حفاوة في استقبال البشير.. والرئيس السوداني يؤكد: كنا المتضرر الثاني من القذافي بعد الليبيين

رئيس مجلس ثوار طرابلس: بعض أتباع القذافي في الخارج يقودون مؤامرة لضرب الاستقرار والأمن

رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل خلال استقباله الرئيس السوداني عمر البشير أمس (إ.ب.أ)
TT

حظي الرئيس السوداني عمر البشير في أول زيارة عمل رسمية له إلى العاصمة الليبية طرابلس باستقبال رسمي لافت للانتباه، عكس وفقا لما أكدته مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» رغبة المجلس الانتقالي الذي يتولى السلطة في ليبيا بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، في تأكيد امتنان الليبيين للدعم العسكري الذي قدمه البشير للثوار من أجل تحرير طرابلس من قبضة القذافي.

وجاءت هذه الحفاوة الرسمية في استقبال البشير رغم الانتقادات التي وجهتها منظمات حقوقية اعتراضا على استقباله رغم كونه مطلوبا من قبل محكمة العدل الدولية التي أصدرت مذكرة اعتقال بحقه واتهمته بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في منطقة دارفور بغرب السودان.

وكان المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي، على رأس مستقبلي البشير في مطار طرابلس، بالإضافة إلى عدد من أعضاء المجلس والحكومة الانتقالية، وعدد من ضباط الجيش الليبي والشرطة والجمارك، وعدد من السفراء المعتمدين لدى ليبيا، وسفير وأعضاء سفارة السودان في طرابلس.

واستعرض البشير طابور الشرف الذي اصطف لتحيته، بعد عزف النشيدين الوطنيين السوداني والليبي، كما أجرى الطرفان محادثات موسعة تمحورت حول التعاون الاقتصادي والتجاري.

وقال ريتشارد ديكر، مدير العدالة الدولية بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بمراقبة حقوق الإنسان «الترحيب بالبشير يثير تساؤلات بشان إعلان المجلس الوطني الانتقالي التزامه بحقوق الإنسان وحكم القانون». وتابع «بعد انتهاء عقود من الحكم الوحشي في ليبيا من المزعج أن تستضيف طرابلس رئيس دولة هاربا من مذكرة اعتقال لارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان».

لكن مسؤولين في المجلس الانتقالي قالوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس لا يرى أي غضاضة في استقبال البشير على الأراضي الليبية، تقديرا للدور الذي لعبه في تقديم أسلحة للثوار مكنتهم من القيام بعملية تحرير طرابلس واجتياح مقر القذافي الحصين في ثكنة باب العزيزية في العشرين من شهر أغسطس (آب) الماضي.

وقال مصدر مطلع في المجلس لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس «لسنا مع طلب تسليم البشير، وهو زار عدة دول عربية وأفريقية من دون أي مشاكل، فلماذا ينتقد البعض زيارته لنا وهي للمجاملة بالأساس؟».

وكانت العديد من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان قد انتقدت الدول التي استقبلت البشير منذ صدور مذكرة الاعتقال بحقه في الرابع من شهر مارس (آذار) عام 2009.

وينظر المجلس الانتقالي للبشير على أنه شريك في الانتصار الذي تحقق ضد قوات القذافي قبل دخول الثوار إلى طرابلس، حيث ساند البشير علنا الثورة الشعبية ضد القذافي، فيما أعلن عبد الجليل لدى زيارته إلى الخرطوم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن البشير مد الثوار الليبيين السابقين بالذخيرة والسلاح.

واستغل الرئيس السوداني أول زيارة له إلى ليبيا منذ اندلاع الثورة الشعبية ضد القذافي في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي، لتوجيه انتقادات حادة إلى حليفه وصديقه السابق القذافي الذي قال إن الشعب السوداني نفسه عانى منه وأصبح في المرتبة الثانية في هذه المعاناة بعد الشعب الليبي.

وأثنى البشير على ما وصفه بشجاعة وبسالة الشعب الليبي في مقاتلة وإسقاط نظام الطاغية القذافي، وقال في تصريح بثته وكالة الأنباء الليبية عقب وصوله إلى طرابلس «لقد عانينا كلنا من نظام الحكم السابق سواء الشعب الليبي أو الشعب السوداني، إلا أننا نقول إن الشعب الليبي كان الأكثر معاناة، وكنا نحن رقم اثنين في المعاناة من ذلك النظام». وعكست تركيبة الوفد الرسمي المرافق للرئيس السوداني، والذي ضم كلا من مساعده نافع علي نافع، والفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، وعلي كرتي وزير الخارجية، والفريق محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات، ومحمد خير الزبير محافظ بنك السودان المركزي، أهداف الزيارة ورغبة السودان في الاستفادة من علاقته الجديدة مع السلطات الليبية.

إلى ذلك، قال عبد الله أحمد ناكر، رئيس مجلس ثوار طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاشتباكات المسلحة التي شهدتها مؤخرا العاصمة الليبية بين مجموعتين من الثوار المسلحين وأدت إلى سقوط عشرة ضحايا ما بين قتلى وجرحى، بعضها ممنهج ومدعوم من الخارج، وبعضها مجرد خلافات عادية بين الثوار. وأضاف ناكر عبر الهاتف من طرابلس «آخر عملية منظمة أعلنا عنها كان يفترض أن هناك شبه اتفاق عليها بين الخلايا النائمة التابعة للنظام المقبور، عن طريق القيام بعمل عسكري كبير في اليوم الأول من العام الميلادي الجديد». وأضاف «عندما ظهرت قناة (الجماهيرية) على القمر الصناعي المصري (نايل سات) كانت هذه إشارة لهم بالتحرك في السجون وغيرها، وفعلا كان هناك تحرك منظم في عدة مناطق ليبية من بينها طرابلس وسبها لإحداث قلاقل واضطرابات، هؤلاء واهمون ويعتقدون أن بإمكانهم استعادة السلطة وإعادة نظام القذافي مجددا إلى الحكم».

وقال إن أتباع وأزلام النظام في الداخل يقومون بعمليات يائسة ولديهم أوهام تأتيهم عبر الاتصالات الهاتفية والرسائل المتبادلة عبر الهواتف النقالة والمقابلات الشخصية. ولفت إلى إحباط الثوار لعملية تخريبية لتفجير محطات الكهرباء في طرابلس كانت تستهدف أيضا قطع وسائل الاتصال تمهيدا للقيام لعمليات إرهابية.

وحول هوية المتورطين في تمويل ودعم هذه العمليات قال ناكر لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شخصيات معروفة لدينا مثل عائشة ابنة القذافي (الموجودة حاليا في الجزائر) وأحمد قذاف الدم (ابن عم القذافي) والموجود في مصر، وهناك شخصيات أخرى تتظاهر بأنها مع الثورة لكنها تسعى للتخريب». وأضاف «معظم زمرة القذافي متجمعون في المغرب، وبعضهم يتصل بي شخصيا، ولديهم مجموعة في مصر وأخرى في سوريا، لكن بعضهم هرب».

وقال إن «بعض أتباع القذافي في سوريا مثل (يوسف) شاكير (أبرز مذيعي التلفزيون الليبي السابق) وغيره هربوا لأنهم شعروا بأن أيدينا باتت على وشك الوصول إليهم». وأضاف «لم نرسل مقاتلين أو ثوارا إلى الأراضي السورية لفعل ذلك، لكن لدينا علاقات مع الثوار في سوريا، وسلمنا لهم قائمة أشخاص معينين، وإذا وجدوهم سيعانون مصيرا أسود»، على حد قوله.

ودلل ناكر على خطورة من وصفهم بالطابور الخامس الذي لا يزال مواليا لنظام القذافي في الداخل، بتلقيه تقارير ومعلومات عن قيام مجموعة من هؤلاء برفع أعلام نظام القذافي في منطقة براك الشاطئ بالقرب من مدينة سبها جنوب لبلاد. وأضاف «للتو (أمس) وردتني هذه المعلومات بشأن خروج بعض أزلام النظام والخلايا النائمة في هذه المنطقة على متن عشرين سيارة وهم يرفعون أعلام المقبور، الآن نقوم بمطاردتهم ونسعى لاعتقالهم في أسرع وقت».

وقلل ناكر من أهمية تحذيرات المستشار عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، بشأن احتمال انزلاق البلاد إلى حرب أهلية وشيكة، وقال «لن نسمح بذلك، ربما المستشار هول الأمر بعض الشيء، أو أن لديه معلومات لا نملكها». واعتبر أن المشاكل التي تعطل عملية استيعاب الثوار في صفوف الجيش والشرطة هي مشاكل تنظيمية وإدارية فقط تتعلق بتسجيل الثوار والاستفادة منهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة الليبية.

من جهة أخرى، قال اللواء الركن يوسف المنقوش، أمس السبت، لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه باشر مهام عمله رئيسا لأركان الجيش الوطني الليبي، وذلك على الرغم من عدم تسلمه رسميا بعد قرار تعيينه في هذا المنصب.

وأصدر تجمع سرايا الثوار بمدينة بنغازي بيانا أكد فيه دعمه الكامل لتعيين المنقوش، معتبرا أن من شأن هذه الخطوة التسريع ببناء جيش وطني يكون قادرا على حماية الأراضي الليبية. كما أعلن منتسبو ركن الدفاع الجوي بالمنطقة الشرقية أن قرار تعيين المنقوش من شأنه أن يسهم أيضا في تكريس الأمن والاستقرار في الدولة الليبية الجديدة. وأكد المختار الجدال، عضو المجلس الانتقالي، أن قرار المجلس بتعيين المنقوش هو «قرار نهائي لا رجعة فيه»، مشيرا إلى أن معظم المجالس العسكرية بمختلف المناطق توافقت على ثلاثة أسماء كانت ضمن قائمة المرشحين، وهم حامد الحاسي وسالم جحا ويوسف المنقوش. وأضاف «أعضاء المجلس اختاروا بالأغلبية المنقوش لشغل هذا المنصب.. إنه شخصية وطنية نزيهة ومتخصصة».