مسؤول التنظيم العالمي لـ «الشرق الأوسط» «الإخوان» لـ: مبارك حكم مصر تحت شعار «أنا أو الطوفان من بعدي»

الشيخ إبراهيم منير: اكتساح «الإخوان» للانتخابات يعبر عن حجم وجودهم في الشارع المصري

TT

تشهد مصر حاليا عصرا جديدا‏، ‏ تقف فيه على أعتاب مرحلة جديدة ومهمة في تاريخها‏، ‏ وتشهد مرحلة تحول ديمقراطي‏، ‏ لكنها في هذه المرحلة المهمة والخطيرة بحاجة ماسة إلى جهود وفكر وعلم أبنائها‏ وأيضا بحاجة إلى رؤى العقلاء والحكماء الذين يملكون العلم والخبرة والمؤهلات التي من خلالها تجتاز مصر هذه المرحلة الفارقة من تاريخها. ورغم العهد الجديد الذي تعيشه مصر حاليا، والمكاسب التي أصبح يتمتع بها الشعب وعلى رأسها الديمقراطية، فإن المد الإسلامي في الثورات العربية أصبح واضحا خصوصا «الإخوان المسلمين» والتيارات السلفية حيث كشف تنظيمهم في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والأردن عن حجم وجودهم في الشارع واستعدادهم المنظم لصناديق الاقتراع، وفي مصر حقق «الإخوان» ويليهم السلفيون إنجازات كبيرة في الجولات الثلاث من الانتخابات.

«الشرق الأوسط» توجهت إلى الشيخ إبراهيم منير مسؤول التنظيم الدولي لـ«الإخوان» في الغرب، وجاء الحوار على النحو التالي:

* في البداية سألناه: كيف ترون المشهد حاليا من احتجاجات في ميدان التحرير تختفي ثم تعود، وصعود تيارات دينية معينة في الساحة السياسية في المشهد الانتخابي العام؟

- ما شهدناه من أحداث العنف في احتجاجات شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وميدان التحرير في الأسابيع الأخيرة يمكن وصفه بالشيء المأساوي، والمجلس العسكري لا يريد الإعلان عن الجهة التي تقف وراء أحداث العنف، ولا أستبعد أن يكون النظام السابق للرئيس المخلوع حسني مبارك له أياد في إحداث الفوضى بالبلاد، لأن لهم مصلحة في ذلك، ورغم أننا نطالب بالعدالة في محاكمات رموز النظام القديم، فإن البطء في العدالة ليس به عدالة، ولا نطالب بمحاكمتهم أمام محاكم عسكرية، بل محاكم مدنية وبإجراءات تحقيق جدية دون تحايل من الجهات الرسمية المسؤولة عن التحقيق والموكل إليها تقديم القضايا إلى المحكمة حتى نبدأ تاريخا جديدا في مصر، إن حسني مبارك وأعوانه المقربين وأولاده حكموا مصر تحت شعار «أنا أو الطوفان من بعدي»، وهي عبارة يضرب بها المثل في الأنانية وحب الذات من دون الإحساس واحترام الآخرين ومشاعرهم، شاهدنا ذلك طوال سنوات حكمه، في الوقت الذي يدعو فيه ديننا الحنيف للتسامح والإخاء والإيثار والعدل بين الرعية، ونجد مبارك طبقها على جموع الشعب المصري بأسلوب مخالف تماما من نهب لأموال البلد ومقدراته، والآن فلول النظام تسرح وتمرح في البلد ليل نهار، وعلى المجلس العسكري أن يعلن عن أسماء الذين يقفون وراء أحداث العنف والشغب التي اجتاحت وسط القاهرة، وفي أحداث ماسبيرو أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي راح ضحيتها 19 شخصا وعشرات الجرحى، لا نعرف حتى الآن من وقف وراء تلك الأحداث رغم ما يقال عن محاكمات سرية لمرتكبيها.

* هل توقعتم أن يحقق «الإخوان» هذه المكاسب الكبيرة في الانتخابات المصرية؟

- «الإخوان» يدركون حجمهم الطبيعي في الشارع المصري، وما حققوه من نجاحات يعبر عن وجودهم في الأحياء والقرى المصرية، ولولا التدخلات غير الأخلاقية أحيانا لحصل «الإخوان» على عدد أكبر من المقاعد.

* ما حدود الخلافات بين «الإخوان» والتيار السلفي في مصر؟

- التيار السلفي موجود منذ بدايات القرن الميلادي السابق في مصر، وكان يغلب عليه اتجاه واضح ومحدد تتعامل معه جماعة الإخوان المسلمين كشريك فاعل في الدعوة الإسلامية بعد أن ارتضى أن يكون بعيدا عن العمل السياسي وعلى أساس مشترك هو ما نص عليه بند الفهم في أركان البيعة العشرة للجماعة «وكل ما جاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع»، وهو ما اختصره الإمام الشهيد حسن البنا بقوله: «(الإخوان) دعوة سلفية...»، وأذكر بالفضل أن مساجد أنصار السنة وأيضا الجمعية الشرعية في عهود شيوخهم السابقين الكبار يرحمهم الله جميعا كانت محضنا طيبا لشباب الجماعة في أيام المحن دون أن يرى أو يسمع أحد ما نراه أو نسمعه اليوم، ولكن ومع مرور الزمن تعددت الاتجاهات داخل هذا التيار وغالى البعض في التشدد باتباع مذهب واحد واعتبار مخالفي المذهب حتى ولو في الفروع خارجا عن حظيرة الإيمان وسمعنا عن تفسير عجيب لمقولة «الفرقة الناجية»، وللأسف الشديد نال جماعة الإخوان المسلمين من جراء هذا التفسير الأذى الكثير وأحيانا بسبب الزي والملابس أو القبول ببعض المصطلحات الغربية (الكافرة..!!) مثل مصطلح الديمقراطية والذي لا يعدو من وجهة نظرنا عن كونه تطبيقا يتداوله الناس لمعنى الشورى المأمورين بها شرعا، وبسبب المشاركة على أساسه في الانتخابات البرلمانية، وأيضا اعتراض البعض على المظاهرات التي تطالب بالعدل أو الاعتصامات التي تطالب بالحقوق، وشخصيا لا أدري لماذا تغيرت الأحكام الشرعية فجأة في 24 ساعة بعد 11 فبراير (شباط) 2011 يوم تنحي الرئيس السابق وأصبح ما كان حراما قبل هذا اليوم حلالا بعده وبمقولة كانت مغيبة من قبل وهي تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، ومع كل ذلك فما زال الهجوم على الجماعة مستمرا، وأؤكد وأرجو أن أكون مخلصا أمام الله لكل التيارات الإسلامية أننا كلنا في مركب واحد وهدفنا كله واحد وإن اختلفت السبل لإقامة شرع الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض كما أمر ولا نحمل للكل إلا الخير الذي نرجوه من الله لنا ولكل العباد.

* ما دور مجلس شورى «الإخوان» العالمي في الانتخابات داخل مصر.. وهل شاركت في الانتخابات بالسفارة المصرية بلندن؟

- الأصل الذي تسير عليه الجماعة أن لكل قطر خصوصيته ولا يتدخل أحد في شؤون أحد فكل قطر أدرى بمصلحته وبما يفيد وطنه ودعوته، وشاركت فعلا في الانتخابات المصرية ولا أنكر أنني أعطيت صوتي كمواطن مصري للدكتور عمرو دراج عن دائرة الدقي والعجوزة ولم يفز في مواجهة الدكتور عمرو الشوبكي وكلا الاثنين صديق وهو قدر الله عز وجل أرجو أن يكون فيه الخير لمصر ولكل منهما فيستمر العمرو الأول في خدمة مجتمعه ودائرته وأن يسهم العمرو الثاني في إثراء العمل البرلماني

* ما شكل العلاقة بين «الإخوان» والمجلس العسكري في المرحلة الحالية والمقبلة؟

- المجلس العسكري يقوم بدور رئيس الجمهورية في هذه الفترة وأرجو أن تأخذ العلاقة بينه وبين «الإخوان» كفصيل من فصائل الوطن شكلها الطبيعي، فالقوات المسلحة وبعد الانسحاب التآمري لوزارة الداخلية في بداية الثورة كانت صمام الأمان لمصر، و«الإخوان» قالوا للمجلس العسكري أحسنت، ويجب أن يقبل منهم إذا أساء أن يقولوا أسأت في كذا وإذا قصر أن يقولوا قصرت في كذا، وعليه أن يوفي بالتزاماته تجاه الشعب التي أعلنها مع بداية توليه السلطة وأن يعمل على إزالة المعوقات التي تعوق وضع مصر في مسارها الطبيعي وأطالبه بأن يكون له متحدث رسمي واحد باسمه، فمرة نشاهد اللواء محسن الفنجري ثم زميله محمد الخولي ثم اللواء حسن الرويني ثم اللواء مختار الملا وبعده اللواء عادل عمارة، وهو ما سبب إرباكا للناس فالتصريح السياسي والإعلامي لهما حرفية ومهنية خاصة خصوصا إذا صدر أي منهما عن أعلى سلطة في البلاد.

* يلاحظ أن التنظيم العالمي لـ«الإخوان» في الغرب انخفض بصورة كبيرة بعد ثورة يناير (كانون الثاني) فهل لديكم تنسيق مع «الإخوان» في بقية الدول العربية؟

- لا أدري ما هي مقاييس النشاط المطلوب إعلانها والكل يعلم أننا نعمل في ضوء النهار ولكننا على سبيل المثال لا نخفي الاتصالات التي تجري مع «إخوان سوريا» بسبب ظروف الأحداث هناك فالاتصالات مستمرة مع الأخ (أبو حازم) رياض الشقفة المراقب العام الحالي، والأخ (أبو أنس) علي البيانوني المراقب العام السابق، و«الإخوان» جميعهم في كل الأقطار يتابعون ما يحدث في سوريا بشكل شبه يومي، كما لم تنقطع الاتصالات بين الأقطار بعضها البعض من جنوب أفريقيا منذ عهد مانديلا إلى أقصى الأرض والعالم كله يعرف ذلك ويعرف أن فكرة «الإخوان المسلمين» موجودة في عشرات الأقطار تسعى لخير الأمة ولخير أوطانها ولقد سمعت شخصيا من أكثر من مسؤول دولي مسلمين وغير مسلمين ثناء على دور الجماعة والبعض يعتبره من أكثر الجماعات أو الهيئات في العالم صدقا ونزاهة واستقلالا ووفاء لبلدانها وحرصا على مصالحها وسلامتها وسلامة العالم كله.

* ما هو رأيكم في مواصفات رئيس الدولة القادم؟

- أن يكون هناك توافق من كل القوى السياسية عليه أيا كان انتماؤه السياسي ولا يوجد في تاريخه أي تآمر على الشعب أو تربحه من المال الحرام، لا يتخذ بطانة سوء، ولا يسد أذنيه عن نصيحة ناصح حتى ولو كان لا يحبه، ولا يسكت عن خطأ يراه أو جريمة يرتكبها المقربون منه، ولا يقيم الحد (القانون) على الضعفاء تاركا الأقوياء، وأن يكون وكيلا للضعفاء من الناس يأخذ لهم الحق ويعطي لهم ما يستحقونه من عدل، وأن يكون على قناعة بأن انتخاب الناس له يعني بالنسبة له أنه قد أصبح خادما لشعبه خاضعا لما يجمع عليه الناس وليس فرعونا جديدا يمارس قول الفرعون الملعون الأول: « مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ».

* ما هو توصيفكم للدولة المدنية؟

- دون الدخول في المسميات التي يتداولها علم السياسة فإن توصيفنا للدولة المدنية هي الدولة التي لا تسري فيها الأحكام الاستثنائية والعسكرية، ويتم فصل السلطات فيها فلا تطغى سلطة على أخرى، وتعتمد مبدأ التداول على السلطة فيأتي للحكم من يختاره الشعب، ولا تعتمد الطائفية ولا المحاصصة في توزيع المناصب والمهام، المواطنون فيها سواء مهما اختلفت عقائدهم أو توجهاتهم السياسية.

* ما هو دور الدين والنشطاء الإسلاميين وجماعة الإخوان في مصر الجديدة؟

- أعتقد أن من أولى الأولويات إشاعة مفاهيم الدين الصحيحة والبسيطة الواضحة السمحة سماحة ووضوح الفطرة الإنسانية ثم يأتي بعدها إشاعة الأمن النفسي والسلام الاجتماعي بين الشعب والعمل سويا على محو آثار الحكم السابق الذي دفع الكثيرين إلى التبرؤ من انتمائه لبلده بعد أن أصبحت مقولة: «إن البلد ليست بلدنا» بسبب احتكار النظام السابق وأزلامه لكل شيء، وليكن تحقيق الانتماء للوطن من الأهداف الرئيسية، ثم يأتي بعد ذلك مسألة التعاون في العمل السياسي حتى لا يكون البرلمان القادم سببا لإعاقة تقدم مصر باتخاذ أساليب عمل تعمل على تفجيره كما يأمل الكثيرون في مصر أو خارجها ليبكي الناس بعد ذلك على برلمان فتحي سرور وصفوت الشريف.

وأرجو أن يتذكر الجميع أن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الدعوة إلى الله كثيرة لا تحصى ومنها قوله لصحابي جليل أم الناس في الصلاة فأطال: «أفتان أنت يا معاذ؟» فليكن سعي الجميع ألا نضع الناس أمام هذا النوع من الفتنة ونحن نظن أننا نأخذ بأيديهم إلى الخير، وأرجو أيضا أن يعمل الجميع على إعادة دور مؤسسة الأزهر علما وعلماء إلى مكانها الطبيعي كجامعة للمذاهب الإسلامية، وأدعوه عز وجل أن يجنب كل الدعاة إلى الله مسألة احتكار مقاييس الصواب والخطأ.

* ما رأيكم في حالة الاستقطاب الديني والسياسي التي تشهدها مصر في الفترة الحالية؟

- شخصيا أرى أنها حالة مفتعلة كان وراءها النظام السابق أخذا بسياسة «فرق تسد» ووراءها أعداء مصر الكثيرون لإضعافها وإيجاد الفرقة بين شعبها بل وحتى إشعال الحرب الأهلية الداخلية إذا أمكن ذلك، وهي حالة لم تكن موجودة من قبل، ومن الغريب أن الأيام الأولى لثورة 25 يناير قد أزاحت هذه الحالة عندما التحم الشعب كله (مسيحييه ومسلميه) في صف واحد مثل ما حدث في ثورة 1919، ثم عادت الأمور مرة أخرى إلى ما كانت عليه بفعل نفس الأصابع الخبيثة، وأنا على أمل بإذن الله أن عودة مصر إلى حالتها الطبيعية قريبة جدا بعد إزاحة الكابوس الذي جثم على صدرها لعقود طويلة.

* كيف ترون مستقبل مصر ومتى وكيف تستطيع أن تجتاز المرحلة الراهنة؟

- أراه إن شاء الله مزدهرا وواعدا بشرط العودة إلى أسس الدين الصحيحة (إسلامه ومسيحييه) والتجرد من الهوى ووضع مصلحة الشعب المصري قبل مصلحة أي فصيل سياسي، فإمكانيات مصر التي وهبها الله لها لو تم التعاون على استغلالها وما فيها من كنوز إضافة إلى طبيعة الشعب المصري كفيلة بإذن الله إلى اجتياز هذه المرحلة والدخول إلى مرحلة أخرى تكفل الحياة الإنسانية الشريفة والسعيدة لكل من يعيش على أرضها أيا كانت التحديات الخارجية فالتاريخ يثبت ذلك.

* هل يتقبل الشعب المصري أن يفرض عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتضييق على الحريات الفردية للنساء والرجال؟

- الحريات الفردية في أي نظام في العالم لها قواعدها المعروفة وحدودها التي لا يختلف عليها أحد وأولها ألا تتعدى حدود الفرد الآخر وتنظمها القوانين الصحيحة التي أجمعت عليها كل الأمم بدءا من قاعدة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» وانتهاء بما أقرته مواثيق حقوق الإنسان العالمية التي لا تتعارض مع القيم السماوية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له قواعده وضرورة الالتزام بما شرعه الله سبحانه وتعالى «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»، وألا يؤدي العمل على إزالة مفسدة باستجلاب مفسدة أشد منها وأنكى، والتعامل مع عباد الله بالحكمة والموعظة الحسنة ثم الصبر عليهم ليشرح الله صدر من يشرح ويرده إلى الخير هو الأولى، مع تهيئة المناخ الصالح المساعد وتبيان البدائل الطيبة لإنفاذ الأمر بالمعروف وإصلاح الناس.

* قضية جمع تبرعات للتنظيم الدولي التي اتهمتم فيها زورا مع بعض قيادات الخارج هل انتهت مع سقوط مبارك؟

- للأسف الشديد لم تنته القضية وهي حتى الآن أمام محكمة بريطانية وأود أن تحال في مصر إلى محكمة مدنية عادية لأني لا أقبل أن يتم إصدار عفو عنها فيبدو الأمر وكأني كنت مذنبا ثم عفا صاحب القرار عني، ولست مغاليا إذا تنسمت سيرة نبي الله يوسف عليه السلام (ولله ورسله المثل الأعلى) فأقول: «مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ» ولست طبعا في مجال المقارنة مع نبي الله يوسف عليه السلام وأعوذ بالله من ذلك.. وكل ما أطلبه أن تكون شهادة البراءة أمام الخلق جميعا ليعلموا أن هذا الاتهام كان ظالما ويكفيني ذلك.