مستشار اقتصادي سوري: القطاعات الاقتصادية في سوريا تعاني من عجز مخيف بسبب الأداء الأمني لإدارة الأزمة

أسامة القاضي لـ«الشرق الأوسط»: تعامل النظام الشرس مع السوريين في أريافهم ضرب معظم الموسم الزراعي

جانب من تشييع اثنين من ضحايا الانتفاضة السورية في دوما أمس وأسامة القاضي
TT

اعتبر الدكتور أسامة القاضي عضو المجلس الوطني السوري بتركيا، ورئيس المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، أن الاقتصاد السوري يمر بأيام عجاف تاريخية، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن عجلة التنمية الاقتصادية قد توقفت منذ بداية الثورة، والقطاعات الاقتصادية تعاني من عجز مخيف بسبب الأداء الأمني لإدارة الأزمة، فقد أصيب القطاع الزراعي بعطب هائل لأن الثورة اشتعلت في معظم المناطق الريفية المهملة إداريا على مدى عقود، والتي لم يكن لها سوى حصة لا تذكر من أي تنمية اقتصادية سابقة، وهذا ببساطة معناه ضرب العمق الغذائي المحلي وإحراق معظم السلة سوريا الغذائية.

وأكد القاضي أن الثورة طالت الحسكة «وفيها 1.2 مليون هكتار أراضي مزروعة فعليا، و597 ألف هكتار في الرقة، وريف حلب كله مشتعل وفيه 1.1 مليون هكتار، وإدلب فيها 356 ألف هكتار وهي مشتعلة عن بكرة أبيها، ناهيك عن 304 آلاف هكتار في حمص، و403 آلاف هكتار من حماه، ودرعا 165 ألف هكتار، والدبابات منتشرة في كل الأراضي المزروعة فعليا التي ذكرنا، ومعظم الفلاحين الثائرين مضربون عن إعطاء محاصيلهم للحكومة وبعضهم أضرب عن الزراعة فضلا عن اعتقال وقتل معظم الفلاحين الثائرين وحرق النظام لمحاصيلهم، وتدمير كل وسائط نقلهم وحتى الدراجات النارية، وقتل دوابهم، نكاية بهم لأنهم ثاروا من أجل حريتهم، إذن ماذا بقي من القطاع الزراعي؟ هذا معناه أن التعامل الشرس مع السوريين في أريافهم ضرب معظم الموسم الزراعي، الذي يصعب زرعه وحصده فضلا عن نقله وهناك عشرات الحواجز الأمنية بين المحافظات، إذن فإن النظام السوري سيصيب بالعطب معظم الإنتاج الزراعي بقيمة نحو 9 مليارات دولار (468 مليار ليرة سوريا حسب أرقام 2010) وكذلك أكثر من 5 مليارات دولار إنتاج حيواني».

كما بين أسامة القاضي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن القطاع الصناعي أيضا «في أسوأ حال فالقطاع العام كان خاسرا قبل الثورة حيث كانت هناك أكثر من خمسين صناعة قد تراجع إنتاجها ما بين 2005 - 2010، والقطاع النفطي كان قد هبط من 800 ألف برميل إلى حدود 320 ألف برميل يستهلك منها السوريون نحو 200 - 220 ألفا وتصدير النفط يعاني من إشكاليات الحصار، والقطاع الصناعي الخاص كان في بداية انتعاشه قبل الثورة ولكن مع العقوبات الاقتصادية العربية، والدولية، والأداء السياسي البائس والذي كان آخره (محو أوروبا من الخارطة) على يد وزير الخارجية، أصبح معها الجو الصناعي والاستثماري عموما بالغ التنفير، وكان القطاع الأكثر ازدهارا قبل الثورة هو السياحة ولكن مع اندلاع الثورة فإن السياحة هبطت لمستويات مخيفة وتقدر بأكثر من 95 في المائة، وهذا يعني تسريح أكثر من 900 ألف عامل يعملون في مجال السياحة والمطاعم». واعتبر القاضي العقوبات الاقتصادية العربية التاريخية على سوريا قصمت ظهر الاقتصاد السوري لأنها ستشمل أكثر من ملياري دولار مما تستورده سوريا من الدول العربية، «اللهم إلا الغذاء والدواء، وكذلك 74 مليون دولار إدخال مؤقت، ومنع ما قيمته نحو 5 مليارات دولار من الصادرات السورية أن تغادر عبر الأراضي التركية والعربية إضافة لنحو 274 مليون دولار إعادة تصدير».

وفسر المستشار الاقتصادي: «بمعنى أن النشاطات الصناعية والزراعية والتجارية داخل سوريا المعتمدة على التصدير ستتعطل بشكل شبه كلي، وستحرم سوريا القطع الأجنبي الممكن تحصيله من جراء تصدير المنتجات السورية، وهذا سينعكس على ارتفاع معدل البطالة في سوريا، وسيرفع أسعار المنتجات المستوردة من الخارج بسبب شحها في السوق السورية، فضلا عن أن تكلفة دعم الليرة السورية ستزيد بشكل أكبر مما يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية». مؤكدا أن «1.7 مليار دولار حجم تجارة سوريا مع تركيا ستصاب بشبه الشلل التام، ولو أضفنا ذلك إلى منع 2.7 مليار دولار صادرات المنتجات السورية، و3.1 مليار دولار مستوردات من أوروبا لتبين لنا حجم الكارثة الاقتصادية القادمة إلى سوريا».

وبين القاضي أنه ومع العقوبات التي فرضت على سوريا كان من المفترض أن يتنحى الأسد وقال «لا يوجد حكومة وطنية و(مدنية) تحترم شعبها في العالم، وتخاف على مواطنيها يمكن أن تستمر مع هذه العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، ولكن في الحالة السورية العقوبات الاقتصادية والضغوط المالية شرط لازم ولكن غير كاف للأسف، لأننا مع نظام عسكري ولا يأبه لو مات نصف الشعب جوعا وتشردت مدن كاملة، فالأزمات الاقتصادية تسقط حكومات (مدنية) فشرط المدنية ضروري فضلا عن الوطنية، ولكنها لا تسقط حكومات عسكرية ولكن تساعد على سقوطها، للأسف هكذا أنظمة وصلت لهذا الحد من الاستهانة بدماء وأرواح شعبها البريء لأنه يطالب الحرية والديمقراطية لا تسقط إلا عسكريا وتأتي الثورة السلمية والعقوبات الاقتصادية لتساهم في إسقاطه. لقد وعى الشعب هذا منذ وقت مبكر، لذلك طلب حظر جوي، ومنطقة عازلة، لا بل طلب تدخل أمم الأرض لإنقاذ أرواح ما تبقى من أبنائه، والمحزن تأخر العالم عن إغاثة هؤلاء الأحرار».

وعن عمل المعارضة في مجال الاقتصاد وتحقيق ضغوط عبره قال الدكتور أسامة القاضي في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني إن المجلس الوطني يقوم منذ شهور بالتواصل مع رجال الأعمال السوريين في الداخل والخارج لتقديم وشرح الخطاب الاقتصادي للثورة وأكد من أجل طمأنة رجال الأعمال والصناعيين والتجار في سوريا أن الثورة تعرف ماذا تريد ولديها الخبرات والطاقات لتنهض بسوريا بعد سقوط النظام، إضافة إلى طمأنة القوة العاملة السورية لوجود برامج كثيرة لرفع سويتهم المعاشية وكفاءاتهم المهنية، ووجود مشاريع إصلاحية حقيقية بعيدة عن الفساد والإهمال الإداري الذي كان سائدا في ظل حكم حزب البعث على مدى خمسة عقود، كما قام المجلس باقتراح أسماء لأفراد فاسدين وأياديهم ملطخة بدماء السوريين البريئة من أجل إدراجهم على لائحة العقوبات العربية والعالمية (نحو 276 اسما) كذلك أسماء شركات أصحابها من كبار الفاسدين في سوريا، وطلب تجميد أعمال البنوك العربية في سوريا حتى يسقط النظام الحالي، كما تواصل مع الشركات التي تعمل داخل سوريا للتوقف عن العمل داخل سوريا واستكمال أعمالهم مباشرة بعد الثورة، وأرسل المجلس خطابات اقتصادية تطمئن الشارع السوري، كما نعكف الآن على دراسة مستقبل السياسات الاقتصادية في سوريا بعد الثورة من خلال أوراق عمل اقتصادية بالتعاون مع المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية.

وقال القاضي وهو أيضا صاحب دراسة استشرافية مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بعنوان «استشراف مستقبل سوريا 2025»، عن الوضع المالي في سوريا إن «الاحتياطيات النقدية التي كانت قبل عشرة شهور 17 مليار دولار، لا أعتقد أنه بقي منها أكثر من 8 مليارات دولار، فهي لا تكفي لدعم الليرة السورية أمام الدولار، الذي ارتفع سعره من 45 ليرة سوريا إلى 65 ليرة سوريا للدولار الواحد وأتوقع أنه سيصل إلى الـ100 ليرة سوريا في أقل من شهرين، فضلا على هناك حاجة لاستيراد نحو 9 مليارات دولار من البضائع الأساسية، فإذا تعثر تصدير البضائع السورية بسب العقوبات العربية والعالمية، وفقدت الميزانية المصدر الأساسي للدخل القومي وهو النفط من جراء توقف استيراده من قبل أوروبا، فإن هناك خسارات مابين 5 - 7 مليارات دولار، وإذا أضفنا الخسارات من وراء توقف السياحة وقسم كبير من الصناعة، وخسارة الحصيلة الضريبية بسبب الكساد والركود مجتمعين، فإن هذه الخسائر تعني في أقل تقدير أكثر من 20 مليار دولار. ما تستطيع الحكومة فعله هو دفع رواتب 1.3 مليون موظف بالعملة المحلية، ولكن هناك نقطتان بالغتا الأهمية: الأولى أن القيمة الشرائية للرواتب انخفضت ما بين 30 - 50 في المائة بسبب التضخم المفرط، والأمر الثاني أن هناك 3.7 مليون عامل في القطاع الخاص لم تكن هناك برامج أصلا قبل الثورة لإعانتهم بشكل حقيقي، وكان هناك اقتراح منذ سنتين لدعم العوائل المدقعة الفقر بطرق بدائية، وأداء يضيع الوقت، ولا يعكس أي أثر اقتصادي حقيقي بسبب قيمة الإعانات الضئيلة».