بعد 18 عاما.. جريمة قتل تصعد التوتر العرقي في بريطانيا

الحكم على اثنين بتهمة قتل الشاب ستيفن لورانس بالسجن مدى الحياة

والد ستيفن لورانس يقف مع أفراد عائلته، خارج المحكمة بعد صدور الحكم ضد القاتلين الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر بين السود والبيض في بريطانيا عقب صدور حكم المحكمة الجنائية البريطانية بسجن شابين تورطا بقتل شاب أسود. وأثار تعليق كتبته وزيرة سوداء عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ضجة في أوساط الرأي العام البريطاني، معتبرين أنه «عنصري».

وكانت المحكمة الجنائية البريطانية (أولد بيلي) قد قضت أول من أمس بسجن جاري دوبسون وديفيد نوريس مدى الحياة بعد إدانتهما بالمشاركة في جريمة قتل الشاب البريطاني الأسود ستيفن لورانس في لندن عام 1993.

وفور صدور الحكم علّقت وزيرة الصحة البريطانية ديان أبوت عبر موقع «تويتر» قائلة: «البيض يحبون لعبه (فرّق تسد)». وجاء تصريح أبوت كتعليق لها على قضية في موقع التواصل الاجتماعي ناقشت تغطية وسائل الإعلام في أعقاب محاكمة قضية لورانس، حيث كتبت أبوت ردا على أحد الصحافيين الذين استهجنوا استخدام مصطلحات مثل «مجتمع السود».

وتعليق أبوت، التي تعد أول امرأة سوداء تنتخب في البرلمان، أثار عاصفة من الغضب دفعت بالزعيم العمالي إد ميليباند لإبلاغها أن تصريحاتها «غير مقبولة» وأنه سيتخذ الإجراءات اللازمة في حال رفضت تقديم اعتذار. وعبر حزب العمال عن اختلافه مع رأي أبوت. ووصف نائب رئيس الحكومة البريطانية نيك كليغ تعليقات أبوت على تويتر بأنها «غبية وفجّة».

كما استاء مئات المستخدمين للموقع من أفراد ونواب، حيث رد نائب هاكني الشمالية ستوك نوينغاتون الذي رُشح لرئاسة حزب العمال عام 2010 حول تعليقها «البيض يحبون لعبه فرّق تسد»: وقال: «إذن لا ينبغي أن تلعبي لعبتهم». وأضاف: «المجتمعات العرقية التي تظهر المزيد من التضامن والوحدة العامة، أكثر من اهتمامها بمسألة اللون، تعيش بشكل أفضل».

من جهتها دافعت أبوت عن نيتها مبررة أن تعليقها «أُخرج عن سياقه». وأوضحت أنها تتفهم تفسير الناس لتعليقها عن أنه تعميم في الحديث عن البيض إلا أنها لا تؤمن بذلك. وقدمت الوزيرة اعتذارها قائلة: «أعتذر عن أي إهانة سببتها».

ولكن يبدو أن اعتذارها لم يوقف الغضب، إذ طالب النائب المحافظ ناظم الزهاوي برحيلها فورا. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية: «هذه هي العنصرية!.. لو كان عضو البرلمان هذا أبيض لكان استقال من منصبه في غضون ساعة أو أُقيل».

وبعيدا عن الضجة التي أثارتها تعليقات الوزيرة، سيقضي المتهمان في قضية لورانس حكما يعرف في أوساط السجون في بريطانيا باسم «ما يسعد صاحبة الجلالة»، ويطلق هذا الاسم على أحكام السجن مدى الحياة التي تصدر على الأحداث ذات النوازع الإجرامية. وسيقضي جاري دوبسون 15 سنة على الأقل في السجن، بينما سيقضي ديفيد نوريس 14 سنة على الأقل في السجن.

وطعن الشابان لورانس فيما كان واقفا أمام إحدى محطات الحافلات في تسعينات القرن الماضي في جريمة هزت «ضمير الأمة البريطانية». وتُعد جريمة الاغتيال هذه إحدى أسوأ جرائم القتل التي استعصى حلها في تاريخ بريطانيا المعاصر، إذ إن المتهمين كانا قاصرين أثناء ارتكاب الجريمة وهذا ما جعل المحكمة تبرئ ساحتهما بجانب ثلاثة رافقوهما أثناء ارتكاب الجريمة.

واستندت المحكمة في ذلك الوقت على أن الحكم متفق مع القاعدة القانونية التي تقول إن العقوبة مرهونة بوقت الجريمة، حيث كان عمر كلا المتهمين أقل من 18 سنة في وقت ارتكاب الجريمة.

ووصفت أسرة لورانس التحقيقات آنذاك بأنها «غير متقنة» وأن شرطة لندن تقاعست عن الاهتمام بقضية بلورانس لأنه «أسود». وقدم القاضي ماكفيرسون تقريرا عام 1999 حول القضية أفاد بأن الشرطة بالفعل تهاونت في جمع الأدلة الجنائية، مما دفع لفتح المحاكمة مرة أخرى، ملقيا هذا التقرير الضوء على ظاهرة تفشي العنصرية المقنعة داخل السلك الشرطي البريطاني.

وفي السياق نفسه، قال القاضي بعد إصدار حكم السجن بأن الجريمة التي ارتكبها المتهمان لم يكن لها من سبب سوى الكراهية العنصرية لأن الضحية لورانس كان مسالما حتى إنه لم يدافع عن نفسه وقت الهجوم عليه. وأوضح القاضي أن الحد الأدنى في العقوبتين كان قيدا على رغبته في تشديد العقوبة للمتهمين لبشاعة جرمهما، وأنه قضى بأقصى ما ينص عليه قانون العقوبات البريطاني حتى لا يتهمه أحد بعد الآن بأنه أخذ المتهمين باللين.

وأضاف القاضي في حيثيات الحكم مخاطبا المتهمين أنه لم يجد «متسعا لتخفيف الحكم بحال من الأحوال لأن المحكوم عليهما لم يظهرا أي قدر من الرأفة مع الضحية».

وبصرف النظر عن القضية، تزايدت قضايا العنصرية في بريطانيا في السنوات الماضية وأظهرت إحصاءات للشرطة أن الجرائم المدفوعة بأسباب عنصرية ودينية ارتفعت خصوصا في الأحياء التي تعد معاقل اليمينيين المتطرفين مثل ويت ميدلانس ولندن وإيسيكس.

ومنذ أن أدلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بتصريحاته عن فشل التعددية الثقافية في بريطانيا وذلك في كلمة ألقاها في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2010، تسعى بريطانيا لعقد لقاءات مناهضة للعنصرية لدعم التعددية الثقافية بالمجتمع البريطاني وقد فشلت عقود من القوانين المناهضة للعنصرية لمعالجة الأسباب الجذرية للعنصرية في بريطانيا، بحسب كتاب «معالجة جذور العنصرية» للمؤلفين هايدي ميرزا وفينا ميتو، الذي سلط الضوء على التوترات العرقية على ضوء تفجيرات لندن وبرمنغهام عام 2005. وقد حذر الكتاب من تزايد ردود فعل عنيفة ضد الأقليات العرقية بسبب سياسات فاشلة. وزعم المؤلفان أن هناك «الكثير من الكلام قيل للحد من العنصرية ولكن التنفيذ على نطاق واسع لا يُذكر». ويقول الكاتبان إنه «وعلى مدار 30 عاما أراد المجتمع البريطاني أن يفعل شيئا حيال العنصرية»، واصفا أن الحلول التي وضعتها السلطات المحلية مثل المهرجانات الموسيقية السنوية هي حلول على المدى القصير لأنها لا تعالج بالضرورة مع أفكار الكراهية المتأصلة.