الصحف الدولية: الأسد تفوق على القذافي في الحديث عن «المؤامرات الخارجية»

«الغارديان»: كلام مكرر يحمل نغمة عدائية ممزوجة بكلام عن إصلاحات وهمية

TT

لقي الخطاب الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد أول من أمس اهتماما واسعا في الصحف الغربية التي صدرت أمس، والتي تابعت ونشرت بالتحليل والكلمات والصور للأسد، قائلة إن حديثه عن «المؤامرات الممولة من الخارج» يذكر بما كان العالم يسمعه من خطابات العقيد معمر القذافي إبان بدء الثورة الليبية، ونشرت صحيفة «الإندبندنت» على صفحتها الأولى 4 صور يظهر فيها سوريون من شرائح مختلفة وهم يتابعون باهتمام خطاب الأسد من على شاشات التلفزيون في منازلهم وفي الأسواق وفي محالهم التجارية، وكلام صورة وتعليق يقول: «أما الخبر السيئ فهو: لقد أظهر الأسد قبضته الحديدية».

وفي الداخل نطالع تحقيقا مصورا لمراسل الصحيفة في منطقة الشرق الأوسط، روبرت فيسك، يقول فيه: «لقد كان خطاب العام بالنسبة للأسد، ويتابع المراسل وصفه للمشهد السوري قائلا: «بالنسبة للمؤامرات الخارجية، من يشك بأن الأسلحة تتدفق على سوريا من أعداء الأسد في لبنان؟».

أما الرسالة التي أراد مراسل الصحيفة إبلاغها من خلال متابعته لخطاب الرئيس السوري بعد التدقيق بما جاء فيه: «فهي القول: لا جديد في الخطاب». يقول فيسك: «ما قد تغير هو حجم وسرعة تدهور الأوضاع في سوريا التي تشهد معركة دامية أصبح خصوم الأسد فيها أكثر تسليحا من ذي قبل وأكثر استعدادا وجاهزية لمهاجمة قوات النظام». وقالت «نيويورك تايمز» في تغطيتها ومتابعتها لخطاب الأسد: «إن الرئيس السوري نفى أن حكومته أمرت قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين، رغم أن الأمم المتحدة تقول إن عدد القتلى تصاعد ليتجاوز 5000 قتيل منذ منتصف مارس (آذار) في إطار حملة لا هوادة فيها». وأضافت الصحيفة أن الأسد «وعد بإجراء استفتاء على دستور جديد في شهر مارس، وهي الخطوة التي بدت شاحبة أمام حجم الأزمة التي برزت كواحدة من أكثر الهجمات دموية في الانتفاضات التي اندلعت في العالم العربي قبل عام». ومضت الصحيفة تقول إن الأسد أكد «أنه ضحية مؤامرة ممولة من الخارج، وهو نفس النوع من المنطق الذي سمع في ليبيا ومصر قبل انتفاضات أسقطت المستبدين منذ فترة طويلة».

ورأت الصحيفة أن «الرئيس السوري ترك الانطباع بأنه ما زال يكافح من أجل إيجاد حل للاضطرابات التي تقوض قبضته على السلطة، وتدفع نحو حرب أهلية طائفية، ولكن يبدو أنه خالي الوفاض، ويفتقر إلى أي استراتيجيات جديدة».

من جهتها، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن لهجة الأسد في الخطاب بدت «لا هوادة فيها، ومن الواضح أن حكومته لا ترغب تحت أي ضغط تنفيذ إصلاحات ذات معنى أو تخفيف حملتها، رغم وجود أدلة متزايدة على أن الاقتصاد السوري متفكك، والاحتجاجات لم تتضاءل والانتفاضة تتطور تدريجيا إلى تمرد مسلح».

وأضافت الصحيفة أن الأسد هاجم «جامعة الدول العربية، التي اتهمها بالعمل لصالح الغرب وإسرائيل، وتعهده بإعطاء الأولوية لاستخدام القوة كما دعا إلى التشكيك في استمرار بعثة الجامعة، التي بدأت الشهر الماضي، للإشراف على امتثال حكومة دمشق لخطة السلام».

وحظيت الكلمة التي ألقاها الرئيس الأسد أول من أمس باهتمام واسع في الصحف البريطانية الصادرة أمس، فأفردت لها مساحات واسعة من النقد والتحليل، وكذلك كان اهتمامها أيضا بردود الفعل الصادرة على الخطاب.

فعلى صدر الصفحة الأولى من «الغارديان» نطالع تحقيقا لمراسل الصحيفة في العاصمة السورية دمشق، إيان بلاك، بعنوان «الأسد يصرخ بوجه أعدائه وينذرهم بقبضة من حديد»، جاء فيه: «إن الأسد المحاصر، حمل مسؤولية الأزمة التي تمر بها بلاده للمؤامرات الخارجية المدعومة من قبل الدول العربية.. ووعد بالضرب بيد من حديد في مواجهة الإرهاب».

وقالت الصحيفة إن خطاب الأسد، وهو الثالث له منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظامه في الخامس عشر من شهر مارس الماضي: «مزج بين روح التحدي والحديث عن مواصلة المسيرة، والإصلاحات المستقبلية في البلاد، والإشادة بقوات حفظ النظام التي حاربت ما وصفه بالإرهاب».

وأبرزت الصحيفة قول الأسد: «لا يمكننا التراجع في المعركة في مواجهة الإرهاب، بل سنضرب بيد من حديد أولئك الإرهابيين الذين غسلت أدمغتهم»، وحمل الرئيس الأسد، مسؤولية الأزمة التي تمر بها بلاده للمؤامرات الخارجية المدعومة من قبل الدول العربية، ووعد باتخاذ إجراءات صارمة، وبالضرب بيد من حديد في مواجهة الإرهاب. ولفتت «الغارديان» إلى أن الأسد لم يبد في خطابه أي مرونة يمكن أن تساهم بكسر عقدة المأزق الدامي بين نظامه والمعارضة التي قضى فيها آلاف الأشخاص. ودللت على ذلك بقول الأسد في نهاية خطابه الذي ألقاه على مدرج جامعة دمشق واستغرق 100 دقيقة، ونقل على الهواء مباشرة: «إن شاء الله سننتصر، فنحن نقترب من نهاية الأزمة، ويجب أن نبقى موحدين. والنصر قريب، لأننا نستطيع الصمود، وبتنا نعرف أعداءنا».

وتحت عنوان «خيارات الأسد الثلاثة».. كتب «سيمون تيسدال» في «الغارديان»: «إن الرئيس السوري (بشار الأسد)، خرج على العالم بخطاب، يحوي كلاما مكررا، ويحمل نغمة عدائية سلبية ممزوجة بكلام عن إصلاحات وهمية. وقد بدا (الأسد)، بحالة مزاجية متقلبة، حيث ظهرت الغطرسة والعناد، وفي نفس الوقت التظاهر بالرغبة في الحل، وأنه ضحية». ورأى الكاتب أنه منذ تفجر الأزمة في مارس الماضي، لم يقدم (الأسد) جديدا، بل إنه يكرر نفس الأنماط والعبارات. إلا أن خطاب اليوم عكس بشكل كبير ما آلت إليه الأوضاع في سوريا، وقد بدا ذلك واضحا على الحالة المزاجية للرئيس السوري، وأشار الكاتب إلى أن بعض النقاد، يقولون إن «بشار» معزول، ولا يدرك حقيقة الأمور على الأرض، وهو ما يظهر من حديثه، بينما آخرون يرون أنه رهينة، في أيدي بعض القيادات العسكرية والنخبة الحاكمة في نظامه. فأنت تشعر حقا من كلامه أنه ليس سعيدا، وليس راضيا عما يحدث.

وقال إنه في ظل تزايد أعداد القتلى، والضغوط العربية على دمشق، وشبح الحرب الأهلية الذي يخيم على البلاد، والاتهامات التي يمكن أن يواجهها «الأسد» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فإن الضغوط بالفعل أصبحت لا تطاق على هذا النظام. وتساءل الكاتب «هل سينهار (الأسد) أمام هذه الضغوط.. وما هي الخيارات أمامه؟!». وأضاف أن الخيار الأول هو الهروب، كما حدث مع الرئيس التونسي «زين العابدين بن علي» الذي فر إلى السعودية، الخيار الثاني هي إيران حليفه القوى، أو روسيا التي تدافع عنه دوليا، وأرسلت سفنا حربية، إلى ميناء «طرطوس» السوري منذ أيام، في خطوة لتأكيد تضامنها ودعمها للأسد. ولكن المشكلة، في زوجته «أسماء» - بريطانية المولد - وأبنائها الثلاثة، خصوصا إذا طلبت العودة لمنزل العائلة في ضاحية «اكتون» غرب لندن، وهو الأمر الذي يضع بريطانيا تحت ضغوط أمنية ودبلوماسية كثيرة. وأشار تيسدال إلى أن «الأسد» قال في حديثه إنه لن يتخلى عن المسؤولية فهو منتخب من الشعب، ولن يغادر سوريا، وهو نفس الكلام الذي قاله العقيد الليبي «معمر القذافي» قبل وفاته. أما الخيار الثاني أمام «الأسد» هو أن يستمر في حربه، ويقع مزيد من القتلى في سوريا وتتحول البلاد إلى حرب أهلية، وربما يتدخل الغرب، وهذا الخيار لا يترك فرصة لتوقع ما يمكن أن تصل إليه الأمور. أما الخيار الأخير فهو التفاوض، فقد طرح «الأسد» في خطابه كلاما عن الإصلاح الدستوري، وإمكانية إجراء استفتاء في مارس المقبل حول نظام متعدد الأحزاب في سوريا، إلا أن هذا الكلام لا يجد من يصدقه، فقد تم الحديث من قبل عن تعهدات مماثلة، ولم يتم الوفاء بها. وحتى إذا حاول «الأسد» القيام بإصلاحات حقيقية، فإنه سيكون عرضة للهجوم من مراكز القوى في نظامه، ومنهم شقيقه القوي «ماهر الأسد» الذي يتولى قيادة أهم فرقة في الجيش السوري. وفي السياق ذاته نشرت «الفايننشيال تايمز»، تقريرا بعنوان «الأسد يهاجم الدول العربية». ورأى التقرير أن نبرة التحدي هي أبرز ما ميز خطاب الأسد، مشيرة إلى تهديد الرئيس السوري بمواجهة المعارضة «بيد من حديد وبسحق الإرهابيين».

وجاء في تقرير الصحيفة أيضا: «لقد استخدم الرئيس السوري المحاصر خطابه العلني الأول منذ أشهر لشن هجوم لاذع على الدول العربية، قائلا إنه لن يستقيل من منصبه ولن يسمح للمؤامرات الخارجية بتدمير بلاده».

وركزت الصحيفة على هجوم الأسد على بعض الدول العربية التي اعتبرها «أكثر عدائية وشراسة» في استهدافها لنظامه، قياسا بالدول الأجنبية.

وقال التقرير: «لقد بدا الأسد وكأنه يستهدف الدول الخليجية، ومنها قطر الغنية بالبترول، والتي قادت الجهود العربية لعزل النظام السوري».