الأسد يكرر نفسه في خطاب مطول.. ويتحدث عن جدلية «الإصلاح والمعارضة»

هاجم الجامعة العربية والعرب.. ووصف معارضيه بـ«الإرهابيين» والثورة بـ«المؤامرة» التي خطط لها في الغرف المظلمة

لاجئ سوري يتابع خطاب الأسد في مخيم الحسين للاجئين الفلسطينيين في عمان أمس (رويترز)
TT

في القاعة ذاتها التي سبق أن ألقى فيها الرئيس السوري بشار الأسد خطابه في الماضي، عاد ليلقي خطابه الذي انتظره السوريون عدة أشهر على أمل أن يحمل لهم جديدا بخصوص الأزمة في سوريا التي تزداد سوءا يوما بعد آخر، مع تهديدات جدية بقرب الانهيار اقتصادي. وأطل الأسد من مدرج جامعة دمشق وسط العاصمة السورية، وخلفه وضعت خريطة بأسماء المحافظات السورية، وتحدث بخطاب قارب عدد كلماته 8000 آلاف كلمة، تلاها في مدة زمنية بلغت الساعة وخمسا وأربعين دقيقة، نام خلال عدد من الحضور في القاعة وظهر على شاشات البث المباشر من يتثاءب؛ إذ إن الحضور ملزمون بالبقاء في القاعة وغالبيتهم من القيادات الحزبية وأعضاء الحكومة، الذين حاولوا كبح جماح التصفيق لأنه، وبحسب معلومات مصادر مطلعة، كان هناك توجيه بتقنين التصفيق. في حين أن جمهور المستمعين في المنازل انصرفوا إلى ممارسة أعمالهم بعد نصف ساعة من بدء خطاب تمنوا أن يأتي مخالفا لتوقعاتهم ويحمل لهم المختصر المفيد عما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، وعما ينوي نظام الأسد فعله لتجنيب البلاد الانزلاق إلى الهاوية.

إلا أن الخطاب جاء أقرب إلى «شرح فلسفي مطول لقضايا تفصيلية مملة» بحسب غالبية المتابعين من السوريين، الذين رأوا أنه كان «موجها لمؤيدي النظام وشد عزيمتهم، لا سيما أن دعوات كثيرة روجها الإعلام المحلي عن مطالبتهم الأسد بارتداء البزة العسكرية والضرب بيد من حديد». وقد أكد الأسد، الذي نفى صفة الثورية عن مناهضيه من المتظاهرين ووصفهم بالإرهابيين والمخربين، أن الأولوية لاستعادة الأمان وضرب الإرهابيين بيد من حديد، وأنه لن يتهاون مع من يستخدم السلاح.

وأكد أن «الأولوية القصوى الآن والتي لا تدانيها أي أولوية هي استعادة الأمن».. وهذا لا يتحقق «إلا بضرب الإرهابيين القتلة بيد من حديد، فلا مهادنة مع الإرهاب، ولا تهاون مع من يستخدم السلاح الآثم لإثارة البلبلة والانقسام، ولا تساهل مع من يروع الآمنين، ولا تسوية مع من يتواطأ مع الأجنبي ضد وطنه وشعبه».

إضافة إلى ذلك، كرر الأسد ما ورد في خطابه السابق حول الإجراءات الإصلاحية التي يقوم بها، مع شن هجوم عنيف على من يعتبرهم متآمرين على سوريا، وحاول ضبط حركات جسده اللاإرادية، مع ظهور حركات جديدة كالتلويح بذراعين مفتوحين وكأنه يقوم بمسح سطح أمامه، مع ضبط ضحكاته وابتساماته أثناء الهجوم والتهكم، على العرب والجامعة العربية التي نزع عنها صفة العروبة ووصفها بالتحول إلى «مستعربة» في حال جمدت عضوية سوريا. وقال إنها «فشلت خلال أكثر من ستة عقود في إنجاز موقف يصب في المصلحة العربية» واتهمها بأنها «ساهمت بشكل مباشر في زرع بذور الفتنة والفرقة» كما اتهم بعض الدول العربية بالتآمر على سوريا.

وحاول الأسد شق صفوف المعارضة بالقول إن منهم من يتحاور سرا مع النظام، مؤكدا على أنه لن يتخلى عن السلطة، قائلا لمن يريد ذلك «خسئتم؛ لست أنا من يتخلى عن مسؤولياته». ولم يتحدث الأسد عن الوضع الداخلي إلا بعد أن استهلك من الوقت نحو الساعة كان خلالها يقدم تحليلات فكرية فلسفية لمفاهيم العروبة، والوطنية، وحين وصل إلى الشأن الداخلي، قال: «يجب أن توضع بعض تعاريف قبل الدخول في التفاصيل»، ليدخل في شرح جدلية العلاقة بين الأزمة والإصلاح، متجنبا الخوض في تفاصيل الحديث عن القتلى الذين يسقطون يوميا والمعتقلين في السجون والوضع المعيشي المتردي للناس.

واتهم الأسد أطرافا إقليمية ودولية بالتآمر على سوريا، وقال: «الآن فقد انقشع الضباب ولم يعد بالإمكان تزوير الوقائع والأحداث من قبل الأطراف الإقليمية والدولية التي أرادت زعزعة استقرار سوريا». وتحدث عن وجود حملة إعلامية لـ«دفع السوريين نحو الوهم ومن ثم السقوط» حيث إن هناك المئات من وسائل الإعلام.. كان هدفها أن «يدفعونا باتجاه حالة من الانهيار الذاتي كي يوفروا على أنفسهم الكثير من المعارك، وفشلوا في هذا الموضوع، ولكنهم لم ييأسوا».

واعتبر مقابلته مع قناة «سي بي إس» الأميركية نموذجا للفبركة، ونفى ما جاء فيها وقال: «من الصعب لأي شخص أن يصدق عملية الفبركة المتقنة التي قاموا بها»، ووضع المقابلة ضمن المؤامرة على سوريا، وقال إنه وبعد الفشل في خلق الانهيار على مستوى سوريا؛ «أرادوا أن يصلوا إلى رأس الهرم في الدولة لكي يقولوا للمواطنين وطبعا ليقولوا للغرب.. إن هذا الشخص يعيش في قوقعة لا يعرف ما الذي يحصل».

وأضاف أن «المحاولات مستمرة لا تنتهي.. مرة الرئيس سافر، ومرة هاجر، وهذا الكلام الذي تعرفونه يعني بما معناه: الرئيس يتخلى عن المسؤولية، وهذا ما يحاولون تسويقه.. نقول لهم: خسئتم؛ لست أنا من يتخلى عن مسؤولياته.. ليس له قيمة هو مجرد أداة، ومن يسع إلى منصب لا يحترم»، وأكد: «أكون في هذا الموقع بدعم من الشعب، وعندما أترك هذا الموقع يكون أيضا برغبة من هذا الشعب وهذا الموضوع محسوم».

وردا على مطالب السماح للإعلام بالدخول إلى سوريا، قال الأسد: «أخذنا قرارا بأن لا نغلق الباب، ولكن أن تكون هناك انتقائية في دخول الإعلام؛ على الأقل لنضبط نوعية المعلومات أو نوعية التزوير الذي يخرج خارج الحدود». وأكد الأسد أن «الانتصار قريب جدا» في هذه المعركة التي تنطوي على «مخاطر كبيرة وتحديات مصيرية».

وهاجم الأسد الدور العربي وأسف لأن الخارج لم يعد يعني الأجنبي وإنما أصبح «مزيجا من الأجنبي والعربي.. وفي كثير من الحالات يكون هذا الجزء العربي أكثر عداء وسوءا»، وقال: «الغريب أن بعض المسؤولين العرب معنا في القلب وضدنا في السياسة»، واعتبر المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا «منصة عربية.. للانطلاق منها نحو مجلس الأمن».

وكشف الأسد أنه هو من «طرح المبادرة وموضوع المراقبين» في لقائه مع وفد الجامعة العربية منذ عدة أشهر، وقال إنه أبلغهم: «نحن لا نريد أكثر من معرفة الحقيقة كما هي، فالأحرى بالعرب أن يرسلوا وفدا لكي يطلع على ما يحصل في سوريا»، وأضاف: «طبعا لم يكن هناك أي اهتمام بهذا الطرح الذي طرحته سوريا، وفجأة بعد عدة أشهر نرى أن هذا الموضوع أصبح هو محل اهتمام عالمي»، ووضع الأسد الاهتمام المتأخر في إطار «مخطط بدأ من الخارج تحت هذا العنوان». وتهكم الأسد على نصح الدول العربية، وقال: «لو أردنا أن نتبع هذه الدول التي تعطينا نصائح فعلينا أن نعود باتجاه الخلف على الأقل قرنا ونصف القرن»، ووصف الدول العربية التي تقدم نصائح لسوريا بأنهم مثل «الطبيب المدخن الذي ينصح المريض بترك السيجارة وهو يضعها في فمه». وعتب الأسد على مؤيديه من السوريين الذي غضبوا من مواقف الجامعة العربية وقال لهم: «أنا لم أغضب.. لماذا أغضب من شخص لا يمتلك قراره»، معتبرا «الجامعة العربية هي مجرد انعكاس للوضع العربي»، وقال إنها «فشلت خلال أكثر من ستة عقود في إنجاز موقف يصب في المصلحة العربية»، واتهمها بأنها «ساهمت بشكل مباشر في زرع بذور الفتنة والفرقة»، وأضاف: «إذا كانت بعض الدول تسعى لتعليق عروبتنا في الجامعة، فنحن نقول.. إنهم يعلقون عروبة الجامعة ولا يستطيعون تعليق عروبة سوريا.. فالجامعة بلا سوريا تصبح عروبتها معلقة»، ولن تكون «لا جامعة ولا عربية وإنما ستكون جامعة مستعربة».

وبعد نحو ساعة من بدء الخطاب وصل الأسد إلى طرح الشأن الداخلي الذي كان ينتظر الكثيرون سماع ما سيقوله بهذا الخصوص، حيث قال الأسد حول الإصلاح إنه اليوم يوجد جانبان في الإصلاح الداخلي؛ الأول هو «الإصلاح السياسي، والجانب الآخر هو مكافحة الإرهاب الذي انتشر بشكل كبير مؤخرا في مناطق مختلفة من سوريا». وقال حول المحور الآخر في الإصلاح المتعلق بالدستور، إن لجنة إعداد الدستور «أصبحت في المراحل الأخيرة، وهذا الدستور سيركز على نقطة أساسية جوهرية هي التعددية الحزبية والسياسية»، ووعد الأسد بأن يكون هناك «استفتاء شعبي على الدستور» بعد أن تنهي اللجنة أعمالها في بداية شهر مارس المقبل.

وحول مشاركة المعارضة في الحكومة، أعرب الأسد عن ترحيبه بمشاركة «كل القوى السياسية، وفي الواقع قمنا ببدء الحوار مؤخرا»، قبل أن يشن هجوما عنيفا على المعارضة لدى طرحه سؤال: «من هي المعارضة؟»، وقال: «لا نريد معارضة تجلس في السفارات أو معارضة تأخذ المؤشرات من الخارج؛ حيث يقولون لها: الآن لا تحاوروا الدولة، يعني أن الموضوع منته.. الانهيار بقي له بضعة أسابيع.. أجلوا الحوار الآن. نحن لا نريد معارضة تجلس معنا وتبتزنا تحت عنوان الأزمة لتحقق مطالب شخصية، ولا نريد معارضة تحاورنا بالسر كي لا تغضب أحدا، ويقولون لنا نحاوركم لكن بالسر».