المتظاهرون انتقدوا بعثة المراقبين.. وبروز أصوات تدعو للجهاد

السوريون يخلقون ساحات بديلة للتجمع فيها مع احتلال النظام للساحات الرسمية في المدن والبلدات

TT

أبرزت دعوات المناهضين للنظام السوري للزحف إلى الساحات الكبرى في المدن والبلدات السورية يوم أمس، مؤشرات عن منعطفات خطيرة تتجه إليها الثورة السورية، فعدا الانقسام الحاد بين المناهضين والمؤيدين وما ينطوي عليه من حقد قد يعيق مشاريع للمصالحة مستقبلا، لوحظ ارتفاع صوت الدعوات للمطالبة بـ«إعلان الجهاد المقدس»، بعد فقدان الأمل في المساعدة الدولية والعربية لردع النظام عن الاستمرار في قتل السوريين. فحتى بعثة المراقبين العرب لم تحظ بثقة السوريين، سواء كانوا مناهضين أو موالين للنظام، إذ استبقت مهمتها بحملة تشكيك في نزاهتها، وتشويش على طبيعة مهمتها، ليكون «الزحف إلى الساحات» بمثابة دعوة لملاقاة البعثة، فحولها النظام إلى فرصة للاستمرار في خلط الأوراق عبر تنظيم مسيرات للمؤيدين في الساحات التي منعت المتظاهرين من الوصول إليها.

فالساحات ومنذ اليوم الأول لانطلاق الثورة السورية في 15 مارس (آذار) الماضي، كانت هدفا للطرفين: النظام والمتظاهرين. فالنظام يوما بعد آخر يزداد شراسة في منع وصول المتظاهرين إليها، مستخدما كل الوسائل الممكنة لذلك، بدءا من الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية وحتى احتلال الساحات بالمدرعات ومسيرات التأييد، بحيث أصبح الوصول إلى الساحات الكبرى في المدن الرئيسية حلما صعب المنال، تتم الاستعاضة عنه بخلق ساحات بديلة. مثلا الحماصنة الذين تعرضوا لمجزرة لدى اعتصامهم في ساحة الساعة منذ ثمانية أشهر، صنعوا مجسما لساعة حمص الشهيرة، وباتوا ينصبونه في أي ساحة أو فسحة يتجمعون فيها في بابا عمرو والخالدية وغيرها من أماكن. إلا أن مجسم الساعة لم يقتصر على حمص، بل عبر إلى مناطق أخرى. فصنع أهالي القامشلي مجسما لساعة حمص وتظاهروا حوله في تحية لصمود حمص أمام وحشية القمع، ويوم أمس كان مجسم الساعة يرتفع في مدينة داعل في ريف حوران وقد كتب عليه أنه «يرتفع في المكان الذي شهد تحطيم أول صنم»، في إشارة إلى أن أول تمثال لرموز النظام تحطم في داعل.

أما ساحة العاصي في حماه، حيث قدم مناهضو النظام في حماه نموذجا لما قد تكون عليه المظاهرات في سوريا، لو تمكن المتظاهرون من الوصول إلى الساحات الرئيسية، إذ خرجت مظاهرات هناك كانت الأكبر ولعدة أشهر قبل أن يوجه النظام ضربة قاسية للمدينة لدى اجتياحها في شهر رمضان الماضي واحتلال ساحة العاصي ومنع المتظاهرين من الوصول إليها. ويوم أمس هتف أهالي حماه وريفها في المظاهرات التي خرجت في الأحياء والبلدات والمدن «عالعاصي راجعين»، حيث لم يكل المتظاهرون في حماه ورغم شدة البطش من محاولة الوصول مجددا إلى ساحة العاصي، رغم أنهم خلقوا لهم ساحات أخرى في الأزقة والحارات الخلفية. وكما في كل منطقة من مناطق التظاهر صارت هناك ساحات بديلة للتظاهر يحميها الأهالي، ويعاد فيها ترميم الحراك بعد كل هجمة عنيفة. ففي ساحة من ساحات التظاهر في حماه، ارتفع مجسم لساعة حمص وتحلق حوله المتظاهرون، وقدر رسم على الأرض خريطة لسوريا وعليها أسماء درعا حمص حماه إدلب وهي تنزف، مع عبارة كبيرة بالإنجليزية أوقفوا القتل. ورفع ثلاثة أطفال الأحرف الثلاثة للإغاثة الإنسانية (sos) وكتب على صدورهم «الجامعة العربية تقتلنا». وفي المحيط ارتفعت لافتات كتب عليها «كلنا حمص».

وفي مدن أخرى كالقصير في ريف حمص، صارت هناك ساحة الفاروق بديلا عن ساحة السيدة عائشة وسط البلد التي احتلتها حواجز ومدرعات الجيش ومنعت وصول الناس إليها بسبب وجود قناصة على أسطح المباني المحيطة بالساحة. وفي حمص، صارت ساحة الخالدية بدل ساحة الساعة. وفي دوما والكسوة وغير من بلدات ريف دمشق، ظهرت ساحات أخرى غير تلك الموجودة وسط البلد.

إلا أن النظام، وبدوره بحسب رأي نشطاء سوريين، بات همه المحافظة على احتلاله للساحات، وبأي ثمن، ويقول أحد النشطاء «إن حالة من الانفلات الأمني والفوضى وانتشار الجرائم تحصل تحت أنظار النظام المستميت بمنع المتظاهرين السلميين من الوصول إلى الساحات ولم يعد مهتما بالأمن والأمان خارج دائرة الساحة الكبيرة». ويتابع القول: «لا بل إنه يرى في الانفلات الأمني مصلحة كبيرة لتدعيم بقائه إذ يزيد حالة الرعب من سقوطه ويدفع المؤيدين للدفاع عنه». وبرز هذا بوضوح حين تم جمع مؤيدين للنظام من مناطق معينة عبر نداء من «يحب بشار ينزل» للمشاركة في مسيرات تأييد تلاقي بعثة المراقبين العرب في المناطق الساخنة، كما حصل أمس في دوما بحسب أحد الناشطين الذي قال إن «أهالي دوما خرجوا لملاقاة اللجنة في ساحة دوما عند الجامع الكبير إلا أن السلطات أخذتهم إلى البلدية، ومنعت المتظاهرين من الوصول إلى ساحة البلدية، بينما أحضرت مؤيدين من مناطق أخرى ليلاقوا المراقبين وراء مبنى البلدية على أنهم من أهالي دوما».