السلطات المصرية تداهم منظمات حقوقية وتغلقها بالشمع الأحمر

قياداتها دعت لاجتماع عاجل.. واعتبرتها عقابا على «فضح انتهاكات العسكري»

«تي شيرتات» تحمل روح وأفكار ومبادئ الثورة المصرية معروضة للبيع في أحد الشوارع الجانبية من ميدان التحرير أمس (أ.ف.ب)
TT

في خطوة تصعيدية مفاجئة، قامت النيابة العامة مدعومة بقوات من الشرطة والجيش بمداهمة مقرات 5 مراكز حقوقية بارزة من منظمات المجتمع المدني، بينها 3 منظمات أجنبية، وإغلاقها بالشمع الأحمر بعد تحريز الأوراق والمستندات وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بها، بناء على موافقة من هيئة قضائية انتدبها وزير العدل للتحقيق في مخالفات التمويل الأجنبي من دول خارجية لتلك المنظمات. وأثار الإجراء غضبا في الأوساط المصرية، ودعت قيادات منظمات المجتمع المدني لاجتماع عاجل، واعتبرت الإجراء بمثابة «عقاب على فضح منظمات المجتمع المدني لانتهاكات المجلس العسكري (الحاكم في البلاد)».

وقال مصدر مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية التفتيش وتحريز المستندات المضبوطة جرت للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، والمعهد الجمهوري والمعهد الديمقراطي (مركزان أميركيان ينشطان في تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر) وغيرها من المنظمات الحقوقية، وجاءت بعدما تجمعت معلومات شبه مؤكدة تشير إلى تلقي تلك المراكز الحقوقية لتمويل أجنبي مخالف وإنفاقه بصورة تخالف أحكام قانون الجمعيات الأهلية».

وأشار المصدر إلى أن قوات الدعم الأمني من الجيش والشرطة اقتصر عملها على تأمين عملية الضبط والتفتيش في المراكز الثلاثة، وأن تلك القوات لم تتدخل في عمل فريق محققي النيابة الذي اضطلع بتلك العملية.. مشيرا إلى أن النيابة العامة ستقوم بنقل أوراق التحقيقات إلى هيئة التحقيق لفحصها مستعينة في ذلك بمن تراهم من الخبراء الفنيين المختصين.

وأكد المصدر أن هذا الإجراء ليس دليلا على إدانة قطعية بارتكاب تلك المنظمات لمخالفات في عمليات الحصول على أموال من الخارج وإنفاقها في أعمال مخالفة للقانون من شأنها زعزعة الاستقرار في الدولة.

وقال مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة المحامي ناصر أمين لـ«الشرق الأوسط» إنه فوجئ باتصال هاتفي من العاملين معه بالمركز يخبرونه بأن قوات من الشرطة والجيش حاصرت مقر المركز، موضحا أنه عندما توجه إلى المركز وجد قوات الجيش والشرطة قد اقتحمت المقر وقامت بالاستيلاء على الأوراق والمستندات وأجهزة الكومبيوتر، وقامت في النهاية بتشميع المقر.

وتابع أمين: «ما يحدث جزء من الحملة الشرسة ضد منظمات المجتمع المدني، وإذا كانوا يتحدثون عن قضية التمويل فإنه حتى الآن لم يتم استدعاؤنا أمام أي جهة تحقيق».

وأثار اقتحام مقار المنظمات الحقوقية استياء واسعا في أوساط المجتمع المدني المصرية، واعتبرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ما حدث يمثل «نقلة نوعية» في هجوم المجلس العسكري (الحاكم) على منظمات المجتمع المدني، وقالت في بيان لها حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن «هذه الممارسات لم يجرؤ نظام مبارك على القيام بها في عصر ما قبل الثورة وإن الحملة على المنظمات ممنهجة ومعد لها سلفا وممهد لها إعلاميا منذ مدة طويلة»، مضيفا: «هدف الحملة واضح للجميع وهو إسكاتنا عن فضح الانتهاكات والممارسات القمعية التي ما زالت ترتكب حتى هذه اللحظة».

وقال المدير التنفيذي بالشبكة جمال عيد لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن الحملة هدفها ترهيب وتخويف الحقوقيين لتكميم أفواههم بسبب استمرارهم في فضح انتهاكات المجلس العسكري ضد المدنيين».

ودعا قيادات منظمات حقوقية عديدة إلى اجتماع عاجل لمناقشة وسائل التصدي لهذه الحملة. وقال المدير التنفيذي لمركز هشام مبارك للقانون المحامي الحقوقي أحمد راغب لـ«الشرق الأوسط»، إن قيادات منظمات عديدة سوف يجتمعون لبحث سبل مواجهة هذه الحملة، موضحا أنه ستتم أيضا مناقشة تحركات قانونية بينها تقديم بلاغات للنائب العام أو إقامة دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، معتبرا هذه الحملة ردا على قيام المنظمات الحقوقية بتوثيق وكشف انتهاكات المجلس العسكري ضد المتظاهرين السلميين، ونجاحها في مواجهات قانونية عديدة مع المجلس العسكري والتي كان آخرها حصول المنظمات على الحكم الخاص بإيقاف إجراءات الكشف على عذرية الفتيات خلال احتجازهن في السجون العسكرية. وأضاف: «عرفنا أن الحملة تستهدف 17 منظمة في قضية التمويل الأجنبي لكننا لم نوثق سوى لاقتحام 5 منظمات».

وسبق لهيئة التحقيق أن كشفت النقاب عن أن التحقيقات شملت كافة عمليات التمويل الأجنبي لتلك المنظمات والأشخاص التي تمت خلال السنوات الست السابقة على بداية التحقيقات، موضحة أن الثابت بالتحقيقات - حتى الآن - أن عدد الكيانات ومنظمات المجتمع المدني التي حصلت على تمويل أجنبي لا يتجاوز 400 كيان، في الوقت الذي يتجاوز عدد المؤسسات والجمعيات العاملة في مجال المجتمع المدني والمرخص لها قانونا 35 ألف جمعية ومؤسسة، وذلك بخلاف المنظمات غير المرخص لها.

وكانت تحقيقات الجهات القضائية في شأن التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية العاملة داخل مصر كشفت عن تحصل بعض المنظمات وعدد من الأفراد العاملين في مجال المجتمع المدني على ما يزيد على مليار جنيه خلال فترة الـ6 أشهر الماضية، تم تحويلها من الخارج من دول أجنبية وعربية لعدد من المنظمات والأفراد.