توقعات باستقالة المزيد من الوزراء من حكومة الكيب.. ومؤتمر في مصراتة لاختيار رئيس أركان الجيش

المجلس الانتقالي والحكومة يتخذان موقفا حياديا حيال الاعتصامات المستمرة في طرابلس وبنغازي

ليبيات متزوجات بأجانب يتظاهرن أمام مجلس الوزراء بطرابلس أمس للمطالبة بحق أبنائهن في الجنسية الليبية (أ.ف.ب)
TT

وسط توقعات باعتزام اثنين على الأقل من الوزراء الجدد في الحكومة الانتقالية الليبية التي يترأسها الدكتور عبد الرحيم الكيب تقديم استقالتهما من مناصبهما بسبب علاقاتهما السابقة مع نظام العقيد الراحل معمر القذافي، قال المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، ورئيس حكومته الدكتور الكيب، إن الاعتصامات والمظاهرات التي تشهدها مدينتا طرابلس وبنغازي من قبل متظاهرين يطالبون بتصحيح مسار الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام القذافي قبل نحو شهرين تتضمن حقوقا مشروعة.

وقالت مصادر ليبية قريبة من الحكومة الانتقالية، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك توقعات وتكهنات باستقالة المزيد من الوزراء لعلاقات سابقة لهم مع نظام القذافي، من بينهم وزيرا الإسكان والصناعة، مشيرة إلى أن ثمة معلومات متواترة عن اكتشاف عملهما في مراحل سابقة مع آخر حكومة للنظام السابق برئاسة الدكتور البغدادي المحمودي.

وإذا صحت هذه التوقعات فإن عدد الوزراء المستقيلين من الحكومة التي لم يمض على تشكيلها سوى أقل من شهر واحد سيرتفع إلى ثلاثة وزراء، بعدما استقال الطاهر شركس وزير الاقتصاد الأسبوع الماضي من منصبه بسبب ما قال إنه ظروف صحية، لكن مصادر الحكومة والمجلس الانتقالي قالت إن الاستقالة تمت استجابة لمطالب المتظاهرين المتصاعدة بطرد المحسوبين على النظام السابق من الحكومة والمجلس الانتقالي.

وبينما لم يتسن الحصول على تعقيب فوري من رئيس الوزراء الليبي الكيب، نفت مصادر حكومية لـ«الشرق الأوسط» أن يؤدي خروج الوزراء المستقيلين من الحكومة إلى تصدعها، مشيرة إلى أن الاستقالة لا تعني انهيار الحكومة، مؤكدة في المقابل قدرة الكيب على تجاوز هذه الاستقالات في وقت سريع.

وكان الكيب، الذي اختير الشهر الماضي لمهمته الصعبة في رئاسة الحكومة التي ستعمل على تأهيل البلاد لمرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية منتصف العام المقبل، قد أبلغ «الشرق الأوسط» مؤخرا أنه لن يتردد على الإطلاق في إقصاء أي وزير من حكومته طالما ثبت بالمستندات أنه كان من المحسوبين على النظام السابق.

لكن هذه التطورات لم تمنع المعتصمين في ميدان الشجرة ببنغازي وميدان الجزائر بالعاصمة طرابلس من مواصلة اعتصامهم للمطالبة بتصحيح مسار الثورة وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد.

ونقلت قناة «ليبيا الأحرار» الفضائية عن بيان للمعتصمين دعوتهم لأعضاء المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية لتقديم تعهدات رسمية بعدم ترشحهم لانتخابات الجمعية التأسيسية، بالإضافة إلى المطالبة بتفعيل العدالة وتطهير القضاء من القضاة الفاسدين، وأن تترك مهمة حلحلة تركة القذافي للبرلمان المنتخب بعد وضع الدستور.

إلى ذلك، بدأ أمس بمدينة مصراتة مؤتمر خاص لضباط الجيش الليبي لحسم مسألة تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان العامة للجيش في خطوة تستهدف التسريع بعملية استيعاب الثوار المسلحين وإعادة هيكلة وإنشاء الجيش.

وانطلقت في مدينة مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية والأكثر تضررا من المواجهات الدامية التي خاضها الثوار ضد قوات القذافي، أعمال الاجتماع المخصص للضباط الملتحقين بالثورة من أيامها الأولى لاختيار الرئيس الجديد لهيئة أركان الجيش الوطني. وقال مسؤول على صلة بالاجتماع، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قائمة تضم نحو 60 اسما لضباط من رتبة عقيد وعميد وضباط أركان وسيتم اختيار المرشح من بينهم».

وبينما يقول بعض أعضاء المجلس الانتقالي إن العقيد سالم جحا، مسؤول الشؤون العسكرية لثوار مصراتة، هو أبرز المرشحين لشغل المنصب، لفت المسؤول الذي طلب عدم تعريفه إلى أن جحا غير راغب في تولي أي منصب حاليا، مشيرا إلى أن العميد الركن عبد السلام جاد الله الصالحين، آمر عمليات الجبهة الشرقية، مرشح هو الآخر بقوة لهذا لمنصب. وأضاف «كلا المرشحين يتمتع بالثقة والحظوة لدى الثوار وقيادات الجيش. قائمة أسماء المرشحين تحظى برضا الثوار، والاختيار سيكون وفقا لمعايير الأقدمية والكفاءة»، موضحا أنه تم تشكيل لجنة من قبل ضباط «ثوار» من الجيش لدراسة القائمة تمهيدا لاختيار شخص من هذه القائمة ليترأس الأركان. وأكد أن الثوار المسلحين الذين لعبوا الدور الأرز في إسقاط نظام القذافي بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو) هم المسؤولون عن إعداد هذه القائمة، لكنه استدرك قائلا «الاجتماع في مصراتة مخصص للضباط أنفسهم، الثوار اختاروا القائمة وتركنا لضباط الجيش (الثوار) هامشا لاختيار من يتوافقون عليهم لقيادتهم بناء على المعايير المحددة».

وفقد الجيش الليبي أول رئيس لأركانه وهو اللواء الراحل عبد الفتاح يونس بعد اغتياله نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي على أيدي مسلحين متشددين في بنغازي في ملابسات لم تتضح معالمها بعد، بينما استقال خليفته اللواء محمود سليمان العبيدي الشهر الماضي لأسباب غير معروفة.

ورشح المجلس الانتقالي اللواء خليفة حفتر، قائد القوات البرية، لشغل المنصب، إلا أن اعتراض الثوار عليه دفع المجلس إلى سحب ترشيحه. فيما أعلن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس، أنه سيترك للثوار الحرية في اختيار من يرونه الأصلح لتولي هذا المنصب الحيوي. ويأمل المجلس في أن يكون تعيين الرئيس الجديد للأركان بعد تزكية الثوار له عاملا على إقناعهم بالاستجابة لطلبات نزاع أسلحتهم الثقيلة إلى خارج العاصمة الليبية طرابلس والاندماج في برنامج طموح أعدته حكومة الكيب لاستيعاب آلاف الثوار ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة الليبية.

لكن الثوار صعدوا في المقابل من مطالبهم، وعبروا عن رغبتهم في لعب دور سياسي أكبر في إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد، حيث طالب الثوار بتمثيلهم داخل المجلس الوطني الانتقالي بنسبة 40 في المائة على اعتبار أنهم «رموز الثورة». وتلا فرج السويحلي، أحد قادة الثوار في مصراتة، البيان الختامي لمؤتمر «اتحاد ثوار ليبيا» الذي يضم 60 إلى 70 في المائة من المتمردين السابقين، حيث قال إن الثوار يطالبون بتمثيلهم بنسبة 40 في المائة في المجلس الانتقالي «لأنهم رموز هذه الثورة»، على حد تعبيره.

وبينما يستمر المعتصمون والمتظاهرون في ميداني الشجرة والتحرير على التوالي في كل من طرابلس وبنغازي في مطالبة المجلس الانتقالي والحكومة بالإسراع بطرد فلول نظام القذافي ومحاكمة المسؤولين عن الفساد، والشفافية في إدارة السلطة، حذر المستشار عبد الجليل مجددا من أن أبناء القذافي ما زالوا يتربصون من خلال أعوانهم في الداخل، لزعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا. وأبلغ عبد الجليل منظمات المجتمع المدني ونخبة من الثوار في بنغازي، بأن مطالب المعتصمين بتصحيح مسار ثورة السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي هي مطالب مشروعة، لكنه أضاف أن أبناء القذافي يملكون المال ويريدون تدمير ليبيا غير أنهم لن يحكموها مجددا.

وحذا رئيس الحكومة الانتقالية عبد الرحيم الكيب نفس الحذو، وقال إنه مع كل مطالب المعتصمين، التي اعتبرها «حقوقا ومطالب مشروعة طالما كانت في حدود اللياقة والأدب». وتعهد الكيب بأن يتم استخدام الأرصدة المالية التي كانت مجمدة من قبل الأمم المتحدة في ما يسهم في الدفع بعجلة التنمية وإعادة الإعمار.

وكان علي سالم، نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي، قد أعلن مؤخرا أن البنك بات يسيطر على 97 مليار دولار بعد أسبوع من موافقة الاتحاد الأوروبي على الإفراج عن كل أموال وأصول مصرف ليبيا المركزي والمصرف العربي الليبي الخارجي.

من جهة أخرى، قال المسؤول عن ملف الأسلحة الكيماوية بالجيش الليبي إنه سيتم الانتهاء من تفكيك المواد الكيماوية التي كانت مخزنة في بلاده إبان نظامها السابق بحلول شهر أبريل (نيسان) القادم. وقال العقيد يوسف صفي الدين، في حلقة نقاش أقيمت أول من أمس بمدينة ودان التي تبعد نحو 600 كم جنوب العاصمة طرابلس، إن مكونات الأسلحة الكيماوية في ليبيا تخضع لرقابة دولية ومواقعها وضعت تحت حراسات مشددة.

وكانت الولايات المتحدة قد توصلت لاتفاق مع المجلس الانتقالي لتحديد كيفية التخلص من مخزون نظام القذافي من الأسلحة الكيماوية والصواريخ المضادة للطائرات، علما بأن مصادر متطابقة قالت في وقت سابق إن واشنطن تراقب أماكن تخزين بعض تلك الأسلحة من خلال طائرات مراقبة وطائرات تعمل من دون طيار، إلى جانب الأقمار الاصطناعية.

إلى ذلك، أعلن رئيس مؤسسة النفط الليبية نوري بالروين أن تصدير النفط الخام تجاوز للمرة الأولى منذ الثورة الشعبية التي اندلعت في السابع عشر من شهر فبراير الماضي ضد نظام القذافي، حاجز المليون برميل يوميا.

ورغم هذا الرقم القياسي فإن تقارير لفتت في المقابل إلى صعوبات تواجه عملية توزيع الوقود في الداخل وعودة طوابير السيارات أمام محطات الوقود مجددا.