جنود منشقون يفرون إلى لبنان وسط حقول الألغام وينفذون عمليات تحت جنح الليل

قالوا إن الانقسامات الطائفية تهيمن على القوات المسلحة السورية.. ودعوا إلى إقامة منطقة آمنة

جنود سوريون منشقون يتظاهرون في مدينة الرستن
TT

تحت جنح الظلام، وفي منزل مستأجر بالٍ في جبال لبنان الشمالية، تجمع عشرات من الرجال السوريين حول أحد المواقد التي تعمل بالخشب، بينما ألقت الشموع بضوئها الخافت على وجوههم المتعبة؛ حيث يدعي هؤلاء الرجال أنهم من الجنود المنشقين، الذين أجبروا على القيام بعمليات عسكرية ضد حركات الاحتجاج واسعة النطاق التي اندلعت في سوريا، قبل أن يفروا من الجيش، ويعبروا الحدود إلى الأمان النسبي الموجود في لبنان، لينضموا إلى جماعة «الجيش السوري الحر».

وعلى الرغم من أن جماعة «الجيش السوري الحر» من المعروف عنها أنها جماعة فضفاضة من المنشقين والمدنيين المسلحين، وأنها تضم الآلاف من الأعضاء وتقوم بنشر مقاطع فيديو عن الهجمات، التي تشنها على البنية التحتية العسكرية للجيش السوري، على موقع «فيس بوك» على شبكة الإنترنت، فإن هؤلاء الرجال الموجودين في شمال لبنان، وجميعهم من المسلمين السنة، قالوا إنهم يعيشون في الفقر والخفاء، وإن عددهم يبلغ بضع مئات على الأكثر، وإن لديهم عددا محدودا من الأسلحة، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرة «الجيش السوري الحر» على توجيه ضربات مؤثرة لقوات الأمن السورية المنظمة التي يقودها العلويون، والمسلحة تسليحا جيدا.

وقال أحد الرجال إنه كان جنديا من الدرجة الثانية في الجيش. وأضاف: «إن الأسلحة الموجودة لدينا هي الأسلحة التي كانت بحوزتنا عندما انشققنا، بالإضافة إلى الأشياء التي نسرقها من الجانب الآخر». وهم لا يتلقون أي مساعدة دولية؛ حيث لم يقم أي ملحق عسكري بزيارتهم، كما يقولون، على الرغم من استعدادهم لقبول أي أسلحة أو أموال أو إمدادات من أي شخص يعرض تقديمها لهم.

وقد دعم المجلس الوطني السوري، الذي يعتبر أبرز جماعة سياسية تدعو لسقوط الرئيس بشار الأسد، هؤلاء المنشقين على مضض؛ حيث أقر المجلس بدور جماعة «الجيش السوري الحر»، «المشرف في حماية ثورة الشعب الثوري السلمية» في بيان له الشهر الماضي.

لكنهم حصلوا على تأييد أكثر حماسا من المعارضين السوريين الآخرين، الذين يحملون لافتات مكتوبا عليها اسم الجماعة في المظاهرات ويهتفون لها، داعيا إياها إلى حماية المدنيين من قوات الأمن، آملين أن تمثل الجماعة يوما ما تهديدا حقيقيا للجيش السوري.

وقال أحد المنشقين إنه كان ضابطا برتبة ملازم ثان، كما تبين بطاقة الهوية العسكرية التي يحملها. وتابع: إن هناك نحو 500 جندي من المنشقين في شمال لبنان، وإنهم يعملون بالتعاون مع نحو 200 من الجنود الآخرين الموجودين على الجانب الآخر من الحدود، مضيفا أن الرجال يتناوبون على عبور الحدود إلى سوريا مشيا على الأقدام، مستخدمين طرق التهريب القديمة، التي تمر عبر حقول ألغام موضوعة حديثا.

وأضاف أنهم لا يحملون أسلحة معهم عبر الحدود؛ لأن ذلك سيزيد من مخاطر إعدامهم إذا تم القبض عليهم، لكنهم يجمعون الأسلحة من أفراد العائلات والعشائر على الجانب الآخر، ويقضون بضعة أيام أو أسابيع في سوريا؛ حيث يشاركون في الاحتجاجات التي تقام في بلدة تلكلخ والقرى المحيطة بها لتوفير بعض الحماية للمحتجين من الوجود المكثف لقوات الأمن.

وجميع الجنود الذين كانوا قد تجمعوا في الجبال اللبنانية كانوا من بلدة تلكلخ؛ حيث فروا جميعا إلى مسقط رأسهم عندما انشقوا، بعد أن كان قد تم نشرهم في أنحاء البلاد، لكنهم قالوا إنه لم ينضم للجماعة حتى الآن سوى عدد قليل نسبيا من الجنود؛ لأنهم ببساطة يخشون من العواقب.

وقد قال الرجال المنشقون إنهم قاموا بتعليق العمليات الهجومية على مدى الأسبوعين الماضيين بناء على أوامر من رؤسائهم؛ حيث كان فريق المراقبة التابع للجامعة العربية يقوم بزيارة لسوريا. وهم يتلقون أوامرهم من أحد الضباط الموفدين من قبل العقيد رياض الأسعد، الذي يقود الجماعة من جنوب تركيا.

كانت الزيارة التي قامت بها بعثة جامعة الدول العربية تهدف إلى الإشراف على تنفيذ الحكومة السورية للاتفاق الذي ينص على وضع حد لاستخدام القوة المميتة ضد الاحتجاجات، وسحب الجنود من المدن، وإطلاق سراح السجناء السياسيين.

لكن العقيد مالك الكردي، أحد مساعدي الأسعد، قال يوم الخميس: إن المنشقين سيصعدون من عملياتهم الآن؛ لأن السلطات السورية مستمرة في تنفيذ عملياتها العسكرية.

وقد أعرب الجنود في لبنان عن إحباطهم من عمل بعثة جامعة الدول العربية، مشيرين إلى أن الناشطين قد أفادوا بوقوع مئات من الأشخاص قتلى في الاشتباكات والاحتجاجات التي وقعت في مختلف أنحاء البلاد، على الرغم من وجود هؤلاء المراقبين.

وأضافوا أن الانقسامات الطائفية تهيمن على القوات المسلحة السورية؛ حيث إن جميع الجنود من السنة تجرى مراقبة عملهم عن كثب من قبل الجنود والميليشيات غير الرسمية، المعروفة باسم الشبيحة، التابعة لطائفة عائلة الرئيس العلوية، وأن هؤلاء العلويين هم من يعملون على ضمان تنفيذ الجنود للأوامر، التي تشمل استخدام الرصاص الحي في إطلاق النار على المتظاهرين.

وقد تطابقت شهادتهم تلك مع المعلومات التي وردت في أحد التقارير الذي صدر مؤخرا عن منظمة «هيومان رايتس ووتش»، ومقرها نيويورك، والذي احتوى على أكثر من 60 مقابلة مع مجموعات من المنشقين؛ حيث قدم التقرير أدلة مفصلة عن صدور أوامر عليا بإطلاق النار على المتظاهرين المدنيين العزل، وذلك وفقا لما ذكرته سارة ليا ويتسن، مديرة فرع المنظمة في الشرق الأوسط.

وقالت ويتسن، مشيرة إلى حادثة وقعت في منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب يوم 20 ديسمبر (كانون الأول)، التي أسفرت عن مصرع أكثر من 100 جندي كانوا قد حاولوا أن ينشقوا: «الجنود يرددون لنا دائما أنهم خائفون من العقاب، كما يوضح لي كل من الجنود والدبلوماسيين أن السبب وراء عدم حدوث انشقاقات هو حرص نظام الأسد على التأكد من عدم مغادرة أفراد أسرهم لسوريا»، والناس يخشون من تعرض أسرهم للأذى إذا فروا وتركوا مواقعهم.

وعلى الرغم من درجة الأمان النسبية التي يشعر بها الرجال الموجودون في لبنان، فإنهم يخشون من أن تقوم قوات الأمن اللبنانية بالقبض عليهم وترحيلهم؛ لذلك لا يقومون بأي تحرك إلا ليلا.

وأضافت ويتسن أنه خلافا للانتفاضة الليبية التي أطاحت مؤخرا بالعقيد معمر القذافي من السلطة؛ حيث انشقت أعداد كبيرة من القوات المسلحة وفرت إلى معقل المعارضة في بنغازي، فليس هناك منطقة آمنة مماثلة يستطيع الجنود السوريون الفرار إليها بسهولة.

وقد دعا كل من «الجيش السوري الحر» وبعض جماعات المعارضة السورية لإنشاء منطقة آمنة بشكل سريع، تحرسها قوة عسكرية دولية، على طول الحدود الشمالية بين سوريا وتركيا، كما قال الرجال الموجودون في شمال لبنان إن توافر مكان آمن يستطيع الجنود الذهاب إليه سيؤدي إلى انشقاق أجزاء كبيرة من الجيش.

* خدمة «واشنطن بوست»