في عراق ما بعد صدام.. رتب وترقيات عسكرية عشوائية حتى لضباط لا يعرفون القراءة والكتابة

عضو في لجنة الدفاع البرلمانية لـ «الشرق الأوسط»: إنه لأمر محزن

TT

تلخص الرتب العسكرية للجيش العراقي أحد أوجه مأساة هذه المؤسسة التي بقدر ما تعد واحدة من أهم المؤسسات التي يحتفظ لها العراقيون بتاريخ حافل منذ تأسيس أول فوج عسكري عراقي في السادس من يناير (كانون الثاني) من عام 1921، فإنها من جانب آخر دخلت في حيز الجدل والنقاش أولا لجهة تدخل الجيش في شكل الحكم والنظام من خلال أول انقلاب عسكري في المنطقة قاده الفريق بكر صدقي عام 1936 أو ركوب العرفاء موجة الرتب العليا (حسين كامل وعلي الكيماوي على عهد صدام حسين) وأخيرا ضباط ما عرف بـ«الدمج» بعد سقوط النظام السابق عام 2003.

قديما قيل إذا أردت أن تصبح ملكا فكن ضابطا في الجيش العراقي؛ ذلك أن أبناء هذه المؤسسة كانوا يمتلكون في كل الأزمنة والعهود بامتيازات لا يحظى بهم سواهم. الأمر نفسه انطبق على الواقع الاجتماعي العراقي؛ حيث إنه وطبقا لمخزون الذاكرة الشعبية العراقية، فإن الفتاة العراقية التي تريد أن تتزوج فإنها تفضل الضابط على سواه من أصحاب أية مهنة أخرى حتى راجت المقولة الشهيرة: «لو مُلازم أو مَلازم (ما لازم)» الأولى بضم الميم وتعني الضابط الشاب برتبة ملازم وهي الرتبة الأولى في سلسلة الرتب العسكرية التي تنتهي بـ«المهيب» على عهد صدام و«الفريق أول» فيما بات يسمى «العراق الجديد»، بينما الثانية بفتح الميم وتعني لا حاجة للفتاة للزواج ما لم تتزوج ضابطا.

طوال تاريخه الذي امتد 91 عاما كان الجيش العراقي نموذجا للمؤسسة ذات الاحتراف العالي. وكانت آخر وجبة من ضباطه الكبار ممن لعبوا دورا في الحياة السياسية العراقية هم «الضباط الأحرار» الذين أطاحوا الملكية في 14 يوليو (تموز) عام 1958 التي قادها «الزعيم» عبد الكريم قاسم. وبدأت في الواقع قصة الرتب والترقيات من هذه الرتبة التي ظل يحملها قاسم على الرغم من تدرجه بالرتب العسكرية ذلك أن زعيم كانت تعني «عميد». لكن قاسم تدرج بصورة طبيعية كأي ضابط تمر عليه 4 سنوات دون عقوبة كما ينص قانون الترقيات العسكري وأصبح برتبة «لواء» ومن ثم «فريق» لكنه ظل يسمى في أذهان الناس وحتى في المخاطبات الرسمية تسمية «الزعيم». خلفه في السلطة العقيد الركن عبد السلام عارف الذي أصبح برتبة مشير وهي أعلى رتبة آنذاك في الجيش العراقي. بعد عام 1968 حيث قام البعث بانقلابه الثاني في السابع عشر من يوليو (تموز) من ذلك العام، رفض أحمد حسن البكر رتبة المشير التي كان يحملها عارف واستبدل بها رتبة المهيب. صدام حسين المدني الذي منح أول مرة رتبة فريق أول ركن حمل رتبة المهيب الركن حتى القبض عليه من قبل الجيش الأميركي.

بعد سقوط النظام، تغيرت الأولويات حتى في الجيش الذي حله الحاكم المدني بريمر وبدأت الرتب والترقيات تمنح عشوائيا حتى لضباط لا يعرفون القراءة والكتابة مثلما أبلغ «الشرق الأوسط» القيادي في القائمة العراقية وعضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية الذي يحمل رتبة لواء في الجيش السابق حامد المطلك. المطلك أضاف وتعليقا على صدور جدول الترقيات الجديد الذي منح بموجبه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة بعض الضباط رتبا أعلى نظرا لقيامهم بـ«بطولات»، قائلا إنه «من المؤسف أن يصل الأمر إلى هذا الحد من الاستهانة بالمؤسسة العسكرية حيث تمنح الرتب لأغراض كيفية لا علاقة لها بالتدرج العسكري». وأضاف أن «منح ضباط لم يقوموا بأية بطولات معروفة واستبعاد ضباط آخرين يتمتعون بالكفاءة أمر محزن حقا ولا ينم عن دراية». وحول المطالبة بإلغاء الرتب التي منحها الأميركيون لبعض الضباط، قال المطلك إن «الأصول تقتضي أن يتم طرد هؤلاء ولا أن يكتفى بتجريدهم من هذه الرتب، فهؤلاء أعوان المحتل ويفترض أن لا يكون لهم مكان في الجيش العراقي».