إيران تكثف جهودها للتأثير على علاقات أفغانستان بأميركا

الجمهورية الإسلامية تقربت من طالبان في محاولة لإفشال محادثاتها الأولية مع واشنطن

مقاتلون سابقون من جماعة طالبان عند تسليمهم أسلحتهم في حفل نظمته حكومة كرزاي بالمناسبة في كابل أمس (إ.ب.أ)
TT

تشن إيران حملة شرسة لشحذ الشعور المضاد لأميركا في أفغانستان، من خلال محاولة إقناع القادة الأفغان بأن توطيد علاقة أمنية قوية طويلة الأجل مع واشنطن سيأتي بنتائج عكسية، بحسب مسؤولين ومحللين أفغان. ويأتي هذا في إطار المخاوف من احتمال بقاء القوات الأميركية في أفغانستان لما بعد عام 2014. وتشمل المبادرة الإيرانية توطيد العلاقات بحركة طالبان، وتمويل الساسة والمنافذ الإعلامية، وتوطيد الروابط الثقافية مع دولة الجوار الواقعة شرق إيران. وعلى الرغم من أن هذه الجهود جارية منذ سنوات، فإن إيران قد بدأت تتحرك بمزيد من النشاط في الأشهر الأخيرة نظرا لأن الولايات المتحدة وأفغانستان تتفاوضان حول اتفاقية أمنية يمكن أن تحدد معايير لوجود القوات الأميركية في إيران بعد عام 2014.

وتتزامن محادثات إيران مع حركة طالبان مع تجدد الضغط من جانب واشنطن من أجل عقد محادثات سلام مع الحركة في قطر، إضافة إلى زيادة التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الخليج العربي. وتذكر استراتيجية إيران في أفغانستان باستراتيجيتها في العراق، حيث ساعدت في دعم حركة التمرد وأقنعت الساسة العراقيين بعدم الركون إلى السماح للأميركيين بوجود عسكري محدود بعد 2011.

ووقعت طهران اتفاقية دفاع ثنائية مع أفغانستان الشهر الماضي، ومع الوصول للصيغة النهائية للاتفاق، أشار وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى أن القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة هي السبب الرئيسي وراء حالة عدم الاستقرار. وأعرب عن ثقته في أن قوات الأمن الوليدة يمكنها تأمين الدولة من دون مساعدة الولايات المتحدة. وقد أثار وجود القوات الأميركية بالجناحين الشرقي والغربي لمعظم فترات العقد الماضي مخاوف عميقة بين المسؤولين في طهران. ويخشون من أن تعزز القواعد الأميركية في المنطقة قدرة الغرب على جمع معلومات استخباراتية عن برنامج إيران النووي وأن تمنح الولايات المتحدة ميزة استراتيجية رئيسية في حالة ما إذا دخلت الدولتان في حالة حرب. وتصاعدت حالة التوتر بين واشنطن وطهران الشهر الماضي بعد أن استردت السلطات الإيرانية طائرة استطلاع من دون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) كانت قد أطلقت من أفغانستان.

وذكر صبغة الله سانجار، الذي يقود الحزب الجمهوري في أفغانستان، أن الحكومة الإيرانية قد قللت في السنوات الأخيرة حجم وارداتها من الوقود لأفغانستان أثناء فصل الشتاء وهددت بترحيل عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان من إيران.

وبعد فشلهم في الإبقاء على مجموعة صغيرة من القوات في العراق لما بعد الموعد النهائي لانسحاب القوات في عام 2011، يبدو المسؤولون الأميركيون متلهفين للتوصل إلى اتفاق مع أفغانستان يتضمن شراكة عسكرية تمتد لما بعد عام 2014، بعدما تعهدت إدارة أوباما بإنهاء العمليات القتالية الرئيسية في الدولة. وتتمتع الولايات المتحدة بثقل أكبر في أفغانستان من ذلك الذي كانت تتمتع به في العراق، نظرا لأنه من المتوقع أن تظل كابل معتمدة بشكل كبير على المساعدات الأجنبية على مدار سنوات.

وتباطأت المفاوضات الأميركية - الأفغانية من أجل الوصول إلى اتفاق لبقاء قوات عسكرية أميركية لمدة أخرى، والتي كان من المقرر في البداية أن تنسحب بشكل كامل نهاية العام، إذ إن كرزاي قد استخدمها كوسيلة لإظهار اعتراضاته على الغارات الليلية التي تشنها القوات الأميركية في القرى الأفغانية. وقد سعى الدبلوماسيون الأميركيون الذين يديرون المفاوضات إلى تخفيف وطأة المشكلة عن طريق دعم مشاركة الجيش الأفغاني في الغارات. وقال مسؤولون أميركيون إنهم يتوقعون أن تستأنف المحادثات هذا الشهر، آملين في التوصل إلى اتفاق بنهاية الربيع. وقد صرحت الولايات المتحدة بأنها لا تسعى لبقاء قواعد دائمة في أفغانستان، غير أن البنتاغون يأمل في ترك قوات يتراوح عددها ما بين 10 و30 ألف عنصر. وقد قيل إنه سيتم نشر تلك القواعد بمواقع أفغانية.

غير أن إيران بينت معارضتها للوجود العسكري الأميركي مستغلة الخلاف بين الولايات المتحدة وأفغانستان في الضغط.. وأدان صالحي ما سماه «انتهاك حقوق الإنسان من قبل قوات عسكرية أجنبية، من بينها هجمات متكررة على مناطق سكنية»، في مؤتمر دولي حول أفغانستان عقد في بون بألمانيا الشهر الماضي. حيث قال «تسعى دول غربية بعينها لمد فترة وجودها العسكري في أفغانستان لما بعد عام 2014 عن طريق الإبقاء على قواعدها العسكرية هناك»، وحضرت المؤتمر أيضا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. وقال صالحي إن التعاون الإقليمي في أفغانستان سينجح فقط في حالة ما إذا «تجاهل الأفغان وجود قوات عسكرية أجنبية ولم يسمحوا بشكل خاص بإقامة قواعد عسكرية أجنبية في أفغانستان». وقال دبلوماسي غربي في كابل إن إيران بذلت قصارى جهدها من أجل التأثير على اجتماع عقده كرزاي في نوفمبر (تشرين الثاني) من أجل استخلاص معلومات من القادة الأفغان عن نوع العلاقة طويلة الأجل التي يجب أن تسعى كابل لإقامتها مع واشنطن.

غير أن المشاركين خلصوا إلى أن أفغانستان يجب أن تسعى لإقامة علاقة أمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. وأوضح الدبلوماسي «أيا كان تأثير إيران، فإن المشاركين في الاجتماع أدركوا أهمية علاقتها بالولايات المتحدة». وتعزيز العلاقات مع حركة طالبان، وربما يكون أكثر جانب مثير في سياسة إيران في أفغانستان، هو الخطوات التي قد اتخذتها طهران من أجل فتح قنوات حوار مع حركة طالبان. فقد كانت إيران وأفغانستان على وشك الدخول في حالة حرب وقتما كانت حركة طالبان تستحوذ على السلطة في تسعينات القرن العشرين، وقد توترت العلاقات بينهما منذ أمد بعيد. إلا أن أعضاء المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، الذي أوكلت له مهمة عقد محادثات مع حركة طالبان، يقولون إن إيران بدأت مؤخرا تسمح لممثلين من حركة طالبان بالعمل بشكل معلن داخل طهران ومشهد، وهي مدينة إيرانية تقع على مقربة من حدودها مع أفغانستان.

وقال أرسلان رحماني، كبير المفاوضين بالمجلس والذي كان نائب وزير إبان نظام طالبان، إن ممثلين من حركة طالبان أخبروه بأن إيران قد تقربت من الحركة الإسلامية المسلحة في محاولة لإفشال محادثاتها الأولية مع واشنطن. وقال رحماني: «لن تدع إيران حركة طالبان تشارك في عملية السلام». ولم تبذل إيران الكثير من أجل ترويج اتصالاتها بحركة طالبان، لكنها دعت لتشكيل وفد من الجماعة للمشاركة في مؤتمر إسلامي عقد في طهران تحت رعاية إيران في سبتمبر (أيلول).

وقال عبد الحكيم مجاهد، عضو بمجلس السلام «لقد تطلب جلب ممثلين من حركة طالبان في مؤتمر الصحوة الإسلامية قدرا كبيرا من الشجاعة وكان بمثابة إشارة بالنسبة للمجتمع الدولي». وقال إن إيران وحركة طالبان باتتا براغماتيتين لأن لديهما هدفا مشتركا ممثلا في ضمان الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان. وأضاف مجاهد: «عدو عدوي هو صديقي». وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان، إنه لا يمكنه أن يؤكد ما إذا كانت الجماعة قد أرسلت مفوضين إلى إيران أم لا، لكنه أشار إلى أن حركة طالبان ترغب في إقامة علاقات بناءة مع جميع جيرانها في أفغانستان. وقالت شكرية براكزاي، محامية أفغانية ترأس لجنة الدفاع في البرلمان، إن إيران قد أنفقت ملايين الدولارات من خلال توسيع نطاق تأثيرها في أفغانستان. وأضافت: «إيران سرطان». وأوضحت: «لقد ألقت بتأثيرها على الحكومة الأفغانية والمنظمات غير الحكومية. إنهم في كل مكان: في نظام التعليم العالي، ويعملون مع وسائل الإعلام ومع المجتمع المدني».

- ساهمت في إعداد التقرير الكاتبة الزائرة كارين دي يونغ في واشنطن.

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ «الشرق الاوسط»