فرنسا تلعب دورا رياديا في دفع أوروبا نحو تطبيق العقوبات على إيران

باريس تسعى لتجميد أموال «المركزي الإيراني» بعد اتفاق الأوروبيين على وقف مشترياتهم النفطية من طهران

وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه لدى وصوله إلى تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

عادت باريس لتلعب دورا رياديا في الملف الإيراني، عن طريق دفعها بلدان الاتحاد الأوروبي إلى مواقف أكثر تشددا ستترجم في الأسابيع القادمة بسلة عقوبات جديدة تستهدف هذه المرة منع شراء النفط الإيراني من جهة وتجميد ودائع وأصول البنك المركزي الإيراني الموجودة لدى المؤسسات المالية والبنوك الأوروبية من جهة أخرى.

وكان الرئيس نيكولا ساركوزي أول من اقترح في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في رسالة وجهها لنظرائه الأوروبيين وردا على التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا الذي أعربت فيه عن شكوك قوية بشأن برنامج طهران النووي، أن تعمد دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى اتخاذ إجراءين «جذريين» بحق إيران يستهدفان من جانب تجفيف مواردها المالية ومن جانب آخر إعاقة عملياته المالية والتجارية مع الخارج. وطرح ساركوزي اقتراحه على البلدان الأوروبية وليس على مجلس الأمن الدولي الذي سبق له أن أصدر 10 قرارات بحق إيران، منها 6 تتضمن عقوبات، لعلمه رفض روسيا وكذلك الصين قبول هذا النوع من العقوبات.

وكان لافتا أن وزير الخارجية آلان جوبيه كان أول من علق على الاتفاق «المبدئي» للخبراء الأوروبيين الذي عملوا طيلة أسابيع للوصول إلى «تسوية» بشأن وقف شراء الخام الإيراني. ومعلوم أن اليونان عارضت في السابق تدبيرا من هذا النوع يضر بمصالحها، إذ إن 14 في المائة من وارداتها النفطية تأتي من إيران. كذلك عبرت إسبانيا وإيطاليا عن بعض «التحفظ»، فالأولى تستورد 14.6 في المائة من حاجياتها النفطية من طهران والثانية 13.1 في المائة. وعلم أن روما طالبت في المناقشات الأولى بإعفاء شركة النفط الإيطالية «إيني» من تطبيق التدبير الأوروبي.

وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده في لشبونة، سارع جوبيه إلى القول إن وزراء الخارجية الأوروبيين سيقرون فرض حظر استيراد النفط الإيراني وإقرار الاتفاق المبدئي الذي توصل إليه الخبراء والمندوبون. وأفادت مصادر واسعة الاطلاع في باريس بأن ما سهل تفاهم العواصم الأوروبية على التدبير «الجذري» المتمثل في فرض حظر كلي على وصول النفط الإيراني إلى أوروبا «هو التطمينات والتأكيدات التي توافرت لها حول إمكانية حصولها على نفط بديل» من دول الخليج وتحديدا من المملكة السعودية التي تتمتع بطاقة إنتاج إضافية بنحو مليوني برميل في اليوم. ومعلوم أن إيران تنتج 2.2 مليون برميل في اليوم، يذهب منها إلى أوروبا 18 في المائة، وهو ما يمثل 5 في المائة من مجمل المشتريات الأوروبية الإجمالية من النفط. بينما الأساسي من النفط الإيراني يذهب إلى الصين والهند غير المعنيتين بالعقوبات الأوروبية التي لن تصبح نافذة إلا بعد إقرارها نهائيا. وفي مؤتمره الصحافي، لمح جوبيه إلى «التطمينات» الخليجية بإشارته إلى «توافر الحلول البديلة» للتعويض عن النفط الإيراني وإراحة الدول التي تحتاج إليه جوهريا، وهذا ليس حال فرنسا التي لا تستورد سوى 2 في المائة من نفطها من إيران. ووصف جوبيه تجميد أصول المصرف المركزي الإيراني بأنه سيكون تدبيرا «قاسيا جدا».

وليس من الواضح حتى الآن أن الأوروبيين سيتمكنون من فرض عقوبة كهذه شبيهة بالتدبير الذي أقرته واشنطن مؤخرا والقاضي ليس فقط بتجميد أصول المصرف المركزي الإيراني ولكن بمعاقبة كل المؤسسات المالية أيا تكن جنسيتها التي تتعاطى معه في قطاع الطاقة أي في عمليات البيع والشراء. ويبدو أن ثمة بلدانا أوروبية مترددة لأنها ترى أن تدبيرا كهذا يعادل وضع اليد على أصول وودائع الدولة الإيرانية. وسيعلم منذ اليوم وحتى تاريخ انعقاد اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين ما إذا كانت باريس ستنجح، بمساعدة لندن، في حمل العواصم الأوروبية المترددة وعلى رأسها ألمانيا، على اعتماد هذا التدبير أم لا.

وبأي حال، تصر باريس على القول إن الغرض من هذه العقوبات هو «حمل طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات ولكن مع التأكد من جديتها ومن أنها لا تريد فقط كسب الوقت بينما الطاردات المركزية (التي تخصب) مستمرة في الدوران».

ولا تعتقد باريس بجدية العرض الإيراني الأخير الذي قدمته طهران إلى «وزيرة» الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون متضمنا معاودة المفاوضات مع مجموعة الست (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، على أن تتقدم أشتون باقتراح حول المكان والزمان. وقالت الخارجية الفرنسية إن طهران «لم ترد بعد على رسالة من أشتون تعود لشهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أجل استئناف الحوار وشروطه. وتبدو باريس متأكدة من أنه «لا غاية سلمية للبرنامج النووي الإيراني»، فيما قال جوبيه قبل ثلاثة أيام إن إيران «مستمرة في تصنيع سلاحها النووي». وتذهب فرنسا إلى أبعد ما يسمح به تقرير الوكالة الدولية الأخير الذي يتحدث عن «ظنون» و«مؤشرات».

ومن الدلائل على التشدد الفرنسي وقوف باريس ضد المقترح الروسي الذي قدم الصيف الماضي والقاضي بتجميد مساعي فرض عقوبات إضافية على إيران مقابل تجميد إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، والتي تقول طهران إنها بحاجة لها لتلبية حاجات مفاعل طهران للأغراض السلمية «في حقول الطب والزراعة والبحث العلمي».

وجاءت التهديدات الإيرانية بإقفال مضيق هرمز ردا على حرمان طهران من وراداتها النفطية لتزيد من حدة التوتر بين باريس وطهران. والمعلوم أن لفرنسا قاعدة عسكرية متعددة الأغراض (بحرية جوية) في أبوظبي دشنت في عام 2008 وستستكمل تجهيزاتها مع نهاية العام القادم. كما أن لباريس معاهدات دفاعية مع الإمارات والكويت وقطر، لكن أهمها مع أبوظبي التي تتعهد بالدفاع عنها وحمايتها في حال تعرضها لاعتداء خارجي. وهكذا تبدو باريس على «تماس» مع إيران. وعلى الرغم من أنها لا يمكنها أن تلعب دورا شبيها بالدور الأميركي في الخليج، فإن لها فيه حضورا ومصالح استراتيجية وصداقات خليجية وغير خليجية تدفعها لأن تكون في المقام الأول في أي نزاع مع إيران.