مبيعات السلاح الأميركي تمضي قدما رغم المخاوف من سياسات المالكي

دبابات ومركبات عسكرية عراقية ترفع رايات شيعية بدلا من العلم الوطني مما يعزز الانطباع الطائفي

TT

تمضي إدارة أوباما قدما في تنفيذ صفقة بيع أسلحة وتدريب للعسكريين العراقيين تقدر قيمتها بنحو 11 مليار دولار، رغم المخاوف من أن يسعى رئيس الوزراء، نوري المالكي، إلى الاستئثار بالسلطة وبناء دولة من حزب واحد يهيمن عليها الشيعة وتجاهل فكرة تشكيل حكومة تقوم على مشاركة السلطة المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.

وتهدف المساعدات العسكرية التي تضم طائرات مقاتلة متطورة ودبابات حربية، إلى مساعدة الحكومة العراقية في تأمين حدودها وإعادة بناء جيش كان قبل حرب الخليج التي اندلعت عام 1991 واحدا من أضخم الجيوش في العالم؛ وقد تم تسريحه في عام 2003 بعد غزو الولايات المتحدة العراق.

غير أن عمليات بيع الأسلحة - التي تم بعضها بالفعل - تمضي قدما على الرغم من أن المالكي قد فشل في تنفيذ اتفاق كان من شأنه أن يقيد قدرته على تهميش السنة وتحويل الجيش إلى قوة طائفية. وفي حين تتوق الولايات المتحدة إلى دعم الجيش العراقي، على الأقل كنوع من التحوط ضد التأثير الإيراني، ثمة مخاوف أيضا من أن تؤتي تلك الخطوة بنتائج عكسية في حالة تحالف حكومة بغداد في نهاية الأمر بشكل أقوى مع الحكومة الدينية الشيعة في طهران منها مع واشنطن.

وقد أعرب دبلوماسيون أميركيون، من بينهم السفير جيمس جيفري، عن مخاوفهم من علاقة الولايات المتحدة العسكرية بالعراق. فقد أشار البعض إلى أنها ربما تعود بتبعات سياسية سيئة على إدارة أوباما، ما لم تتم إدارتها على النحو الملائم. وثمة مخاوف متزايدة من أن تؤدي جهود المالكي الواضحة لتهميش دور الأقلية السنية في الدولة إلى اندلاع حرب أهلية. ويقول كينيث بولاك، خبير في شؤون الأمن القومي بمعهد «بروكينغز» في واشنطن وأحد منتقدي سياسة الإدارة الأميركية في التعامل مع العراق، إن «العامل البصري هنا مروع».

وتقود برنامج تسليح الجيش العراقي السفارة الأميركية في بغداد، والتي تعمل من خلال مكتب التعاون الأمني، كوسيط بين الحكومة العراقية وشركات الأمن الخاصة، مثل «لوك هيد مارتين» و«راي ثيون». ومن بين أغلى المعدات العسكرية التي يتم بيعها للعراق الطائرات المقاتلة طراز «إف – 16» ودبابات المعارك الرئيسية طراز «إم 1 إيه 1 أبرامز» ومدافع وحاملات أفراد مصفحة. وقد تلقى العراقيون دروعا واقية للجسم وخوذات ومقطورات الذخيرة الحربية وسيارات دفع رباعي، والتي يرى منتقدون أنها يمكن أن تستخدم من قبل خدمات الأمن المحلية بهدف مساعدة المالكي في الاستئثار بالسلطة. لكن الكابتن جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية قال، إن «هدف هذه الترتيبات هو دعم قدرة العراقيين على تأمين سيادتهم ضد التهديدات الأمنية الأجنبية».

غير أن الساسة والمحللين العراقيين، في الوقت الذي أقروا فيه بأن انسحاب الجيش الأميركي قد ترك الحدود العراقية والمجال الجوي مهددين، أشاروا إلى أنه كانت هناك الكثير من الأسباب التي تدعو للخوف. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية من جانب مسؤولين أميركيين وعراقيين بأن الجيش العراقي قوة غير طائفية، فإن هؤلاء الساسة والمحللين يرون أنه تحول إلى مزيج من الميليشيات الشيعية الأكثر اهتماما بتهميش السنة من اهتمامهم بالحفاظ على سيادة الدولة. وذكروا أنه في مختلف أنحاء الدولة، رفرفت أعلام الشيعة - لا علم العراق الوطني - من الدبابات والمركبات العسكرية، في دليل، على حد قول كثيرين، على وجود تحالفات طائفية في صفوف القوات. ويقول رافع العيساوي، وزير المالية وأحد الساسة السنة البارزين، إنه «أمر غاية في الخطورة أن تقوم بتسليح جيش طائفي». وأضاف: «إنه أمر خطير جدا مع كل التضحيات التي قدمناها وكل الأموال التي أنفقناها وكل الدعم من جانب أميركا - في النهاية، ستكون المحصلة هي جيش ميليشيات رسمي».

وقال العيساوي إنه كان مهتما بالطريقة التي ستستخدم بها الأسلحة إذا مما أدى التوتر السياسي إلى موجة جديدة من العنف الطائفي. وأشار بعض العراقيين والمحللين إلى أنهم يعتقدون أن الأسلحة يمكن أن تعطي المالكي ميزة مهمة ممثلة في منع الأقاليم السنية من إعلان الاستقلال عن الحكومة المركزية. ويقول جوست هيلترمان، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية «اتخذت واشنطن قرار بناء العراق كقوة مضادة لإيران من خلال التعاون العسكري الوثيق بين البلدين وبيع أنظمة أسلحة رئيسية». وأضاف «لقد أظهر المالكي اتجاها مقلقا نحو تعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة من دون قبول أي أنظمة ضبط وتوازن».

بدأت تظهر حالة من الشك في نيات المالكي، جنبا إلى جنب مع الشك في جدوى عملية بيع الأسلحة، حتى قبل انسحاب آخر القوات الأميركية المقاتلة منذ 11 يوما. وانقلب المالكي ضد منافسيه السنة، ملقيا القبض على مئات الأعضاء السابقين في حزب البعث بتهم المشاركة في مخطط انقلاب. بعدها، سعت قوات الأمن تحت قيادة المالكي للقبض على نائب الرئيس السني، الذي فر هاربا إلى المنطقة الكردية المتمتعة بحكم شبه ذاتي في الشمال، إضافة إلى ذلك، هدد المالكي بتسريب معلومات تدين ساسة آخرين. ومع جر مثل هذه الإجراءات الدولة إلى أزمة سياسية، صرح المالكي، بعد بضعة أيام، بأن العراق سيتحول إلى «بحور من الدماء» إذا سعت المناطق التي يسيطر عليها السنة إلى مزيد من الاستقلالية.

لم يكن هذا تحولا غير متوقع في مسار الأحداث. فعلى مدار الصيف، أخبر الأميركيون مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى بأن الولايات المتحدة لم تكن ترغب في توطيد علاقة عسكرية دائمة مع دولة همشت دور الأقليات داخلها وحكم قادتها شعبها بالقوة. وحذر الأميركيون مسؤولين عراقيين من أنهم إذا ما رغبوا في الاستمرار في تلقي مساعدات عسكرية، يتعين على المالكي تنفيذ اتفاق مبرم منذ عام 2010 والذي يقضي بأن يكون للكتلة السنية في البرلمان رأي بشأن من يدير وزارتي الدفاع والداخلية. ولكن على الرغم من تعهده بالقيام بذلك، ما زالت الوزارتان خاضعتين لسيطرة المالكي، على نحو يثير غضب الكثير من السنة.

* خدمة «نيويورك تايمز»