زيارة صالح لأميركا لا توفر له الحصانة ولا تمنع ملاحقته

الناطق باسم السفارة اليمنية في واشنطن: سيزور الولايات المتحدة بصفته رئيس دولة

TT

يظهر طلب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح السماح له بزيارة الولايات المتحدة أنه ربما يكون استسلم الآن لفكرة التخلي عن السلطة بعد احتجاجات استمرت لأشهر، لكنه لا يضمن له الحصانة من المحاكمة التي ينشدها مقابل تنحيه.

وتبحث واشنطن ما إذا كانت ستمنحه تأشيرة للعلاج أم لا، لكنها لا تريد ولا تستطيع إيواء صالح على أراضيها لفترة طويلة. ويسود اعتقاد متزايد بين الخبراء بأن الحكومة اليمنية المستقبلية ربما تجد في نهاية المطاف أن التعهد بالعفو عن الرئيس يثير انقسامات تعطيها حق مخالفة هذا البند من الاتفاق الذي تريد السعودية والولايات المتحدة تطبيقه لتنحية صالح عن الحكم. وقال إبراهيم شرقية، المتخصص في حل النزاعات بمركز بروكنغز الدوحة، عن سعي صالح للذهاب للولايات المتحدة «أعتقد أن صالح يدرك أن المسألة منتهية بالنسبة له شخصيا، وهو يعمل على الرحيل. لا يريدون التعامل مع تداعيات هذا وهو وجوده على أراضيهم، ويدركون المشاكل المصاحبة للعفو». وأضاف «أيا كانت الترتيبات الآن فإنه سيكون هناك اتجاه يطالب بمحاكمة صالح».

وأعلن صالح خطته لزيارة الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بعد أن قتلت قواته 13 محتجا يطالبون بمحاكمته بتهمة قتل مواطنين يمنيين خلال نحو عام من الاحتجاجات الحاشدة التي استهدفت الإطاحة به بعد ثلاثة عقود في الحكم. وقتل مئات المحتجين على أيدي وحدات يقودها أبناء صالح وأبناء إخوته منذ بدء الانتفاضة ضده في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويتعارض مطلب المتظاهرين بمحاكمته مع العنصر الرئيسي في المبادرة الخليجية التي وضعت لتنحيته عن الحكم. وبموجب المبادرة التي أيدها قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودعمتها واشنطن التي مولت صالح طويلا بوصفه شريكا مهما في حملتها ضد الإرهاب باليمن، يتخلى الرئيس اليمني رسميا عن صلاحياته لنائبه. ويحتفظ صالح بلقب رئيس الدولة إلى أن تجرى انتخابات الرئاسة لاختيار خليفة له في 21 فبراير (شباط).

وجاءت أعمال العنف التي وقعت في الآونة الأخيرة فيما فتحت وحدات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي يقودها ابن صالح وابن أخيه على التوالي النار على عشرات الآلاف من المحتجين الذين اقتربوا من مجمعه الرئاسي في ختام مسيرة استمرت لأيام وانطلقت من تعز للمطالبة بمحاكمته. وتزامن هذا التحرك نحو مقر صالح مع بدء ما سماه بعض اليمنيين ثورة موازية، حيث يستهدف تحرك عمالي أقارب صالح والموالين له في المؤسسات الحكومية الرئيسية، مما يقوض سيطرته على السلطة. وفي الأسبوع الماضي، شكلت الحكومة المؤقتة التي يشارك فيها موالون لصالح ومعارضون له إدارة طوارئ لتشغيل شركة «الخطوط الجوية اليمنية» الحكومية ردا على إضراب للعاملين الذين طالبوا بإقالة رئيسها عبد الخالق القاضي وهو صهر صالح. وفي الأيام التالية واجه المعينون من قبل صالح انتفاضات في حرس السواحل والأكاديمية البحرية وكلية الطيران وشرطة المرور ووحدة تدريب تابعة للجيش ووكالة الأنباء الرسمية ومقر للأمن بصنعاء استدعى قائده مسلحين في ملابس مدنية لإطلاق الرصاص على مرؤوسيه الذين طالبوا بإقالته.

وظهر طلب صالح الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة للمرة الأولى الشهر الماضي حين وقع اتفاق نقل السلطة، لكن منشقا عن نظام صالح يقول إن التحديات التي واجهتها شبكة نفوذه بالمؤسسات الحكومية في الآونة الأخيرة ربما جعلت الزيارة أكثر إلحاحا. وقال عبد الله السعدي، مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة سابقا الذي استقال من منصبه في مارس (آذار) بعد مقتل عشرات المحتجين دفعة واحدة «هناك ثورة الآن داخل مؤسسات الدولة المختلفة. العمال يتمردون على الإداريين الذين عينهم صالح، هناك ثورة تمتد إلى هذه المؤسسات وتسيطر سلميا».

وأثار طلب حصول صالح على تأشيرة موجة غضب في الدوائر السياسية بواشنطن وبين صانعي الرأي، بما في ذلك مجلس تحرير صحيفة «واشنطن بوست». وأشارت الصحيفة إلى الغضب الذي سببه السفير جيرالد فيرستاين حين وصف مسيرة تعز بأنها عمل استفزازي، قبل أن تفتح القوات النار على المحتجين. وقالت إن التأشيرة ستمنح لجوءا ضمنيا لصالح مما يلهب الموقف تماما مثلما غضب الطلبة الإيرانيون حين وافقت الولايات المتحدة على استقبال الشاه للعلاج عام 1979. ويقول مراقبون إن الاعتبارات القانونية بعيدا عن نفور الولايات المتحدة من حليفها السابق تجعل احتمال بقاء صالح على الأراضي الأميركية لفترة طويلة غير مرجح.

وكانت صحيفة يمنية قد ذكرت نقلا عن مسؤولين لم تكشف عن أسمائهم قولهم إن صالح وعددا كبيرا من أقاربه سيستقرون في أبوظبي. وتواجه واشنطن مزيدا من التشويه لصورتها بسبب مسألة منح صالح الحصانة من دون حسم لوجهته النهائية. وصورة الولايات المتحدة سيئة بالفعل بين اليمنيين بسبب استخدامها طائرات من دون طيار وصواريخ لقتل أعضاء مزعومين بتنظيم القاعدة. ورفض محمد الباشا، المتحدث باسم السفارة اليمنية في واشنطن، ردا على أسئلة من خلال موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي، تحديد عدد التأشيرات التي ستحتاجها حاشية صالح، لكنه أكد أنه سيزور الولايات المتحدة بصفته رئيس دولة. وكتب الباشا يقول إن صالح لم يتخل عن كل صلاحياته التنفيذية، وإن الانتقال الكامل سيكون بعد 21 فبراير. ويقول مايكل هانا، زميل مؤسسة «ذا سينشري» وخبير القانون الجنائي والعدالة الانتقالية، إنه من المرجح أن يحمي هذا الوضع صالح من أي تحرك قانوني خلال وجوده بالولايات المتحدة ولكن ليس بعد أن يفقد وضعه الحالي. وأضاف «قدومه إلى الولايات المتحدة من عدمه لا يصادر على أي عمليات محاسبة مستقبلا. ما فعله مدون في سجله، وهذا سيبقى».