الولايات المتحدة تسعى لتهدئة مخاوف الصين وتبحث البدائل لتوفير إمدادات النفط

مصدر سعودي لـ«رويترز»: السعودية تستطيع سد النقص الذي ستحدثه العقوبات النفطية على إيران

TT

بقيت إيران والعقوبات الجديدة عليها هي محور المحادثات والاهتمامات في دوائر السياسة الأميركية الخارجية، وتكثف الإدارة اتصالاتها بدول مجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية ودول جنوب شرقي آسيا لبحث السبل للمحافظة على استقرار أسعار النفط وبحث بدائل للنفط الإيراني.

وعقد وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر اجتماعا مع الرئيس أوباما صباح أمس قبل بداية رحلته إلى كل من الصين واليابان لمناقشة العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران. وتسعى الولايات المتحدة إلى تهدئة مخاوف الجمهورية الصينية وبحث البدائل التي يمكن استغلالها لتوفير الإمدادات النفطية للصين التي تعد المستورد الأول للنفط الإيراني، وتجنب حدوث ارتفاع حاد في أسعار النفط في الأسواق.

ويأمل غايتنر في إقناع الصينيين بوقف استيراد النفط الإيراني وتشجيع الحكومة الصينية لعقد محادثات مع السعودية ودول خليجية أخرى للحصول على النفط. وأشارت مصادر بوزارة الخزانة إلى أن غايتنر سيتفاوض مع رئيس الوزراء الياباني يوشيهيكو نوردا لتقديم استثناء أميركي يسمح لليابان باستيراد النفط الإيراني لمدة أربعة أشهر فقط، بينما تحاول الحكومة اليابانية تمديد هذا الاستثناء لفترة أطول.

وينص القانون الأميركي للعقوبات على إيران على معاقبة أي شركة تقوم بمعاملات مالية وتجارية مع طهران. واستوردت اليابان 312 ألف برميل يوميا من الخام الإيراني خلال عام 2011 بزيادة 10 في المائة عن إجمالي واردات النفط في عام 2010 كما تملك بعض الشركات اليابانية عقودا طويلة الأجل مع إيران.

من جانب آخر، أشارت مصادر أميركية مطلعة إلى أن القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي لفرض حظر على واردات النفط الإيراني جاء على خلفية مباحثات استمرت منذ فترة طويلة مع الدول المصدرة للبترول لبحث إمكانية قيامهم بتعويض إمدادات النفط الإيراني بما يحافظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية. وقال مصدر مسؤول إن الإدارة الأميركية تبحث مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي وفي منطقة الخليج التدابير الملائمة لمنع أي صدمات في أسواق الطاقة، مشيرا إلى أن علاقة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية جيدة للغاية، كما وافقت إدارة أوباما على إرسال أسلحة متطورة إلى المملكة بقيمة 30 مليار دولار.

ونقلت وكالة «بلومبرغ» الاقتصادية عن نوري بريون رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية الليبية للنفط قوله إنه يمكن تعويض توقف الإمدادات الإيرانية إلى أوروبا عن طريق زيادة الإنتاج من ليبيا، حيث يتجاوز إنتاج ليبيا من النفط الخام الآن مليون برميل في اليوم.

وقال دومنيك كريشيلا، الخبير النفطي الأميركي، إن الأوروبيين سيتوجهون إلى آسيا وإلى النفط السعودي والكويتي إضافة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات لاستغلال طاقة الرياح في أوروبا لكن الصعوبات ستكمن في العمليات اللوجيستية مثل عمليات النقل والإمداد لإعادة التوازن في العرض والطلب العالميين.

وأوضح الخبير النفطي أن هناك تقارير تشير إلى إمدادات متزايدة من ليبيا والسعودية وغيرها من البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بما يعني أنها ستؤدي إلى استبدال النفط الإيراني على المدى المتوسط بما لا يؤدي إلى أي صعود في الأسعار، وستتم زيادة المعروض من النفط في الأسواق.

وقارن الخبير النفطي بين موقف قادة إيران حاليا وموقف صدام حسين في العراق في التسعينات قائلا: «علينا مراقبة الأهمية السياسية المنبثقة من الوضع الجغرافي وتطورات أسعار النفط خلال الستة أشهر المقبلة».

وقال كريشيلا إن التقارير الأميركية تشير إلى انخفاض في مخزونات النفط الخام الأميركي من 4.43 مليون برميل إلى 3.34 مليون برميل حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفقا للبيانات الصادرة من معهد الصناعة والبترول الأميركي، لكن مخزونات النفط لن يكون لها تأثير كبير على اتجاهات الأسعار، وفي هذه اللحظة فإن أسعار النفط ستحدد في الغالب اعتمادا على التوترات في الشرق الأوسط بين إيران والغرب إلى جانب اتجاهات اليورو والدولار الأميركي.

وتشتري دول الاتحاد الأوروبي 450 ألف برميل من النفط الإيراني يوميا وتبلغ صادرات إيران 2.6 مليون برميل يوميا، مما يجعل الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر مستورد للنفط الخام الإيراني بعد الصين.

ومن جانبه شبه خبير نفطي سعودي الدور الذي ستضطلع به السعودية في الفترة المقبلة لحفظ التوازن في أسواق النفط العالمية واستقرار الأسعار، بعد حظر الحكومات الأوروبية استيراد الخام الإيراني بالدور الذي لعبته وتلعبه منذ فبراير (شباط) عام 2011، بعد توقف الإمدادات الليبية للأسواق العالمية.

وقال الدكتور فهد بن جمعة، الخبير النفطي السعودي، إن بلاده بما لديها من قدرات إنتاجية ضخمة في الفترة الراهنة «تستطيع بكل سهولة توفير الإمدادات التي تحتاجها الأسواق الأوروبية من البترول بعد قرارها حظر استيراد الخام الإيراني في إطار تشديد العقوبات على إيران»، مبينا أن الطاقة الإنتاجية للسعودية في الفترة الراهنة تقدر بـ9.5 مليون برميل يوميا.

وأوضح ابن جمعة أن لدى السعودية طاقة إنتاجية فائضة تقدر بـ2.5 مليون برميل، مؤكدا أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية عندما قررت تشديد العقوبات وإضافة النفط لها فكرت في البدائل التي ستوفر الإمدادات لأسواقها.

وكانت وكالة «رويترز» نقلت أمس عن مصدر سعودي لم تسمه قوله «إن المملكة مستعدة لسد أي فجوة في الإمدادات بسوق النفط إذا استدعى الأمر». وأشارت إلى تأكيدات المصدر السعودي أن التصريحات تأتي عقب اتفاق الحكومات الأوروبية على حظر استيراد الخام الإيراني. وقال المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، «إن السعودية تظل مستعدة لسد أي فجوات في الإمدادات لدى وقوعها، وإنتاجنا يتحدد بناء على الطلب».

وكانت «الشرق الأوسط» نقلت أمس عن المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي قوله «إن الكل يعرف أن السعودية لديها طاقة إنتاجية بحدود 12.5 مليون برميل يوميا». وأضاف: «إن الطلب خلال الفترة الراهنة على البترول السعودي يتراوح بين 9 و10 ملايين برميل يوميا، وهذا ما توفره السعودية للأسواق العالمية».

وشدد النعيمي على الدور المعتدل الذي تمارسه بلاده في جميع سياساتها، وبالأخص في سياستها تجاه توفير الطاقة للعالم. وقال «إن الدور السعودي في منظمة أوبك أو أي محفل دولي هو دور معتدل».

وبالعودة إلى الخبير السعودي فهد بن جمعة الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، حيث أوضح أن السعودية حتى وإن كانت طاقتها الفائضة من الخام الثقيل الذي لا يلقى قبولا في الأسواق النفطية الأوروبية والأميركية، فإن لديها تنوعا في درجات الخام يمكنها من أن تنتج خليطا من الخام العربي تعتمد عليه المصافي الأوروبية. وتابع: لدى السعودية عدة درجات من الخام العربي «الخفيف جدا، والخفيف، والمتوسط، والثقيل». وأضاف أن لدى الصناعة النفطية السعودية القدرة على إنتاج خام يناسب حاجات المصافي الأوروبية.

وزاد أن السعودية استطاعت خلال عام 2011، أن تمون المصافي الأوروبية عندما توقفت إمداداتها من النفط الليبي والتي كانت حينها تصل إلى 1.6 مليون برميل ونجحت الصناعة النفطية السعودية في توفير درجة من الخام يتناسب مع المواصفات التي تعمل في المصافي الأوروبية وقتها. وأضاف «تستطيع السعودية عندما يتخذ قرار بحظر استيراد الخام الإيراني أن توفر درجة من الخام يناسب احتياجات المصافي الأوروبية مجددا».

وقال ابن جمعة: «إن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عندما وضعت العقوبات على النفط، كانت لعقاب إيران وليس لتوقيع العقوبات على أسواقها النفطية، وكان لديها قبل إعلان العقوبات ضوء أخضر من السعودية ودول أوبك بأنها ستوفر الإمدادات»، وأشار إلى أن «السعودية بلغ إنتاجها في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المنصرم أكثر من 10 ملايين برميل يوميا». وتابع ابن جمعة «إن دول منظمة أوبك لديها فوائض أكبر من حصة إيران من الإنتاج، يمكن أن تسد الفجوة الذي ستحدث عند وقف استيراد الخام الإيراني».

بدوره، قال كامل الحرمي، الخبير النفطي الكويتي: «إن الأسواق الأوروبية لن تعاني من وقف استيراد الخام الإيراني». وأضاف «إن حصة الدول الأوروبية من الخام الإيراني بشكل عام محدودة ويمكن أن توفرها السعودية بكل سهولة». وأضاف: «ما بين 60 إلى 70 في المائة من النفط المصدر من الخليج العربي يذهب شرقا».

موضحا أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لديها مخزونات استراتيجية، وكذلك يمكنها الاعتماد على الصادرات السعودية بشكل كبير في سد الفجوة التي سيحدثها وقف استيراد الخام الإيراني.