الإعلام السوري يستعيد وعيه رغم القيود.. والصحافيون «الهدف الأول» لقوات النظام

ينشرون عبر منابر جديدة أكثرها على الإنترنت بديلا للصحف والقنوات الإخبارية المدعومة من الحكومة

TT

على مدى الأشهر التسعة الماضية منذ اندلاع الثورة، بذلت السلطات السورية جهودا كبيرة لإحكام السيطرة على الإعلام والرقابة على المراسلين الصحافيين والمدونين والمصورين الصحافيين واعتقالهم. ورغم الأخطار، فقد فتحت منابر جديدة لرواية قصص المظلومين على يد نظام بشار الأسد.

وتقدم المجلات والصحف، التي يصدر أكثرها في الخارج ويُنشر على الإنترنت، بديلا للصحف والقنوات الإخبارية الموجودة في سوريا، التي يحرص صحافيوها على عدم تجاوز الخطوط الحمراء مثل انتقاد الرئيس.

ويقول محللون إن هذه المنابر الإعلامية الجديدة تمثل تحولا كبيرا في البلاد. ويقول بيتر هارلينغ، مدير مشروع في دمشق في مجموعة الأزمات الدولية «لقد استيقظ المجتمع السوري الذي ظل يعتريه شعور بالفتور والجمود لفترة طويلة من الزمن خلال هذه الأزمة، حيث يثبت قدرته على الإبداع وإنتاج أدبياته الخاصة، ويتضح حس الدعابة لديه، ووجد 1001 طريقة لعرض الأخبار رغم القيود المفروضة على الإعلام».

ونشرت صحيفة «سوريا تريد الحرية» التي دشنت على شبكة الإنترنت منذ شهرين على يد نظير جندلي مقالين باللغة العربية عن الوجود الأمني للنظام في المدن ونشاط وفد جامعة الدول العربية، وكذلك رسوما كاريكاتيرية ساخرة ومناقشات في الأدب. ويتابع هذه الصحيفة قراء من داخل وخارج سوريا على حد قوله. وقال جندلي، البالغ من العمر 28 عاما والمقيم في المملكة العربية السعودية «لقد بدأنا هذا المشروع لتأسيس صحافة حرة في بلادنا ونشر الوعي حول ما يحدث خلال ثورتنا». وكان جندلي، مثل الكثيرين من الذين يعملون في الإصدارات الجديدة، ناشطا قبل أن يبدأ العمل في مجال الصحافة. وقدم مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يعملون صحافيين قبل الثورة أعمالهم من دون أن يكتبوا أسماءهم، ومن دون مقابل داخل سوريا، وأرسلوها عبر البريد الإلكتروني إلى زملائهم في دمشق.

وشارك بعض الصحافيين السوريين دون ذكر أسمائهم في إصدارات دولية قبل أن تندلع الثورة، لكن عددهم كان قليلا للغاية بفعل أكثر من أربعة عقود من الرقابة والقمع السياسي تحت قيادة بشار ووالده حافظ الأسد. وتزايد عدد المنابر الإعلامية حاليا، ومنها صحيفة «حريات» التي دشنها ناس يقدمون أنفسهم كصحافيين منذ الزخم الكبير المصاحب لحركة الاحتجاجات، ويرسلون موضوعات صحافية إلى رئيس تحرير في الخارج. ورئيس تحرير «حريات» الذي يقول إن اسمه كريم ليلى ويقيم في أوروبا من الناشطين. ويتضمن الإصدار تحليلا للمعارضة السياسية الفوضوية وتأملات شعرية حول الحياة منذ بدء الاحتجاجات. وجاء في بعض المقالات المترجمة إلى الإنجليزية في أحد أقسام الموقع الإلكتروني «لقد اشتعلت الثورة وتئن الأرض داخلها مع الأرواح الحرة». أسماء لا يعرفهم القراء، وربما لا يعرفهم المحررون كذلك، ونبرة الكثير من الإصدارات الجديدة مؤيدة للثورة أكثر مما هي محبطة.

وتأتي مع المجلات مدونات ومواقع إلكترونية جديدة تنشر مشاهد للمظاهرات وترصد أعداد القتلى.

وتزيد القيود التي فرضها النظام السوري على دخول الصحافيين الأجانب إلى البلاد من صعوبة التحقق من الأخبار في الإصدارات الجديدة وكذلك هوية المراسلين الصحافيين والمحررين. وتم منح تأشيرة الدخول لعدد محدود من الصحافيين الأجانب خلال العام الماضي، حتى بعد التوصل إلى اتفاق بوساطة جامعة الدول العربية يسمح لوسائل الإعلام العالمية بدخول البلاد. وقال شكيب الجابري، ناشط سوري مقيم في بيروت «لا يزال أمامنا الكثير للوصول إلى مستوى الاحتراف المطلوب، لكن المشهد في سوريا تغير». ورآه الجابري إنجازا مثيرا للنظر إلى المناخ العام الذي يتحرك فيه الصحافيون.

وتشغل سوريا المركز رقم 173 من بين 178 بحسب مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلين بلا حدود حتى قبل بدء التنكيل بالمتظاهرين. ويمثل الصحافيون الذين يوثقون الثورة الهدف الأول لقوات الأمن على حد قول محمد عبد الدايم، من لجنة حماية الصحافيين في نيويورك. وأوضح قائلا «إنهم يُختطفون من منازلهم ومن الشوارع أو أماكن عملهم ويمنعون من الاتصال بأي أحد». ورغم عدم اعتقال المشاركين في «سوريا تريد الحرية» و«حريات»، فإنه تم اعتقال كل العاملين في وسائل الإعلام الأخرى، ومن بينهم الذين كانوا يعملون مراسلين صحافيين قبل الثورة والمدونين مثل الناشطة رزان غزوي والأشخاص الذين لا ينظر إليهم كصحافيين بالمعنى التقليدي للكلمة، بل صوروا الاحتجاجات بهواتفهم المحمولة ونشروا الصور على الإنترنت. وقال عبد الدايم «لقد وثقنا 28 حالة من هذا النوع، حيث يتم اعتقالهم لأيام أو أسابيع أو شهور، وقد يتعرضون لانتهاكات وكثيرا ما يتم إطلاق سراحهم من دون توجيه أي اتهامات إليهم». في حالات أخرى أكثر وحشية، يتم اختطافهم وضربهم أو قتلهم، مثل علي فرزات، رسام الكاريكاتير والسياسي المخضرم، الذي تم إلقاء القبض عليه في أغسطس (آب) من قبل رجل ملثم وتم ضربه وكسر أصابعه. وتم القبض على فرزات جربان، وهو معارض آخر صور احتجاجات ونشرها على الإنترنت، في نوفمبر (تشرين الثاني) بالقرب من مدينة حمص المضطربة، وتم العثور على جثته منزوعة العينين في اليوم التالي.

وبسبب عدم تمكن جميع السوريين من الاتصال بشبكة الإنترنت، يقول المحررون في «سوريا تريد الحرية» و«حريات» إن زملاءهم داخل سوريا يطبعون سرا بضعة مئات من تلك الإصدارات ويوزعونها في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص. ويظهر في مقطع مصور نشره ليلى رئيس تحرير «حريات»، رجل ملثم يضع نسخا من الصحيفة في صناديق بريد في دمشق ويركض.

كان من المحال التأكد من رواية «ليلى» من مصدر مستقل، لكن قالت عبير كسوك ساسو، وهي مهندسة معمارية في لبنان وتدعم حركة الاحتجاجات، إنها اتصلت بليلى بعد قراءة تغريدته ووزعت نسخا من الصحيفة في اعتصام في العاصمة اللبنانية بيروت. وقالت «الثورة السورية صراع بين خطابات، والنظام لا يمثل سوى سيناريو واحد فقط... تدعم الصحف ووسائل الإعلام والتلفزيون الحكومي وجهة النظر التي يتبناها مؤيدو، الأسد وهي أن الدولة سوف تواجه حربا أهلية إذا سقط النظام، وأن ما تشهده البلاد من اضطرابات هو نتيجة مؤامرة خارجية». وأضافت «لذا من المهم أن يعبر الثوار عن رؤيتهم للأحداث».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»