النائب البرلماني محمد الصاوي: ليس بيني وبين «الإخوان» أي حسابات.. ومصلحة الناس همي الأول

أكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أن فاروق حسني ارتكب جرائم في حق الثقافة المصرية وحولها لجدران صماء

محمد الصاوي
TT

من بوابة الثقافة صعد المهندس محمد الصاوي إلى أجندة الحياة السياسية في مصر، فتولى حقيبة وزارة الثقافة في حكومة أحمد شفيق بعد نجاح الثورة في الإطاحة بنظام مبارك، لكنه لم يحظ برضا المثقفين، فبعد أقل من 10 أيام ترك حقيبته الوزارية، متفرغا لمشروعه الناجح تحت مظلة ساقية الصاوي الثقافية. ثم أسس حزبا سياسيا بعنوان «الحضارة»، دخل ضمن تحالف الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، ومن خلاله استطاع الصاوي أن يحصل على بطاقة العضوية في البرلمان المصري الجديد.

في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، أجاب الصاوي عن الكثير من علامات الاستفهام حول صعوده السياسي المباغت، ودعم الإخوان له في الانتخابات، وتجربته كوزير للثقافة، ورأيه في ما يدور من صراعات، بين سلطة العسكر «الحاكم»، والسلطة المدنية المرتجاة، ودوره كنائب في برلمان أصبح كل دوره هو تشكيل اللجنة المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد.. وفيما يلي نص الحوار..

* حضور قيادات كبيرة للجيش ومن الإخوان المسلمين هل يعتبر غزلا واضحا للأقباط ومحاولة اعتذار ضمنية لهم عن أحداث ماسبيرو التي أوقعت العشرات من الأقباط؟ - أعتقد أن هذا الحشد من الجيش والتيار الديني جاء في نطاق إرسال رسالة طمأنة، وهي الرسالة التي ينادي بها الجميع للتأكيد أنه يجب ألا يشعر أحد من أبناء مصر بأنه في موقف الضعف، نعم الكل منتبه لأهمية إرضاء المسيحيين واحتوائهم بشكل كامل، واحتفالات الكنيسة بأعياد الميلاد كانت فرصة للجميع لإثبات حسن النوايا.

* بعض المسيحيين رفض هذه المجاملة وهتفوا وقت الاحتفال: «يسقط حكم العسكر».

- أعتبر أن هذه الهتافات جاءت في إطار مشاعر طبيعية وليست مفتعلة، والشعب المصري اكتفى من حكم العسكريين وأنا مثلهم مقتنع اقتناعا كاملا بأنه لا يجوز أن يستمر العسكر في حكم البلاد أكثر من ذلك ويجب ألا تتحول مصر إلى دولة جيش مرة أخرى.. ويجب على العسكريين أن يفهموا أننا نحبهم كمواطنين مصريين، لكن عندما نقول يسقط حكم العسكر فإننا نعني إسقاط حكمهم وليس هم كأشخاص، فنحن نريد أن يتولى شؤون البلاد من هو الأقدر على تحمل مسؤوليتها.

* ومن الأجدر على تحمل مسؤوليتها برأيك؟

- المفكرون والوطنيون المؤمنون بوجود الفكر الآخر وحرية التعبير، وهذا ليس موجودا في تركيبة الشخصية العسكرية المبنية على إعطاء الأوامر وتنفيذ الأقل رتبة لتعليمات الأعلى رتبة منه، وبالتالي لا يصلح أن يحكم البلاد إلا المدنيون، وتجربة أداء الحكم العسكري خلال العام الماضي كانت تجربة فاشلة بكل المقاييس وأثبتوا بالتجربة أن الفكر العسكري لا يصلح لإدارة الحياة المدنية.

* لكن لم يكن هناك بديل للحكم مع اندلاع ثورة «25 يناير» والجيش الذي حمى الثورة.

- لا أنكر عليهم فترة حمايتهم للثورة، وكان هناك أكثر من بديل؛ فمثلا كان ممكنا أن تكون فترة توليهم السلطة أقصر، وكان ممكنا طرح مجموعة عمل من اللجان الدستورية في المرحلة الانتقالية ولو من خلال نظام قوائم تذهب في استفتاء لوضع الدستور مثلا لتقليل فترة حكم الجيش.

* بماذا شعرت لأول وهلة حينما جلست على مقعد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الذي تولى هذا المنصب لمدة 23 عاما في عهد مبارك؟

- شعرت بتعاسة! إن وزارة فاروق حسني، بكل أسف، لم تكن إنجازاتها إلا في بناء المباني، ولم يكن لها إنجاز واحد فكري أو ثقافي للمصريين؛ فهو لم يتعامل مع الثقافة المصرية بأي نوع من الأمانة والمسؤولية.. وأستطيع أن أصف كل ممارسات وزارته بالسلبية جدا، لقد استطاع بناء الجدران والمباني فقط لكنه لم يبنِ عقولا، ولا أحب أن أطيل في هذا الأمر حتى لا أكون من الشامتين.. ويمكن اختصار فترة توليه بأنها الفترة التي ارتكب فيها جرائم كبرى في حق الثقافة المصرية.

* خضت الانتخابات البرلمانية مرشحا على قوائم التحالف الديمقراطي ومدعوما من جماعة الإخوان المسلمين، فهل كان هذا لعبا على المضمون، كما يقال وبالفعل حققت الفوز؟

- أنا أترأس حزب «الحضارة»، وعند انضمام الحزب للتحالف الديمقراطي لم يكن واردا وقتها أن أخوض الانتخابات البرلمانية، لكن تحت ضغوط كثيرة وافقت على أن أمثل الحزب في الانتخابات البرلمانية، وموقف التحالف واحد من خلال أي مرشح منضم إليه، ولا أنكر أن انضمامي للتحالف أفادني في الانتخابات.

* بماذا تفسر اكتساح الإخوان للانتخابات البرلمانية؟

- اكتساح الإخوان الانتخابات البرلمانية له علاقة بأرضية كبيرة جدا يتمتعون بها في الشارع المصري، وهي أرضية معتمدة على الدين في المقام الأول، وجموع الشعب المصري بطبعها متدينة سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين، ومن قناعاتهم الإيمانية أن يتوجه الإنسان المصري إلى ربه في كل أمور حياته، يضاف إليه تحقيقهم إنجازات مهمة على الأرض أعطت طمأنينة للناس بأنهم لو تولوا شؤونهم فستتغير الأمور إلى الأفضل.

* ألا ترى أن هناك ازدواجية في الرؤية بين رجل مثقف ومن عائلة ثقافية كبيرة ويقدم للمصريين نموذجا مختلفا من الإبداع والفنون من خلال ساقية الصاوي وفي الوقت ذاته يترشح بدعم من الإخوان المسلمين على الرغم مما عليهم من مآخذ قد تتعارض مع الحريات والفنون؟

- أنا رجل متدين بطبعي، وأزعم أن الفهم الصحيح للدين هو الذي تنادي به الرسالات السماوية كلها، التي تعود إلى الله الواحد، والرسالات السماوية في جوهرها لا تتعارض مع حرية الإبداع والفنون، وفي الأصل الفنون موهبة من عند الله، وهي في حد ذاتها رسالة كذلك، وأصحاب الفطرة السليمة يدركون تماما أن الفنون لها أهداف سامية تهدف لنشر الحق والجمال والعدل والمساواة، وهذا لا يتعارض مع الدين، وإذا كانت هناك تفاصيل صغيرة قد تدعو للاصطدام، فأقول إن هناك الكثير من أصحاب المنهج التيسيري في الدين وسيظلون على استعداد للعمل الجاد لنشر الوعي بين الناس كي يتمكنوا من حسن الاختيار، والتفريق بين البضاعة الفاسدة والبضاعة السليمة.. أهم شيء هو وعي الناس بقيمة ما يقدم لهم في ضوء قيمهم ومبادئهم وعقائدهم.

* لكن هناك بعض الأشخاص المحسوبين على التيار الديني قالوا إنهم سيغطون التماثيل وسيمنعون الفنون وسينشئون هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف تتعامل مع هذا التفكير وأنت رجل راعٍ للفنون؟

- إن كل دعاوى وقف الفنون جاءت في إطار «الفرقعة الإعلامية»، وأقول للناس: اطمئنوا فهذه التصريحات الصارخة عندما أُطلقت ضد الفنون كان ذلك في إطار الحرب الشرسة في الانتخابات ليس أكثر، لكنها ليست حقيقية، والواقع هو خير برهان، والدليل هو: هل نفذ منها شيء على الأرض؟ لا لم يحدث.. إذن يجب ألا نلقي لها بالا أبدا.

* هل أنت مضطر إلى رد الجميل للإخوان تحت قبة البرلمان اعترافا منك بأنهم هم من ساعدوك على ذلك؟

- صاحب الجميل عليَّ هو الله، سبحانه وتعالى، فقط، ولا أضع في اعتباري أي حسابات من هذا النوع؛ لأنه يجب أن أكون أمينا تجاه الشعب الذي حملني أمانة كبيرة جدا بتمثيله في المجلس، وبالتالي يجب ألا أضع أي أحد في اعتباري غير مصلحة الناس الذين حملوني هذه المسؤولية.

* ماذا عن النقاط الخلافية في مواد الدستور، خاصة وضع الجيش؟

- لا بد أن تُطرح مواد الدستور لاستفتاء عام، وأتمنى أن يطرح على شكل أبواب منفصلة، فإذا اعترض الشعب على باب معين فلا بأس من تغييره وإعادة التصويت عليه، وذلك أفضل من أن تعاد صياغة الدستور ككل مرة أخرى وللتيسير على الناس كذلك. ووضع الجيش لن يكون فوق الدستور؛ فالجيش سيكون إحدى مؤسسات الدولة التابعة لرئاسة مدنية، وأتفهم الضمانات التي يطالبون بها لصالحهم، وإذا كانت هذه الضمانات من الممكن أن تختصر على الدولة الكثير من الوقت والجهد، فيمكن أن يتم التوافق عليها مع عدم التفريط في دماء الشهداء والمصابين أبدا.

* هناك تصريح للدكتور علي السلمي، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، قال فيه «إن لديه علما بأن أهالي الشهداء كونوا ما يسمى ميليشيات للقصاص لأبنائهم إذا لم يطبق العدل على مبارك».. كيف ترى ذلك؟

- كان يجب أن يحاكم مبارك محاكمة الدقائق الخمس، التي تعتمد على سؤال القاضي له كالتالي: هل كنت ميتا وقت أحداث الثورة؟ فيقول مبارك: لا. فيسأله: هل كنت فاقدا للوعي؟ فيقول: لا. فيسأله مجددا: هل كنت فاقدا للسمع والبصر معا؟ فيقول: لا. فيسأله: هل فقدت القدرة على قول كلمة غير «لا»؟ فيقول: نعم. فيقول له القاضي: إذن أنت مدان وتستحق أقصى عقوبة.. لكن ما يحدث الآن أنا غير راضٍ عنه ولا أريد أن أدخل في إطار التخمينات.

* هناك مخاوف متزايدة من أن تتحول الذكرى الأولى لثورة «25 يناير» إلى ساحة قتال.

- يجب أن نشعر دوما أننا أقوى، وأحذر كل من يفكر في تعكير صفو أجواء هذه الذكرى بأنه لو سقط أي عدد من البلطجية فهم ينقصون، لكن في المقابل عندما يسقط أي شهيد فهناك الملايين غيره على استعداد للشهادة.