ناشط سلفي سوري عن تجربته في الميدان: مناصرونا يتزايدون ومساعداتنا تصل لكل الفئات

قال لـ «الشرق الأوسط»: الثورة تسرق بسبب غيابنا عن الإعلام.. وآن لنا أن نتحدث

TT

ما إن يصل كحيلان إلى لبنان ويبقى لعدة أيام حتى يغادر مرة أخرى إلى سوريا.. فهو ناشط سلفي شاب، وابن أحد رؤساء العشائر السورية. لا يفصح كحيلان عن طبيعة مهمته المكوكية بين البلدين، لكنه يقول: «لا بد من البقاء على تواصل مع الإخوة هناك، لرفع معنوياتهم، وتلبية احتياجاتهم».

في زيارته الأخيرة إلى سوريا، جال كحيلان (وهو اسمه الحركي) على المناطق الساخنة من ريف إدلب إلى حماه وريف دمشق وحمص، وبابا عمرو بشكل خاص حيث بقي فيها 22 يوما. كحيلان يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «التيار السلفي يتزايد مؤيدوه في سوريا بشكل ملحوظ يوما بعد يوم. والسلفيون موجودون في كل المحافظات، وناشطون بشكل أساسي في الأماكن الساخنة. فهم سند للجيش السوري الحر، وهو سند لهم».

ويضيف كحيلان: «الشيخ عدنان العرعور له كلمة نافدة، لا بل يتسبب بمنع تجوال حين يتحدث على التلفزيون.. إنه الرجل الأول بالنسبة لنا. كان هو أول من حرك الناس في الشارع بغطاء ديني، بينما كان للشيخ السلفي لؤي الزعبي دور كبير أيضا، حين كان أول من دعا للتظاهر بعد أسبوعين فقط من حوادث درعا». ويتابع كحيلان «سجنت في حمص، وكانت الكلمة الأكثر تردادا بين المساجين طوال فترة وجودي هي: العرعور، ورأيت بأم العين مدى تأثر الشباب الحمصي به».

كحيلان الناشط السلفي الميداني يقول: «نحن كسلفيين لم نصل في سوريا بعد إلى مستوى الحزب المنظم، بل هناك قرار بعدم التحزب إلا بعد انتصار الثورة. كل جماعة تعمل حاليا في منطقتها بما تيسر لها. وأثناء تنقلاتي فإن تواصلي يكون مع كل الفئات وليس محصورا بالسلفيين وحدهم».

وحين نسأله عن مصادر تمويلهم يقول: «هناك تمويل، لكنه في غالبيته داخلي وليس خارجيا. لو كنا نتلقى مساعدات خارجية كافية لغلبنا النظام بالتأكيد».. نسأل كحيلان إن كانت التمويلات الخارجية هي من دول أم من أفراد، فيقول: «هم مجرد أفراد سلفيين يتعاطفون معنا ويدعمون قضيتنا».

وعن نوع المساعدات الاجتماعية التي يقدمونها، يقول: «مساعداتنا المالية تصل للناس من مختلف الفئات والطوائف. هناك من ندعمه ليدفع فدية ابنه ويخرجه من السجن، أو ليدفع إيجار بيته، وربما ليشتري حاجته الغذائية، كذلك نساعد لاجئين في لبنان». ويؤكد كحيلان أن الذين تصلهم المساعدات لا يعرفون بالضرورة مصدرها، «لنا أساليبنا الخاصة، والهدف الأساسي هو مساعدة الناس على الصمود والاستمرار فقط، وليس عمل أي دعاية لأنفسنا».

لكنكم متهمون بتلقي مساعدات أميركية، وبالتسلح وبقتل الأبرياء؟ فيجيب كحيلان: «هذا كلام خرافي. أنا لست مخولا بالكلام على السلاح، لكن ما أعرفه شخصيا أن ثمة من يبيع مصاغ زوجته، أو يبيع منزلا إضافيا لا يسكنه كي يتمكن من شراء قطعة سلاح يدافع بها عن نفسه. السلاح موجود في سوريا لكنه خفيف وقليل وليس بالكثرة التي تسمح بهزيمة النظام، أو الخروج من عنق الزجاجة الذي تعيش فيه الثورة». ويكمل: «يلعب السلفيون دورا شجاعا في مطاردة الشبيحة وقتلهم، وفي تنظيم المظاهرات. يجب ألا ننسى بأن المساجد لعبت دورا مهما. فالمظاهرات السورية تخرج بشكل أساسي من المساجد، إما بعد صلاة الجمعة أو بعد صلاة العشاء من كل يوم، كما هو الحال في حمص».

ناشط سوري من مدينة حمص اتصلت به «الشرق الأوسط» قال: «إن تيارات مختلفة تشارك في تنظيم المظاهرات»، مؤكدا أن «السلفيين هم الأقدر على حمل السلاح، والأكثر رغبة في ذلك، بسبب فكرة الجهاد لديهم». ويقول الناشط الحمصي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «غالبية المعتقلين هم من العلمانيين والنخب والمسالمين الذين يتمكن النظام منهم.. أما السلفيون، فأكثر قدرة على حماية أنفسهم، بسبب حملهم للسلاح أكثر من غيرهم، حيث يشتبكون في معارك مع رجال الأمن».

ويضيف الناشط الموجود في سوريا أثناء اتصالنا معه: «النظام لا يستطيع الاستمرار إلا بتأجيج حرب أهلية، لذلك فالسلفية تخدمه في الوقت الحالي. والسلفية من جهتها، ليس عندها فرصة للصعود سوى بحرب عصابات طويلة الأمد. والدول الخارجية لها مصلحة أن تبقى الأمور معلقة وتترك سوريا ضعيفة، على الأقل خلال المدى المنظور.. بينما يتبين بوضوح وضع اليمن ومصر وتونس وليبيا. لذلك فنحن متروكون للفوضى لفترة طويلة».

كحيلان يرفض أن يكون السلفيون هم أداة النظام لإشعال حرب طائفية، ويقول: «نحن نؤمن بأن لكل السوريين على اختلاف طوائفهم ودياناتهم، نفس الحقوق. نؤمن بالدولة المدنية ولا نميز بين سوري وآخر، مشكلتنا هي مع النظام. لا بل أكثر من ذلك، لنا متعاطفون معنا علويون ومسيحيون أيضا». لكن كحيلان لا ينكر وجود قتل طائفي في المناطق المختلطة بن العلويين والسنة، محملا النظام مسؤولية إشعال هذه الفتنة بسبب دفعه لشبيحة من فئة دينية واحدة، يعيثون فسادا ويقتلون الناس. ويضيف: «عندها لا يستطيع أحد منا أن يقنع من قُتل أخوه أو أبوه أو ابنه بأن الثأر الطائفي ليس هو الحل».

أما لماذا يبقى النشاط السلفي سرا لا تبوح به المعارضة، فيقول: «المعارضة لا تريد صورة للثورة لا يتقبلها الغرب من ناحية. أما من ناحية ثانية، فنحن كسلفيين نعمل في الميدان. من يظهرون في الإعلام، هم من لا يعملون على الأرض فعليا ويكتفون بالكلام. هؤلاء ليسوا بحاجة لأن يتحركوا ويخاطروا بحياتهم. لو ظهرت أنا مثلا على التلفزيون لمرة واحدة، فلن أتمكن من التحرك في الشارع بعدها، لأنني سأصبح مكشوفا للمخابرات».

ويشرح كحيلان أن السلفيين عملوا بصمت كبير لغاية الآن، لكن آن الأوان لأن يكشفوا عن الدور الذي يلعبونه، لأن «الثورة تسرق، بسبب بعدنا عن الإعلام». ويضيف: «برهان غليون وغيره في المجلس لا يمثلون كل الثورة.. تركنا العالم تتمجلس وتنصب نفسها في هيئات، لأن لنا عملا آخر. أردنا أن نكون في الشارع ومع نبض الناس، وفي الميدان ولسنا نادمين على ذلك.. لكن على الذين يقولون إنهم يمثلوننا ألا يتفردوا بالقرار، وأن يستمعوا لرأي الناس الذي يخاطرون بأرواحهم كل يوم. عليهم ألا يستحيوا من الجيش الحر، وأن يدعموه بالفعل لا بالقول، وأن تكون قراراتهم منسجمة مع نضال الشارع وتضحياته».

ويشكك كحيلان بأعضاء ثلاثة على الأقل، في المجلس الوطني السوري، ويتهمهم بأنه يقبضون رواتب من ماهر الأسد، ومجرد مندسين في المجلس. كما يعتبر أن «هيئة التنسيق مجرد هيئة مفتعلة لا وجود لها على الأرض»، متهما هيثم مناع «بالعمالة للنظام وبلعب دور مزدوج مقصود»، قائلا «زيارته لإيران نعلم بها، وعلاقاته مكشوفة أيضا.. وقريبا ستطالب المظاهرات بإقصائه عن المعارضة لفضح أمره». ويتساءل كحيلان: «ما سبب عدم تمثيل السلفيين بشكل جدي في المجلس الوطني؟»، وحين نسأل كحيلان إن كان ما يقوله لنا يمثل التيار السلفي السوري، يجيب: «أنا لست ناطقا رسميا باسم أحد، لكنني أنقل الجو السلفي السوري، متوخيا الصدق ما أمكنني».

الناشط الحمصي أثناء اتصالنا معه يوافق مع كحيلان على أن ثمة هوة تفصل المعارضة في الخارج عما يحدث في الداخل، ويقول: «الأمور تتطور يوميا على الأرض. ومن لا يعيش في سوريا من الصعب أن يفهم أو أن يجاري الأحداث المتسارعة». ويضيف الناشط: «نعم هناك سلفيون، لكن هناك أيضا شبيحة النظام وأمن ومخابرات، وعصابات خارجة على القانون لا همّ لها سوى النهب والسرقة.. وهؤلاء لا علاقة لهم بالثورة ولا بالنظام. وهناك الثوار على اختلاف توجهاتهم، وأساليبهم الاحتجاجية، من سلمية وغير سلمية».

كحيلان يصر على أن السلفيين هم الأقدر اليوم على تحريك الأرض، وأنهم يقومون بتضحيات كثيرة. ويشرح: «بطبيعة الحال لا لحى في سوريا، لأن اللحى بحد ذاتها تهمة.. كما أن السلفي لا يصرح في العلن بانتمائه الفكري، وبالتالي فإن وزن السلفيين غير منظور لكثير من الناس في الوقت الحالي.. لكننا مستمرون في عملنا الذي يزداد صعوبة».

ويروي كحيلان «أثناء عودتي إلى لبنان في المرة الأخيرة، قضيت خمسة أيام لأقطع مسافة لا تبعد عن الحدود اللبنانية سوى 60 كيلومترا، كنت مضطرا لأن أنتقل خلالها من بيت إلى بيت بانتظار تأمين الطريق، وقبل وصولنا إلى الحدود أصيب شخص آخر كان برفقتي، أثناء إطلاق النار علينا، ومع ذلك تمكنا من إسعافه ونقله إلى لبنان. التنقل بين البلدين يزداد صعوبة، والأمور لن تكون سهلة غدا».