تصريحات للرئيس التونسي يبرز طبيعة العلاقة بين اليمين واليسار للواجهة

ناشط: المرزوقي يفكر منذ الآن في الانتخابات الرئاسية القادمة

المنصف المرزوقي
TT

أرجعت تصريحات المنصف المرزوقي الرئيس التونسي بالقول إن الشعوب العربية اختارت التيارات الإسلامية لأنها تعلم أن الإسلام يقدم حلولا للمشاكل التي تعيشها، طبيعة العلاقة التي تربط بين اليسار واليمين إلى واجهة الأحداث في تونس. فبعد الثورة بفترة قليلة أعادت القوى السياسية تموقعها وأعادت الجدل والحوار حول الهوية والحريات وتعاطي التيارات الإسلامية مع الشارع وخلطها بين العمل السياسي والدعوات الدينية، واتخذ المنصف المرزوقي موقعا وسطا من تلك المواقف وتعمد عدم مواجهة حركة النهضة في توجهاتها الأساسية وقال إنه ضد منع أي طرف سياسي من العمل والنشاط طالما أنه يحترم ضوابط الثورة ويسعى إلى تحقيق أهدافها ويبتعد عن استغلال الدين في السياسة. وخلط التصريح الأخير في ليبيا للمنصف المرزوقي الأوراق من جديد وأظهره في موقع الحليف القديم الجديد للتيار الإسلامي في تونس. والمعروف عنه أنه اختلف مع رفاقه من اليسار العلماني ممن يصفهم بـ«اليسار العلماني والفرانكفوني القديم المنقطع كليا عن القضايا الحقيقية للشعب التونسي»، وذلك منذ سنة 2003 عندما كانت له مواقف مدافعة عن إسلاميي النهضة. ومع أنه لم يغير البتة من موقعه اليساري الذي ينادي بالحريات ويبتعد عن الدولة الدينية فإنه اقترب من الإسلاميين، خصوصا بسبب إيمانه الشديد بضرورة التمسك بالهوية العربية الإسلامية، وهو ما أكده في خطابه السياسي أثناء قيادته لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أوصله إلى السلطة.

ويرى هشام الحاجي (ناشط سياسي) أن تصريحات المرزوقي قد تكون في سياق تحليل نظري وربما يرجع ذلك إلى تقمص الرئيس التونسي شخصية المثقف أكثر من شخصية سياسية ذات طابع رسمي. وأضاف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن كل الساحة السياسية على علم بتحالف المرزوقي ذي التوجه اليساري مع حركة النهضة وهما يقودان البلاد بمعية حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ولا شك أن المرزوقي بدأ يفكر منذ الآن في الانتخابات الرئاسية القادمة ومثل ذاك التصريح قد يمثل رسالة تطمينية للتيارات الإسلامية التي يبدو أنها تسير نحو السيطرة على المشهد السياسي بعد نجاح جزء من ثورات الربيع العربي.

وعلى الرغم من تأكيد كل من عرف مسيرة المرزوقي على توجهاته اليسارية، فإن الجميع يصر على وجود تحالف ما مع التيارات الإسلامية ويرون في تقربه من حركة النهضة دليلا فهو يقول «النهضة ليست الشيطان، ويجب عدم اعتبارهم طالبان تونس، إنهم فصيل معتدل من الإسلاميين». غير أن ذلك لم يمنعه من التأكيد على وجود «خطوط حمراء» لا جدال فيها مثل «الحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل». وظل المرزوقي ينادي بإقامة دولة المواطنة والدولة المدنية التي يتمتع فيها كل المواطنين بحقوقهم مهما كانت توجهاتهم السياسية والعقائدية والطائفية. ويصرح بالقول: نريدها «دولة تسهر على ضمان الحريات الشخصية والجماعية، دولة مؤسسات مستقلة».

ويقدم زهير مخلوف (حقوقي وإعلامي) قراءة مختلفة لتصريحات المرزوقي ويعتبره لم يخرج بعد من جبة المعارضة التي تنتقد كما تشاء وتلوم من تشاء. وقال في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إن المرزوقي لم يستوعب بعد اللحظة التاريخية التي جاءت به إلى الرئاسة وما زال يرى في نفسه المعارض القادر على التحالف مع كل الأطراف والمنظر لعلاقات مختلفة مع أطراف أخرى دون أن يستشير أي طرف آخر. وعدد مخلوف مواقف المرزوقي على غرار موقفه من فرنسا ومساندته للمعارضة السورية ودعوته إلى الوحدة مع ليبيا وهي تصريحات تدل كما يقول على غياب بعد نظر إلى الوضع الإقليمي الدولي. أما بالنسبة لسكوت اليسار التونسي عن تلك التصريحات وعدم تهويلها، فإنه يرجع حسب مخلوف إلى مراهنة اليسار على المرزوقي واعتباره رأسمال مدخر تسعى إلى توظيفه ضد حركة النهضة في الوقت المناسب ولا تريد تبعا لذلك معاداة الجميع وخسارة ورقة مهمة في معركتها مع اليمين.

حافظ المرزوقي تبعا لذلك على منطقة وسطى بين اليسار واليمين في حين هاجمت أحزاب أخرى وقيادات سياسية غيره حركة النهضة. وصرح أحمد نجيب الشابي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي بأنه لن يشارك في حكومة تقودها أو تشارك فيها حركة النهضة، إلا أن المنصف المرزوقي فاجأ اليسار في البداية بإعلانه في احتشام عن وجود تحالف انتخابي مع حركة النهضة خلال الحملة الانتخابية يقضي بمراقبة مكاتب الاقتراع والسعي لضمان انتخابات حرة ونزيهة. ولمح المرزوقي حول هذا الموضوع ولم يفصح بالكامل بعد أن واجه انتقادات كبيرة من قبل التيارات اليسارية. وتمكن المرزوقي من خلال المنطقة الوسطى التي احتلها بين اليسار واليمين أن يفوز في الانتخابات ويحقق نتائج فاجأت الساحة السياسية.