مطرب بارز يدخل سباق الرئاسة في السنغال

ندور قرر «الاستجابة للواجب الوطني» ويواجه تحدي ترجمة شعبيته الفنية إلى أصوات

يوسو ندور
TT

أرجأ المطرب السنغالي يوسو ندور أعماله الفنية المربحة وجولاته الغنائية، استجابة لما سماه «الواجب الوطني الأسمى»، وأعلن مساء الاثنين الماضي عزمه دخول السباق على كرسي الرئاسة في السنغال. وفي بيان بثته شبكة التلفزيون والإذاعة التي يملكها، قال ندور (52 عاما) «منذ فترة طويلة والرجال والنساء يعربون عن تفاؤلهم ويحلمون بسنغال جديدة. لقد طالبوا، بطرق مختلفة، بترشيحي لسباق الرئاسة في فبراير (شباط)، وقد استجبت لهم».

يذكر أن السنغال، إحدى معاقل الديمقراطية في أفريقيا، قد واجهت بعض الاضطرابات الصيف الماضي، بعدما عمل الرئيس عبد الله واد على تمرير تعديلات دستورية من شأنها أن تضمن له البقاء في السلطة لولاية ثالثة. وبعد موجة من الاحتجاجات في الشوارع، تراجع واد عن السعي لتمرير تلك التعديلات، لكنه لا يزال أحد المرشحين على مقعد الرئاسة.

وسينضم ندور، وهو مطرب عملاق في نوع من الموسيقى والغناء يعرف باسم «موسيقى العالم» وحصل على جائرة «غرامي» الموسيقية في عام 2005، لمعترك سياسي كبير في وقت متأخر للغاية، حيث أعلن عن ترشحه للمنصب الرفيع قبل ثمانية أسابيع فقط من الجولة الأولى للاقتراع. وهناك نحو عشرة مرشحين آخرين قد بدأوا حملاتهم الانتخابية منذ عدة شهور.

وعلى الرغم من ذلك، يعد ندور، الذي يعيش في داكار، المرشح الوحيد من بين نجوم الموسيقى والغناء، ولذا فهو يحظى بمتابعة دولية كبيرة. وعلاوة على ذلك، يعد ندور رجل أعمال بارزا، حيث استغل الثروة الكبيرة التي حققها من مبيعات أكثر من 30 ألبوما على مدار 25 عاما في الاستثمار بكثافة في تلك الدولة التي يصل متوسط معدل الدخل السنوي بها لنحو 1.000 دولار بالكاد.

ويرى محللون سياسيون أن التحدي الأكبر الذي يواجه ندور هو أن ينجح في ترجمة شعبيته الدولية إلى أصوات في الانتخابات. ومن المرجح أن يمثل هذا تحديا كبيرا له، على الرغم من الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها في السنغال. وقال مامادو ضيوف، وهو باحث سنغالي يشغل منصب مدير معهد الدراسات الأفريقية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا «يتمتع ندور بنجاح كبير، حيث يعد الفنان الأكثر شعبية في تاريخ السنغال، لكن سيكون من الصعب عليه الوصول حتى لجولة الإعادة، لأنه لا يملك الخبرة السياسية أو التنظيم السياسي اللازم».

وعلاوة على ذلك، تعد الموسيقى التي يقدمها ندور والمعروفة باسم «مبالاكس»، موسيقى تقليدية لا تحظى بإعجاب ومتابعة من هم تحت سن الخامسة والعشرين، وهي الفئة التي تشكل نحو ثلثي السكان في السنغال والتي تفضل «الهيب هوب»، بالإضافة إلى أن مغني «الراب» هم من قاموا بالتعبير عن عدم الرضا من سياسة الرئيس عبد الله واد والمشاكل التي انتشرت بصورة كبيرة في عهده، مثل البطالة وانقطاع التيار الكهربائي. وعلى الرغم من ذلك، برز ندور خلال السنوات الأخيرة باعتباره واحدا من أشد منتقدي الرئيس واد، الذي اتسم عهده باتهامات بانتشار الفساد والمحسوبية على نطاق واسع والقيود على حرية التعبير واستغلال النفوذ. وعلى الرغم من تلك المشاكل، فقد كانت الاحتجاجات التي اندلعت خلال الصيف (والتي انتهت بالغاز المسيل للدموع وحرق الإطارات) غريبة على هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا والذي لم يتم الاستيلاء على السلطة فيه مطلقا من خلال انقلاب عسكري، مما يجعلها دولة فريدة من نوعها في المنطقة.

ومنذ نهاية الاستعمار الأوروبي، ظل الموسيقيون في كثير من الأحيان يمثلون صوت الضمير والاحتجاج في الدول الأفريقية المستقلة، موجهين انتقادات شديدة للفساد والديكتاتورية. ويعد فيلاكوتي النيجيري أبرز مثال على ذلك، حيث استخدم أغانيه السياسية لانتقاد الحكومة العسكرية النيجيرية في السبعينات من القرن المنصرم.

وفي السنغال، يحاول الرئيس الحالي عبد الله واد (85 عاما)، التقليل من أهمية منافسه وفرصه في الفوز بالانتخابات الرئاسية، وقال ضمنيا إن ندور الذي تغنى بأهمية التعليم، لكنه عمل كموسيقي محترف وهو في الثانية عشرة من عمره، يفتقد للخبرة والتعليم والبرنامج اللازم لقيادة دولة يصل عدد سكانها لنحو 12.5 مليون شخص. ونقلت وكالة «رويترز» عن أمادو سال، المتحدث باسم الرئيس واد، قوله «نحن في انتظار أن يقوم جميع المرشحين، بمن فيهم يوسو ندور، بشرح أفكارهم السياسية بالتفصيل، وليس مجرد التعبير عن مجموعة من الرغبات والأمنيات».

وعندما أعلن عن تقدمه للانتخابات الرئاسية، اعترف ندور بتلك العيوب، لكنه قال إنه يتمتع بالكثير من الفضائل الأخرى، وقدم نفسه على أنه رجل عصامي، وأن مكانته العالمية ستساعد على جذب الانتباه والاستثمار إلى السنغال. وأضاف «صحيح أنني لم أحصل على شهادة جامعية، لكنني نجحت في إثبات جدارتي وكفاءتي والتزامي ودقتي مرة تلو الأخرى. لقد درست في مدرسة الحياة، وتعلمت من السفر بقدر المعرفة التي تقدمها الكتب».

ويشارك ندور منذ فترة طويلة في القضايا السياسية، سواء في الداخل أو في الخارج، حيث انضم في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، على سبيل المثال، لمجموعة من مغني الراب مثل ستينغ وبروس وسبرينغستين وغيرهم في جولة حول العالم لدعم لمنظمة العفو الدولية وحقوق الإنسان. وفي الآونة الأخيرة، ركز ندور، بصفته سفيرا للنوايا الحسنة للأمم المتحدة، على القضايا الأفريقية مثل الأزمة في إقليم دارفور السوداني، ومخاطر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتوسيع نطاق وصول الإنترنت إلى جميع أنحاء أفريقيا وتحسين الرعاية الصحية.

وعلى الرغم من مشاركته الطويلة في القضايا الاجتماعية والسياسية، فإن ندور ابتعد في الماضي عن ممارسة السياسة بشكلها التقليدي. وفي مقابلة مع صحيفة «الغارديان» البريطانية في عام 2007، أكد ندور أن هناك تعارضا بين العمل كفنان وسياسي، على الأقل إذا كان الشخص يرغب في ممارسة الدورين معا في الوقت نفسه. وأضاف ندور «أريد أن أستخدم الموسيقى التي أقدمها في توصيل رسالة سياسية والتنديد ببعض الأمور في أحيان أخرى، لكنني لا أريد أن أكون سياسيا. تضطرك السياسة أحيانا إلى الكذب أو الوعد بأشياء لن تستطيع القيام بها. لا أستطيع أن أعادل بين تلك الأمور وبين شعوري وإحساسي الفني. في الواقع، السياسة هي السياسة، والفن هو الفن، وإذا كنت تريد أن تلعب دورا سياسيا، فيتعين عليك أن تتوقف عن دورك كفنان».

* خدمة «نيويورك تايمز»