تضارب المواقف الأوروبية بشأن البدء في تنفيذ العقوبات النفطية على إيران

رغم الاتفاقات المبدئية

TT

رغم الاتفاق المبدئي الذي توصلت إليه دول الاتحاد الأوروبي على مستوى الخبراء والممثلين في بروكسل بصدد حظر استيراد النفط الإيراني كإجراء عقابي بحق طهران بسبب برنامجها النووي، فإن الكثير من المسائل العالقة ما زالت تحتاج إلى تسوية ومخارج لتحاشي الإضرار بالمصالح الاقتصادية والتجارية الأوروبية. وبالتوازي مع الموضوع النفطي، بات واضحا أنه ليس من المؤكد اليوم أن تنجح الدول الـ27 في التوافق حول تجميد الأصول والودائع الإيرانية العائدة للبنك المركزي الإيراني ووقف جميع التعاملات المالية معه في الأيام وربما في الأسابيع المقبلة.

ويبدو أن نسبة التشدد في الموضوع النفطي مرهونة بمدى تبعية كل بلد من البلدان الأوروبية للخام الإيراني. ولذا، يمكن تصنيف البلدان الأوروبية في خانتين: فالبلدان التي لا تعتمد بنسبة مرتفعة على النفط الإيراني تبدو الأكثر تشددا مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا.. وبالمقابل فإن البلدان الأوروبية المتوسطية (اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا.. ) تبدو أكثر ترددا وهي ترهن سيرها بالعقوبات الجديدة بشرطين اثنين: توفير مصادر نفط بديلة عن النفط الإيراني واعتماد مبدأ التدرج الزمني في تطبيق العقوبات مما سيعطيها الوقت الكافي لإعادة ترتيب أوضاعها النفطية.

وبالنظر إلى هذه العوائق، فإن الخارجية الفرنسية تحدثت أمس عن «اتفاق مبدئي» على العقوبات التي تأمل باريس بأن تقر رسميا ونهائيا في نهاية الشهر الجاري بمناسبة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين. غير أن الاتفاق شيء وبدء تنفيذه شيء آخر. فثمة عقود نفطية والتزامات موقعة ومعمول بها بين طهران والبلدان الأوروبية أو شركاتها. وهذه الأخيرة مضطرة إلى الوفاء بالتزاماتها. ولذا، فهناك حاجة إلى فترة «سماح» للبدء في التنفيذ الفعلي للعقوبات الجديدة. وبالتالي، فإن النقاش بين الأوروبيين يدور اليوم حول تحديد هذه المهلة.. لا بل إن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي طالب في حديث نشر في صحيفة «لو فيغارو» أمس بوضع خاص لشركة النفط الإيطالية «إيني». وقال مونتي: «إيطاليا تستورد 13 في المائة من نفطها من إيران بينما فرنسا تستورد 3 في المائة. (ومع ذلك)، فإن حظرا لاستيراد النفط ممكن شرط أن يكون متدرجا وأن تستثنى منه الكميات النفطية التي تحصل عليها شركة (إيني) من أجل إيفاء الديون المستحقة لها على إيران والبالغة مليار يورو». ومعلوم أن «إيني» تصدر المشتقات النفطية لإيران وتحصل مقابلها على نفط خام. وكما إيطاليا، فإن اليونان تريد فترة سماح تمتد إلى عام أو أكثر بينما التوجه العام، وفق ما تقوله مصادر واسعة الاطلاع في باريس، يقوم على اختصارها لثلاثة أشهر. وستسخر فترة الأسابيع الثلاثة الفاصلة عن تاريخ اجتماع بروكسل للمساومات، خصوصا أن العقبات ليست فقط نفطية. وبحسب هذه المصادر، فإن ألمانيا ليست متحمسة لتجميد أموال وأصول البنك المركزي الإيراني ولا لوقف المعاملات المالية معه باعتبار أن شركات ألمانية كبيرة من هامبورغ لها عقود والتزامات في إيران.

وفي أي حال، فإن فرنسا التي تشتري شركتها النفطية «توتال» كميات كبيرة من النفط الإيراني مستمرة في الدفع باتجاهين: فرض العقوبات النفطية مصحوبة بالعقوبات المالية على البنك المركزي الإيراني، والدعوة إلى التشدد في قبول العرض الإيراني بالعودة إلى طاولة المفاوضات. وتريد باريس من طهران أن تظهر «حسن نية» في موضوع المفاوضات بحيث لا تأتي إليها من أجل كسب الوقت وإطالة المفاوضات إلى ما لا نهاية.

والمشكلة اليوم، كما تشرح ذلك مصادر مطلعة عن كثب على ملف المفاوضات، أنه «لا أفكار جديدة مطروحة على الطاولة يكون من شأنها الخروج من الطريق المسدود الذي آلت إليه في السابق». والطرح الجديد جاء فقط من موسكو التي اقترحت، من جهة، وقفا لتصعيد العقوبات على إيران مقابل تجميد إيران زيادة قدراتها التخصيبية لليورانيوم بنسبة 20 في المائة. والحال، أن إيران تخطت هذه المرحلة بعد أن أعلنت أنها بدأت في إدخال قضبان اليورانيوم الصلب التي صنعتها إلى مفاعل طهران للأغراض التجريبية والطب والزراعة.. فضلا عن ذلك، رفضت باريس ومعها واشنطن العرض الروسي الذي عاد وأحياه الرئيس الإيراني في اتصال مع الرئيس ديمتري ميدفيديف أول من أمس.

وترجح المصادر الأوروبية أن تكون الدول الـ27 تفضل إقرار العقوبات الجديدة أولا قبل العودة إلى طاولة المفاوضات لأنها بذلك ستعود إليها من موقع قوة. والمشكلة مع إيران أن ملفها النووي يتداخل بملف الصواريخ وبملف التهديدات لإغلاق مضيق هرمز، فضلا عن الدور الذي تلعبه في الملف السوري، الأمر الذي يجعل التفاوض معها بالغ التعقيد. وبسبب هذا الوضع، تعتبر هذه المصادر أن المخارج قد لا تكون ممكنة مع إيران إلا في إطار «تسوية شاملة» تأخذ بعين الاعتبار موقع إيران ومصالحها بحيث لا يكون «النووي» سوى عنصر من عناصر التسوية.. والحال أن أمرا كهذا يحتاج إلى دور أميركي فاعل قد يكون العثور عليه صعبا في الوقت الحاضر بسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية وما يرافقها من اتخاذ مواقف ومزايدات ليس من شأنها تسهيل الحلول، وبالتالي فإن الأمر الملح هو.. الانتظار.