المناطق المحاصرة في سوريا تعيش أوضاعا إنسانية قاسية

وزير الاقتصاد يطمئن مواطنيه عن متانة الاقتصاد.. بينما الدولار يفترس الليرة

TT

في الوقت الذي وصل فيه سعر صرف الدولار إلى 62 ليرة سورية في السوق السوداء، حاول وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار طمأنة السوريين إلى أن «الاقتصاد السوري ما زال مطمئنا ومتينا»، قائلا في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن «ما يهمنا حاليا هو أن تكون السلة الغذائية والحاجات الأساسية للمواطن السوري محفوظة بأسعار معقولة». وفيما يستمع السوريون إلى تلك التصريحات بآذانهم، يتلمسون موجة غلاء تزيد من تعقد الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها على مدار الأيام الأخيرة، إذ يشمل الارتفاع غالبية السلع والاحتياجات اليومية، وفي مقدمتها المحروقات من الغاز المنزلي، الذي وصل سعر تبديل أنبوبته المتوسطة إلى 750 ليرة سورية، في حين وصل السعر السوقي للتر المازوت إلى 23 ليرة، بينما هو مسعر من قبل الدولة بـ15 ليرة فقط.

و«كأن الطين في حاجة إلى مزيد من البلة»، وفي موسم شتائي عنيف، عمل برنامج «تقنين الكهرباء» المجحف، الذي يستمر انقطاع التيار خلاله لعدة ساعات يوميا، على رفع معاناة السوريين وبخاصة الأطفال في المنازل.. فيما يأتي ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل خانق، حيث ازدادت بشكل كبير شريحة الأسر التي لم تعد قادرة على تأمين ثمن احتياجها من الخبز.

وتشكلت في الكثير من المناطق، وبالأخص المحاصرة، مجموعات أهلية تقوم بجمع الخبز والمواد الغذائية لمد السكان في تلك المناطق، إلا أن الصعوبات لا تتوقف عند حد تأمين المواد، بل تكمن الصعوبة الأكبر في إيصالها، وبخاصة في ظل الانفلات الأمني، حيث تعيش المناطق المحاصرة أوضاعا إنسانية قاسية جدا، بسبب صعوبة وصول المواد الغذائية.

وفي حي بابا عمرو في حمص، يقول أحد الناشطين إن الأهالي يتقاسمون المتوفر في منازلهم، مشيرا إلى أن الأمر متفاوت بين منطقة وأخرى، فثمة أحياء يوجد فيها مخازن للأغذية، لكن يصعب الوصول إليها بسبب وجود قناصة. ويضيف «صار لدينا شهداء نسميهم شهداء الخبز، وهم من الأشخاص الذين قضوا بالرصاص بينما كانوا يشترون الخبز»، متابعا أن «هناك أحياء أخرى يمكن وصول الغذاء أو المحروقات إليها، ولكن لا يتوفر المال اللازم لشرائها.. أما الأسوأ فهو عدم توفر المال والمواد»، واصفا المشكلة في المناطق الأخرى، التي تعد هادئة، بأنها «تكمن في ارتفاع الأسعار على نحو يفوق طاقة المواطن، الذي صار منذ أكثر من 10 أشهر - عمر الأزمة - عاطلا عن العمل».

إلا أن وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار، الذي ظهر على شاشة التلفزيون لطمأنة المواطنين رأى أن «الحل الوحيد لضبط أسعار المواد والسلع هو دعم الصناعات المحلية وتطويرها وزيادة الإنتاجية، التي تؤدي إلى زيادة العرض وبالتالي انخفاض الأسعار»، لافتا إلى أن «الوزارة بدأت بالعمل في هذا الاتجاه، من خلال العودة للداخل وتقويته وتمكينه وحماية الصناعات الوطنية لخلق فرص عمل وحالة اقتصادية مستقرة، وتلبية الاحتياجات وتوفير الكفاية الذاتية شبه المطلقة»، مشددا على «أهمية مشاركة المواطن وتواصله مع الوزارة، وأن يكون جزءا من الوضع الراهن حتى يكون جزءا من الحل.. لأن الحكومة لا تستطيع وحدها تقديم الحلول المطلقة لكل المشاكل». وعن ارتفاع الأسعار، قال الشعار إنها تعود في جزء مبرر منها إلى «ارتفاع الأسعار العالمية، والجزء الآخر غير مبرر بسبب سوء التخزين ونوع من الخوف والتوجس بأن السوق قد تكون غير مستقرة في الفترات المستقبلية، وهناك نوع من الاحتكار غير المبرر من قبل بعض التجار»، مؤكدا أن «الوزارة تعمل بأقصى جهدها لضبط الأسعار، وهي لا تستطيع القيام بدورها لأن لديها قدرة محدودة في عدد المراقبين التموينيين وعددهم 600 مراقب في سوريا، ويعملون بأقصى جهدهم وكانت لهم نتائج إيجابية».

ولم يأتِ الشعار على ذكر العامل الأمني وتأثير الفوضى في البلاد على الاقتصاد وارتفاع الأسعار، بينما ومن قبيل الطمأنة، قال إن «قوة الاقتصاد تقاس بإنتاجيته وليس بقيمة عملته مقابل العملات الأخرى، وما كان يهم الحكومة السورية في الفترة الماضية هو مخزون سوريا من النقد الأجنبي وليس قيمة العملة مقابل الدولار.. وقد اتخذنا قرارا بمنع الاستيراد، وكان ذلك أحد البدائل وثبت عدم جدواه وتراجعنا عنه. وعندما تكون هناك حكمة وإدارة اقتصادية صحيحة، فلا داعي للخوف نهائيا لأن أهم شيء هو الإنتاج».

يشار إلى أن حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة كان قد أصدر كتابا إلى كافة المصارف التي يسمح لها بالتعامل بالنقد الأجنبي في سوريا، يقضي بمنعها من القيام بأي عملية تتطلب بيع النقد الأجنبي مقابل الليرة السورية اعتبارا من تاريخ 2 يناير (كانون الثاني) الحالي.

وانخفض السعر الرسمي لصرف الليرة السورية مقابل الدولار خلال الأشهر القليلة الماضية من نحو 49 ليرة ليجاوز اليوم 55 ليرة، وفق المصرف المركزي، أما في السوق السوداء فقد وصل أمس إلى نحو 62 ليرة. وتمارس السلطات رقابة مشددة على سوق الصرافة حيث يمنع بيع الدولار بغير السعر المثبت رسميا، تحت طائلة المسؤولية.. إلا أن ذلك لم يمنع النشاط الخفي لسوق الصرافة، بل زاده وبشكل جنوني.