مصر تستعد لصراع جديد حول الدستور

مع اقتراب المشهد الأخير للانتخابات البرلمانية

TT

أشرفت الانتخابات البرلمانية في مصر على الانتهاء بإغلاق صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من المرحلة الثالثة والأخيرة، بعد مرحلتين حصدت جماعة الإخوان المسلمين أغلبية مقاعدهما، وسط توقعات بأن تشمل جولة الإعادة للمرحلة الثالثة في الأسبوع المقبل معظم دوائر النظام الفردي. وظلت الشكاوى من خرق فترة الصمت الانتخابي أبرز مظاهر التجاوزات، وإن شهد اليومان الماضيان مناوشات بين مرشحي أحزاب التيار الإسلامي خاصة في محافظة قنا بالصعيد التي شهدت العديد من الاشتباكات وأعمال العنف بين أنصار المرشحين، بالإضافة إلى استخدام الأموال للتأثير على توجهات الناخبين. وهو ما حدث بلجنة القارة في أبو تشت بين أنصار مرشح حزب المواطن المصري والمصريين الأحرار من ناحية وحزب النور من ناحية أخرى، بعد قيام مندوبي حزب النور بمدرسة القارة بتوجيه الناخبين للتصويت لصالح حزب النور، وتبادل بعدها أطراف النزاع التراشق بالطوب والحجارة، مما دفع القاضي إلى غلق اللجان أمام الناخبين حتى وصل الجيش وقام بفض الاشتباكات. ورغم تقليص صلاحيات البرلمان في الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري (الحاكم) في نهاية مارس (آذار) الماضي، تعول القوى السياسية على أن يضطلع البرلمان بالتفاوض مع العسكري بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية، باعتباره أول هيئة منتخبة بعد سقوط النظام السابق. وسيعقد حزب الإخوان سلسلة جلسات تشاورية بين أعضاء تحالفه (التحالف الديمقراطي من أجل مصر)، الذي يضم أحزاب ليبرالية ويسارية وإسلامية، لطرح وثيقة مبادئ استرشادية للدستور المزمع الانتهاء من صياغته قبل تسليم السلطة في البلاد لرئيس منتخب في مطلع يوليو (تموز) المقبل. وحصد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، 161 مقعدا من أصل 348 مقعدا في المرحلتين الأوليين من الانتخابات. وقالت جماعة الإخوان إنها لن تتوقف كثيرا أمام المادة الأولى من الدستور والتي تحدد هوية الدولة. وأوضح الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «هناك مخاوف أثيرت بشأن أن تكون مدنية الدولة ستارا للعلمانية»، مضيفا: «الإخوان لن يضعوا نص المادة الأولى كحجر عثرة.. يمكننا أن نكتفي بنص المادة الثانية التي تقول إن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».

وتنص المادة الأولى في الإعلان الدستوري على أن «جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة».

وحول أطروحات بعض الأحزاب السلفية التي ترغب في تعبير «مبادئ الشريعة»، إلى «أحكام الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع» في نص المادة الثانية من الدستور، قال غزلان: «هذا الأمر سوف يثير اعتراضات عديدة من الممكن تجاوزها ببقاء المادة على حالها». وقال غزلان إن «برنامج حزب الإخوان كان يتضمن رؤية لنظام حكم برلماني، لكن حال هذا المحور يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتشاور للوقوف على أفضل تصور». وأضاف غزلان الذي أثارت تصريحات نسبت له، بشأن ترتيب خروج آمن للمجلس العسكري من السلطة، عاصفة من النقد، خاصة أن موقف المؤسسة العسكرية في الدستور الجديد لن يتغير.. «المشير (حسين) طنطاوي (القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس العسكري) نفسه قال إن وضع الجيش لن يتغير».

وتسبب وضعية الجيش في الدستور الجديد حرجا للقوى السياسية، خاصة بعد أن تقدم نائب رئيس الوزراء السابق علي السلمي بوثيقة مبادئ حاكمة للدستور الجديد حوت مادتين تمنحان المجلس العسكري استقلالية ومشاركة اختصاصات كانت ممنوحة في السابق لرئيس الجمهورية.

من جهته، قال نادر بكار المتحدث الرسمي باسم حزب النور السلفي لـ«الشرق الأوسط» باقتضاب: «لن يكون في الدستور المقبل أي وضع خاص لأي جهة في مصر.. البعض يحاول التصيد، لذلك سنكتفي في الوقت الراهن بهذا الموقف». ويتجه حزب الوفد الليبرالي الذي جاء ثالثا في الانتخابات البرلمانية بحصوله على 27 مقعدا، للموافقة على ما قالوا إنه «تصور المؤسسة العسكرية لوضعها في الدستور الجديد»، وقال قيادي بالهيئة العليا للحزب لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا يتلخص في الموافقة على أن تكون ميزانية الجيش رقما واحدا من دون تفاصيل في الموازنة العامة، ومشاركة المجلس العسكري في اتخاذ قرار الحرب، ضمن مجلس للدفاع القومي، يضم رئيس الجمهورية». وأضاف المصدر إن الوفد لا يفهم حديث البعض عن خروج آمن للمجلس العسكري.. «هذا حديث يفترض وجود اتهامات للمجلس العسكري، وعلى القوى السياسية إن كانت تملك أدلة على الاتهامات أن تنشرها لا أن تتحدث عن خروج آمن.. الشعب المصري لن يقبل بتجاوزات».