ارتباك عربي بشأن انسحاب المراقبين من سوريا مع دعوات للاستعانة بالأمم المتحدة

دبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»: قطر تدفع الجامعة باتجاه التشدد والمالح: القرار سيكون إما الإحالة وإما إرسال قوات

لقطة أثناء إحدى الزيارات الميدانية لوفد المراقبين العرب
TT

وصف دبلوماسيون عرب ومراقبون الموقف العربي إزاء أعمال العنف في سوريا بـ«المرتبك» وغير الحاسم، مؤكدين أن تعامل جامعة الدول العربية مع سوريا حتى الآن رغم القرارات الجريئة التي تم اتخاذها من قبل، يفتقد إلى نوع من الآلية التنفيذية المنظمة والقوية. وبينما أرجع البعض ذلك إلى حداثة التجربة التي تقوم بها الجامعة في سوريا وإرسالها مراقبين لأول مرة، وأنه يجب أن نلتمس لها العذر، قال دبلوماسي عربي لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الارتباك مصدره التشدد القطري مع سوريا وسعيها إلى تحويل الملف إلى مجلس الأمن، في حين أن اتجاها آخر داخل الجامعة، بقيادة العراق، يدعو إلى التريث وعدم تكرار التجربة الليبية.

وبدا تخبط واضح في تصريحات المسؤولين العرب بشأن استمرار المراقبين العرب في سوريا من عدمه وكيفية تعامل الجامعة مع استمرار العدوان السوري على المتظاهرين، رغم وجود بعثة الجامعة هناك.

وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي يرأس اللجنة الوزارية العربية حول سوريا، إن مراقبي جامعة الدول العربية في سوريا ارتكبوا أخطاء، مشيرا عقب اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في نيويورك أول من أمس، إلى أن «هذه هي التجربة الأولى بالنسبة لنا.. وقلت إن علينا تقييم أنواع الأخطاء التي ارتكبت.. وبلا أدنى شك أستطيع أن أرى أخطاء، بيد أننا ذهبنا إلى هناك لا لوقف القتل ولكن للمراقبة».

وأكد الشيخ حمد، نقلا عن «وكالة الأنباء الكويتية»، أن الجامعة العربية ستستمع قريبا إلى النتائج التي توصل إليها المراقبون وستجري تقييما لجدوى البعثة، مضيفا «نحن ذاهبون لتقييم جميع جوانب الوضع وسنرى إمكانية استمرار البعثة أم لا وكيف يمكننا مواصلة تلك المهمة إلا أننا في حاجة إلى سماع إفادات من الناس الذين كانوا على الأرض أولا».

وهو موقف ساندته رؤى دولية أمس، حيث قال مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال للصحافيين أمس، إنه «نظرا إلى مخاطر التلاعب والإخفاء؛ تبدو كل المساهمات لتعزيز فعالية عمل المراقبين في سوريا مفيدة، ولا سيما مساهمة الأمم المتحدة».

واعتبر هيثم المالح، عضو المجلس الوطني الذي يتابع مع الجامعة العربية عمل بعثة المراقبين، أن مهمة هؤلاء لن تستمر في سوريا، معبرا عن اعتقاده بأن التقرير الذي سيقدم إلى الجامعة لن يكون مشابها للتصريحات أو المعلومات التي سرّبت على ألسنة المراقبين ورئيس البعثة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لن يكون أمام الجامعة العربية إلا خياران.. إما إرسال قوات عربية، وإما إحالة الملف إلى مجلس الأمن كما حصل في ليبيا».

وأضاف المالح أن «تصريحات المراقبين السابقة ليس لها قيمة، لا سيما أن هؤلاء كانوا موجودين في الداخل، حيث النظام ينفذ مجازر بحق شعبهم، وبالتالي من الطبيعي أن تكون هذه التصريحات مقيدة بهذا الخوف، وبالتالي من المؤكد أن التقرير سيكون مختلفا، لا سيما أن المراقبين أبدوا تجاوبا مع الناشطين والثوار وحصلوا منهم على ملفات كاملة من الناشطين حول الارتكابات والجرائم التي قام ويقوم بها النظام بحق شعبه».

لكن الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أعلن رفضه للدعوات التي تطالب بسحب المراقبين العرب، حيث قال في وقت سابق «لدينا مهمة وملتزمون بها أمام الحكومة السورية تستمر لمدة شهر». وقال بعض المسؤولين في الجامعة إن دولا مثل السودان والأردن ومصر والجزائر قلقة من إنهاء البعثة مبكرا، إذ تخشى من أن يؤدي إعلان فشلها إلى تدخل عسكري غربي في سوريا.

وعن احتمال إحالة ملف سوريا إلى مجلس الأمن الدولي قال الشيخ حمد «نحاول دائما إيجاد حل لتلك الأزمة في جامعة الدول العربية، إلا أن ذلك يعتمد على الحكومة السورية ومدى وضوحها معنا لإيجاد حل للأزمة».

ومنذ وصول بعثة المراقبين إلى سوريا الأسبوع الماضي، تواصلت علامات الارتباك، والتضارب في بعض الأحيان، على تصريحات رئيس البعثة من جهة، وتصريحات منسوبة إلى بعض أعضائها من جهة ثانية، إضافة إلى تلك التي تخرج من مقر الجامعة من جهة ثالثة.

وكان رئيس البرلمان العربي علي سالم الدقباسي، قد دعا الجامعة في تصريح سابق له، إلى سحب بعثتها العاملة في دمشق، وقال إن أعمال القتل ما زالت مستمرة، وإن وجود بعثة المراقبة العربية في سوريا يعطي النظام هناك غطاء لقتل المواطنين، إلا أن الجامعة العربية استمرت في الدفاع عن بعثتها وقالت «إنها تعمل على نزع فتيل الأزمة هناك». كما أثار رئيس بعثة المراقبين العرب السوداني الفريق أول الركن محمد أحمد مصطفى الدابي، غضب السوريين، عندما قال منذ أسبوع «إنه لم ير شيئا مخيفا في أولى جولاته في سوريا».

وقال دبلوماسي عربي لـ«الشرق الأوسط» أمس إن هناك ارتباكا واضحا وتذبذبا في الموقف العربي إزاء سوريا، يتضح ذلك من خلال المهل الممنوحة لهم مرة ثم التشدد أحيانا، مع تصريحات متناقضة من المسؤولين.

وأكد المصدر، الذي طلب حجب اسمه، أن هذا التخبط يرجع إلى أن دولة قطر، وهي رئيسة اللجنة الوزارية المعنية بسوريا، تعمل على قيادة الجامعة العربية باتجاه التشدد مع سوريا، وربما الدفع بملفها إلى مجلس الأمن، مقابل وجهة نظر دول أخرى لدول مثل الجزائر والعراق ومصر، ترى أن عواقب الضغط على النظام السوري أكثر من ذلك ستكون وخيمة جدا وكارثية.. وفي المنتصف يجد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي محاطا بهذه الضغوط، وغير قادر على بلورة موقف صريح يعبر عن توافق جماعي.

وأكد المصدر أن الحلول العربية - العربية لا تنجح عادة بسبب عدم وجود آلية واضحة للتنفيذ في قرارات الجامعة بحيث تكون القوة جزائية وفعالة، وشدد المصدر على أن الضغط على سوريا بهذه الأساليب قد يجعل الجامعة العربية جزءا من المشكلة أكثر منها وسيلة للحل، وأن مثل هذه الضغوط سوف تزيد الأطراف عنادا.. وأن الحل الأفضل والأوفر هو استمرار الحوار وأن تبذل الجامعة العربية جهودا مع القيادة السورية أفضل من ذلك بشكل غير مستفز ويحقق نتائج إيجابية ويبحث في إمكانية الإصلاح.

من جانبه، قال السفير المصري الأسبق في دمشق الدكتور مصطفى عبد العزيز، أن الجامعة العربية بالتأكيد وقعت في أخطاء إزاء تعاملها مع الوضع في سوريا، خاصة فيما يتعلق ببعثة مراقبيها وتعاملها هناك، مشيرا إلى أن هناك ثغرات كثيرة حصلت، لكن عبد العزيز أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الأخطاء وهذا التخبط يرجعان لحداثة تجربة الجامعة في التعامل مع مثل هذه الأوضاع، وأنها أول تجربة لها، مؤكدا أنه من المفيد أن نلتمس لها العذر وأن نتعلم منها وأن نفكر فيما بعد مستفيدين من هذه الإيجابيات التي تحققت حتى الآن.