أوروبا تقدم موعد فرض العقوبات على النفط الإيراني

روسيا قلقة إزاء بدء تخصيب اليورانيوم في فوردو

TT

بينما قرر وزراء الخارجية الأوروبيون تقديم موعد اجتماعهم المقبل في بروكسل إلى الثالث والعشرين من الشهر الجاري، حيث سينظرون بشكل رئيسي في العقوبات الجديدة التي سيفرضونها على إيران، قالت مصادر فرنسية رسمية إن ما سيقرره الأوروبيون «سينقل العقوبات بشقيها النفطي والمالي إلى مرحلة جديدة لا سابق لها في الضغط على طهران».

وفي لقاء مع مجموعة من الصحافيين، قالت هذه المصادر إن الخبراء الأوروبيين «ما زالوا يعملون على هذه العقوبات وتفاصيلها بشقيها»، وذلك من أجل التغلب على «المعوقات» الواجب حلها قبل إقرارها نهائيا وبدء العمل بتنفيذها. ولا تحتاج العقوبات الجديدة لموافقة القادة الأوروبيين في قمتهم المقبلة نهاية الشهر الجاري، لأنهم سبق لهم أن أقروا ذلك في قمة سابقة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وكشفت المصادر الفرنسية عن أن ما يجري بحثه حاليا في موضوع العقوبات النفطية يتناول تاريخ البدء بهذه العقوبات من جهة، و«الإعفاءات» أو «المهل» التي تطالب بها بعض الدول ذات العلاقات النفطية الوثيقة مع طهران، وأخصها اليونان ثم إيطاليا وإسبانيا. وتريد فرنسا أن تتوصل إلى «تفاهم» مع بريطانيا وألمانيا، ما يمكن هذه المجموعة لاحقا من حمل الدول الأخرى على الموافقة على ما تكون قد توصلت إليه، من غير أن يعني ذلك «تفردا» بالقرار أو محاولة للضغط على البلدان الأوروبية. ويجمع بين الدول الثلاث أنها تنتمي إلى مجموعة 5 زائد واحد «الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا» التي تتفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي.

ومن جانب آخر، تسعى الدول الغربية جاهدة لتوفير مصادر نفط بديلة عن النفط الإيراني. وبحسب هذه المصادر، فإن توفير كميات الخام المطلوبة «لا يعتبر مشكلة عويصة على الحل» بالنظر لفائض الإنتاج المتوفر لدى الدول الخليجية، ولاستعدادها للتعويض عن النقص، لكن المشكلة قد تكون «في نوعية الخامات وفي شروط الحصول عليها». وترغب المجموعة في بدء العمل بحظر استيراد النفط الإيراني بعد شهرين من إقرار العقوبات، أي في الأول من أبريل (نيسان).

أما موضوع العقوبات المالية التي تهدف إلى تجميد ودائع البنك المركزي الإيراني في المؤسسات والمصارف الأوروبية فيبدو أكثر تعقيدا. وكشفت المصادر الفرنسية عن أن ثمة «مقاربتين» لهذه العقوبات: أولاها اقتصادية وتركز على الضرر الذي سينتج على العمليات التجارية الإيرانية وعلاقة الاقتصاد الإيراني بالخارج، غير أن دولا أخرى تنظر إلى هذه العقوبات من الزاوية السياسية، إذ ترى فيها تعرضا «سياسيا» لإيران ونوعا من القطيعة معها، بينما الغرض من العقوبات الإضافية هو حملها على العودة إلى طاولة المفاوضات.

غير أن الأهم في التطور النووي الإيراني لجهة البدء في تخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو القريب من قم، وفق ما تقوله المصادر الفرنسية، يكمن في أنه يظهر عزم إيران على الاستمرار في برنامجها النووي وحمايته مهما كانت الظروف، أي على الرغم من عمل عسكري قد يحصل ضدها، ويعكس رغبتها بالسير فيه حتى النهاية.

وتبدو المصادر الفرنسية «متحيرة» إزاء تصريح وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، يوم الأحد الماضي، حيث اعتبر أن الخط الأحمر بالنسبة لواشنطن هو أن تصنع إيران القنبلة النووية، وهو ليس حالها في الوقت الحاضر، ولكنها بالمقابل تعمل على امتلاك القدرات النووية. والمضمر في كلام المسؤول الأميركي، وفق المصادر الفرنسية، أن واشنطن عمدت إلى نقل الخط الأحمر خطوة إلى الوراء، بحيث يفهم أن طهران يمكنها الاستمرار بالتخصيب وببرنامجها النووي طالما أنها لم تبدأ في تطوير القنبلة النووية. ويبدو موقف باريس أكثر تشددا في هذا المجال، حيث تؤكد، على لسان وزير خارجيتها ألان جوبيه، أن طهران تعمل على تطوير السلاح النووي، وهذا «أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه». وتقول المصادر الفرنسية إن توصل طهران إلى إنتاج هذه النوعية من اليورانيوم المخصب يعني «أنها اجتازت 90 في المائة من الطريق الضروري لإنتاج اليورانيوم المنقى بنسبة 90 في المائة» والضروري لإنتاج السلاح النووي.

ولا تبدي المصادر الفرنسية تخوفا من التهديدات الإيرانية الخاصة بإغلاق مضيق هرمز في حال فرض حظر على صادرات إيران النفطية. وقالت المصادر الفرنسية الرسمية وثيقة الصلة بالملف الإيراني، إن هذه التهديدات أقرب إلى «المزايدات الكلامية أكثر منها تهديدات حقيقة بإغلاق المضيق». وتعترف باريس بقدرة القوات الإيرانية المختلفة على «الإزعاج»، غير أنها بالمقابل لا ترجح لجوء إيران إلى هذا الخيار لأنه يعني إصابة الاقتصاد الإيراني بالدرجة الأولى، فضلا عن ردود الفعل التي سيثيرها إجراء عسكري كهذا. وفي أي حال، تحذر مصادر دبلوماسية أخرى في العاصمة الفرنسية من أن قيام إيران بإغلاق المضيق «سيعطي الغربيين حجة شرعية لضرب إيران لمعاودة فتح المضيق رسميا، ولكن ستستفيد من المناسبة لضرب البرنامج النووي الإيراني».

وتتمسك الدول الغربية بالعقوبات على إيران التي ترى أنها «فاعلة»، وبالتالي من شأنها تفادي الوصول إلى حالة يعمد فيها هذا الفريق أو ذاك (في إشارة إلى إسرائيل أو إلى الولايات المتحدة الأميركية)، إلى اللجوء إلى الخيار العسكري. وبأي حال، ترى هذه المصادر أن جل ما يمكن أن تحققه ضربة عسكرية هو «تأخير» البرنامج الإيراني وليس القضاء عليه. ومن مظاهر نجاح العقوبات أن البرنامج النووي الإيراني يعاني من التأخير، إذ إن إيران أعلنت أنها ستنصب 50 ألف طاردة مركزية، بينما لا تتمتع حاليا إلا بـ8 آلاف منها. واقتصاديا، تراجع الإنتاج النفطي الإيراني إلى 3.5 مليون برميل في حين ضرب التضخم أرقاما قياسية والعملة الإيرانية تراجعت بنسبة الثلث.

ونددت باريس بالمراوغة الإيرانية في موضوع المحادثات التي يستمر الإيرانيون في تسخيرها لكسب الوقت وإتاهتها في مواضيع لا تمت مباشرة للملف النووي ولواجبات إيران إزاء الوكالة الدولية والتزامها قرارات مجلس الأمن الدولي.

وفي بيان صدر ليل الاثنين/ الثلاثاء، أدانت باريس «بأقصى الشدة» بدء التخصيب في موقع فوردو، معتبرة إياه «انتهاكا إضافيا وبالغ الخطورة» للقانون الدولي وللقرارات الستة الصادرة عن مجلس الأمن والقرارات الـ11 الصادرة عن مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا. وذكرت باريس بقرار الوكالة الصادر في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الذي دعا طهران للدخول في «حوار بناء» مع الوكالة، وبالرسالة التي وجهتها وزيرة الشؤون الخارجية الأوروبية، كاثرين آشتون، إلى القادة الإيرانيين في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي بقيت من غير رد حتى الآن.

وأعربت وزارة الخارجية الروسية عن قلقها، الثلاثاء، إزاء بدء إيران إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في موقع فوردو المحصن، كما أفادت وكالة أنباء «إيتار تاس».

ونقلت الوكالة عن وزارة الخارجية أن «موسكو تلقت، بأسف وقلق، نبأ بدء أنشطة تخصيب اليورانيوم في منشأة إيرانية قريبة من قم».

ويرى خبراء أن إعلان إيران عن بدء برنامج لإنتاج اليورانيوم المخصب في موقع فوردو يؤجج المخاوف من الأهداف العسكرية لبرنامجها النووي، ويدعون إلى مواصلة الضغوط عليها.

وعلى الرغم من إعلان الوكالة الذرية أن «كل المواد النووية في المنشأة لا تزال تحت إشراف الوكالة»، وأن إيران أعلنت منذ العام الفائت عزمها زيادة التخصيب في الموقع.

* تعيين سفير إيراني جديد في باريس

* من المنتظر أن يعود علي آهاني، السفير الإيراني السابق لدى فرنسا إلى باريس مجددا بعد أن عينته الحكومة الإيرانية في هذا المنصب خلفا للسفير السابق مير أبو طالبي الذي عاد إلى طهران.

ويعد آهاني الذي سبق له أن شغل هذا المنصب حتى عام 2008 من أكثر الدبلوماسيين الإيرانيين حنكة.

ويجيد آهاني الذي عمل سفيرا في بروكسل وروما اللغة الفرنسية بطلاقة، كما أنه يفضل التواصل مع الصحافة بعكس السفير السابق الذي كان يتحاشاها.

وسيصل آهاني إلى العاصمة الفرنسية بعد أن عاد السفير الفرنسي برونو فوشيه إلى طهران الأسبوع الماضي عقب استدعائه للتشاور بعد الاعتداء الذي تعرضت له السفارة البريطانية في العاصمة الإيرانية.

وتتميز العلاقات بين باريس وطهران بالتوتر المتواصل بسبب المواقف المتشددة لباريس من الملف النووي الإيراني.

وخلال المدة التي قضاها آهاني في الإدارة المركزية، فإنه شغل منصب مدير دائرة أوروبا الغربية وأميركا، كما أنه شارك في المفاوضات النووية بين طهران ومجموعة الست (5 +1). وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الاتصالات مع إيران وتحديدا بين كاثرين أشتون ووزير الخارجية الإيراني لم تفضِ بعد إلى تحديد موعد لجلسة مفاوضات جديدة بسبب الاختلاف حول ما يجب أن يناقش في هذه الجلسات.