين ينهض.. بعد رحيل القوات الأميركية

أحياء دمرتها الحرب تستعيد حياتها.. وشباب وفتيات يحلمون بمستقبل أفضل

الفتاة العراقية إسراء سعدي تمارس العزف على آلتها الموسيقية المفضلة في حديقة منزلها ببغداد («نيويورك تايمز»)
TT

في اليوم الذي تلى رحيل الجنود الأميركيين، تعلوهم الفرحة، عن العراق، استيقظ 30 مليون عراقي على صباح بارد مليء بأصداء ما يقرب من تسع سنوات من الحرب. ومع ارتفاع الشمس إلى طاردة أشباح الندى عن الفرات، وقف عدد من الرجال، الذين ميزتهم النحافة الشديدة في سراويل أميركية مستعملة وسيدات يرتدين العباءات السوداء ينتظرن الحافلات الصغيرة. كان جنود الجيش وضباط الشرطة يلوحون للسائقين عبر نقاط التفتيش التي زينت بالزهور الصناعية. كان ذلك يوما كسابقه في عالم متحول.

بعض من هذه القصص التقطتها أندريا بروس، المصورة الصحافية بصحيفة «نيويورك تايمز»، التي دأبت على تسجيل تفاصيل الحياة اليومية للعراقيين على مدى الشهور الماضية، جامعة صورا قوية لتقف في وجه صور المعاناة وإراقة الدماء الذي اتسمت بها الكثير من صور الحرب.

في الولايات المتحدة، ربما تكون الحرب إلى الأبد موضوعا للمؤرخين وعناوين الصحف، من الأرواح التي ضاعت والدولارات التي بددت والأحداث الجسام، كأسر صدام حسين، وإعدامه، وفضيحة سجن أبو غريب، ومعارك الفلوجة، وزيادة أعداد القوات، والعودة إلى الوطن. ولكن في العراق سيظل العراقيون يعايشون هذا الإرث بصورة يومية مع الإيمان بالقضاء والقدر والإحباط من الأزمات السياسية المستعصية على الحل التي تواجهها البلاد، لكن في الوقت ذاته لا يزال هناك بصيص من النور ومسحة من التفاؤل، لا سيما في صفوف الشباب، ومرونة عراقية واسعة النطاق على التكيف تعود إلى ما قبل وصول الجنود الأميركيين.

في شبكة مترامية الأطراف من مدينة الصدر، حيث أتت المعارك بين المسلحين والجنود الأميركيين على مبانٍ بأكملها، يعاود الحي الخروج مرة أخرى من تحت عباءة رجال الدين المحافظين، وأفراد الميليشيات الشيعية، بملابسهم السوداء، حيث يرتاد الشباب صالونات الحلاقة من أجل قصات شعر جديدة جريئة ويتابعون أخبار السيارات الجديدة ويلعبون البلياردو في المساء.

في الوقت ذاته لا يزال الأفق بالنسبة للنساء يحدده إلى حد بعيد أزواجهن والمنزل وعدد من الوظائف المقبولة اجتماعيا، لكن الأحلام لا دخل لها هنا. فسلمى فاخر، مصورة أفراح، تسعى إلى العمل بهدوء كمصورة صحافية. وقالت لبروس «يوما ما سأصبح صحافية».

وعبر العراق تقضي العائلات التي عادت إلى المنازل المدمرة والأحياء التي يصعب التعرف عليها عطلات نهاية الأسبوع في سحب لفائف حديد التسليح وصب الخرسانات لوضع أسس جديدة. وبالنسبة للرجال في القرى التي تحيط بها الأسلاك القريبة من القواعد العسكرية الأميركية المهجورة، فإن رحيل القوات قد أنهى فرصا مؤقتة للعمل، فلم تعد هناك أية ألقاب أميركية أو تحيات من الجنود الذين يحاولون اختبار لغتهم العربية، ولن يكون هناك المزيد من طعام التاكو، داخل القاعات المكيفة، أو شهادات التقدير المغلفة من القادة الأميركيين، ولن يكون هناك عمل ولا الحماية من الجيران الذين يصفونهم بالخونة.

لكن إذا كانت الحرب قد أثرت في روح العراق، فإن آثارها لم تكن غائرة. فيتردد صداها في شباب الـ«بريك دانس» وقصات الشعر الحديثة، الذين يجوبون شوارع بغداد في سراويل الجينز والقمصان الضيقة، وفي اسطوانات «جاي زد» المقرصنة التي تباع على نواصي الشوارع وفي صور «فيفي سنت» على الحوائط التي أنشبت القنابل أظفارها فيها.

عندما تقود إلى نقطة تفتيش يسألك الجنود العراقيون عن هويتك، وما إن تظهر لهم الهوية يصيحون «هل أنت أميركي؟»، أجيبهم: نعم.

الجنود أو الصحافيون العائدون للمرة الأولى إلى العراق منذ أوج الحرب الأهلية أحيانا ما يتعجبون من التحول في الحياة العامة والخاصة، وكيف عادت الشوارع التي كانت مهجورة من قبل لتغص بمتسوقي ليلة الخميس والكثير من المباني المهدمة التي تبدلت إلى منازل أخرى فخمة.

ربما فر مليونا عراقي، لكن العراقيين، في مثل تلك الصور التي هنا، عاشوا خلال الفجوة المؤلمة والمرعبة بين الماضي والحاضر، إحداهن تربي ابنتين، وأخرى أنشأت مكتبة من كتب الطبخ وافتتحت متجرا للمعجنات.

إنهم يعيشون ويعملون ويتزوجون وينشئون جيلا جديدا. إنهم أكثر من مجرد حاشية لحرب لا تحظى بشعبية، فهم المستقبل بالنسبة للعراق.

* خدمة «نيويورك تايمز»