موسى: عازم على خوض انتخابات الرئاسة إلى النهاية.. وأراهن على وعي الشعب المصري

قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: الرئيس الجديد يجب أن يكون في مكتبه أول «يوليو» حتى لو تأخر وضع الدستور

TT

مثل خلية نحل يتحرك العاملون المتطوعون في حملة المرشح المحتمل للرئاسة المصرية، عمرو موسى، داخل الفيللا المخصصة لذلك في ضاحية الدقي. ومن بين الجدران والصور المعلقة عليها، ومن اللغة الحاسمة للموظفين، تعتقد للوهلة الأولى أن الانتخابات ستجري في الأسبوع التالي، على الرغم من أن موعد فتح باب الترشح رسميا لن يكون قبل أبريل (نيسان) المقبل.

وبينما يتجول في القرى ويناقش المستقبل مع القيادات السياسية في العاصمة، يجيب موسى نفسه عن الأسئلة الموجهة إليه بطريقة الرجل الواثق من فوزه بمنصب رئيس أكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط، رغم أنه يتعامل مع الأمر باعتباره مجرد منافسة يتقبل فيها الفوز أو الهزيمة بنفس راضية، ما دامت التجربة ديمقراطية والنتيجة وفقا لاختيارات الناخبين.

وموسى الذي كان يشغل حتى مطلع العام الماضي موقع الأمين العام للجامعة العربية، غير قلق من اكتساح تيار الإسلام السياسي بمصر لأغلبية المقاعد في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) التي اختتمت يوم الأربعاء الماضي، لأنه ببساطة يعتقد أن مزاج الاقتراع على مرشح الرئاسة سوف يختلف عن مزاج الاقتراع في انتخابات البرلمان، لثقته في ذكاء الشعب وإدراك الناخبين أن المسيرة المصرية، التي سيقودها الرئيس المقبل، تحتاج إلى بناء متوازن ومؤسسة متوازنة ما بين مختلف التيارات.

وينقب خصوم عمرو موسى في أثره في محاولة لإبطاء خطواته نحو المنافسة على مقعد الرئاسة.. ويقولون إنه كان وزيرا للخارجية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي تطالب النيابة المصرية الآن بإعدامه، بعد سقوط حكمه. ويقولون إنه حصل على أموال من السعودية للإنفاق على حملته الانتخابية. ويسخر موسى من مثل هذه الأقاويل، مستغربا في الوقت نفسه الكيل بمكيالين لأن عصام شرف الذي اختاره ميدان التحرير ليكون رئيسا للوزراء بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أسقطت مبارك كان وزيرا في حكومة مبارك نفسه وعضوا في حزبه الحاكم وفي لجنة السياسات التي كان يرأسها نجله جمال مبارك.

ينفى عمرو موسى تلقيه أي أموال من السعودية قائلا إن الرياض تقف على بعد واحد من المرشحين والتيارات السياسية الموجودة بمصر. وفي البهو الكبير للفيللا التي تعود إلى المباني المصرية العتيقة بالميدان المعروف باسم «طهران» ذي الشوارع الضيقة في الدقي، كان رجال يتنقلون بين الغرف وسط رنين الهواتف وهم يدخنون السجائر، وآخرون يلفون السبح الإسلامية حول أصابعهم.. فتيات محجبات وأخريات يطلقن شعورهن للهواء. وحين تسأل عمرو موسى هل أنت يساري أم يميني أم وسطي، يذكرك على الفور بأنه يحمل في قلبه وعقله الوطنية المصرية التي يقول إنها تقتضي منه أن يأخذ مواقف فيها من اليسارية واليمينية والوسطية، لكن على أساس ما يحقق المصلحة المصرية، آخذا في الاعتبار البعد العربي والأفريقي والمتوسطي.

لكن على أي تيار سياسي يعتمد عمرو موسى.. يقول لك في إجابة سريعة: «على الجميع»، حتى لو كان البعض من هذا الجميع لديه مرشحوه المحتملون للرئاسة. ويدرك موسى هذه الحقيقة ويبدو أنه قرر التعامل معها بأن يمضي في سباق الترشح إلى نهاية الشوط، حتى لو مالت جماعة الإخوان ذات الأغلبية في البرلمان إلى ترشيح الأمين العام الحالي للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي للرئاسة، وحتى لو دعم الجيش مرشحا بعينه، بمن في ذلك المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

الآن.. دخل عمرو موسى من الباب قادما من اجتماع في مشيخة الأزهر. وهنا يجلس مؤيدون لحملته قادمين من الريف للتحدث معه. وفي الواجهة وفد من الثوار يريدون إجابات مباشرة منه حول الاحتفال بذكرى الثورة في 25 يناير المقبل. رغم تقدمه في العمر، بدا بقامته المشدودة ووجهه النضر وشعره المصفف وتأنقه المعهود، كشاب يوزع ابتسامات الأمل في مقتبل حياته العملية. ومهما فتحت من ملفات شائكة فإن الميزة التي يندر أن تجدها لدى كثير ممن يعتزمون الترشح للرئاسة هي عدم التردد، حتى لو ظهرت بعض العقبات هنا أو هناك.

بالنسبة لعمرو موسى فإن مصر هي مصر، رغم ما يطفو على السطح من خطابات تحاول جرها إلى الخلف، قائلا إن مصر تعني الأزهر والنخبة المثقفة وطه حسين وأم كلثوم وأحمد شوقي ونجيب محفوظ والعالم الكبير علي مصطفى مشرفة. ويشدد موسى على أن مصر بلا مبدعين ولا فنانين ولا أدباء ولا علماء لا تكون مصر أبدا. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* كنت من ضمن الموقعين يوم الأربعاء الماضي على وثيقة الأزهر.

- كانت هناك وثيقة مهمة في الأزهر وقعنا عليها.. وقع عليها رئيس الوزراء ووقع عليها البابا ووقع عليها المرشد العام للإخوان المسلمين، وأنا وقعت عليها، وكذلك وقع عليها رؤساء الأحزاب ومنها حزب الحرية والعدالة والوفد والنور وغيرهم.

* وبأي شيء تختلف هذه الوثيقة عن باقي الوثائق؟

- هي تضيف.. فيها شيء مهم جدا عنوانها «استكمال أهداف الثورة».. وعناصرها الرئيسية فيها تأكيد حرية العبادة وحرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي وإطلاقه، وحرية الإبداع في الآداب والفنون.. كل هذا طالع من الأزهر الذي تحدث عن الإبداع والبحث العلمي وحرية العقيدة وحرية الإبداع وحرية التعبير.. هذا شيء عظيم جدا.. لهذا وقعت عليها بكل اقتناع. الأزهر يستعيد ريادته ويستعيد دوره، ويبلغ المصريين، ويبلغ كل المسلمين بأن هذه هي المبادئ الصحيحة في الإسلام وهي الحرية في العقيدة وفي التصرف وأن المطلوب أن تبدعوا في فنونكم وفي آدابكم وفي كتاباتكم. هذا شيء جميل جدا.

* هل هذا بسبب ما يقال عن أن الجماعات الإسلامية ستحكم مصر وستهدم كل شيء، ستهدم الأدب والفن.. هل هذا رد على مثل تلك الدعاوى؟

- لا.. لا. لا أرى ذلك. لكن هذا يمكن أن يكون «ردا» على دعاة الجمود.. لكن (من بين) الذين كانوا موجودين (عند توقيع وثيقة الأزهر) رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي، تكلم كلاما مهما جدا، وقال نحن، قد حصلنا على الأغلبية (في البرلمان)، إلا إننا نؤمن بأن كل المسيرة المصرية من الآن فصاعدا تتطلب توافق الآراء، وألا يطغى رأي على رأي، وألا تطغى جماعة على جماعة، بصرف النظر عن الأغلبية أو الأقلية.

* هل ترى ونحن نقترب من يوم ذكرى 25 يناير أن الثورة حققت بعض أهدافها، خاصة أن هناك من يقول إن ما تحقق مجرد تغيير أسماء من حكم إلى حكم أكثر ديكتاتورية وأكثر فسادا؟

- لا.. لا. هذه نظرة ضيقة جدا، ونظرة فيها ربما الاستثارة.. وإلا ماذا تعني الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي خاضها الشعب المصري، وهي انتخابات تختلف تماما عن كل الانتخابات التي جرت خلال العقود الماضية كلها.. أليس هذا خطوة أساسية على طريق الديمقراطية يعتبر تحقيقا لعدد من أهداف الثورة؟! هذه واحدة.. لكن خذ عندك أيضا تحديد موعد زمني لتولي رئيس الرئاسة، في موعد غايته 30 يونيو (حزيران) المقبل. هذا يعني أن هناك انتقالا من العصر الديكتاتوري وهيمنة الفرد الواحد، إلى انتخاب الرئيس، لا تعيين الرئيس.. هذا أيضا من أهداف الثورة.. محاكمة الرئيس السابق وكل رموز النظام السابق.. أليس هذا تحقيقا لأحد أهداف الثورة؟! المنظومة الخاصة بإعادة النظر في كثير من الأولويات التي كانت موجودة، ووجود الثورة وأحزاب الثورة وائتلافات الثورة والمبادئ الأساسية التي يتحدث عنها الجميع اليوم.. كل هذا يختلف تماما عما كان.. وحين اقترح العمل بالنظام اللامركزي في مصر، بداية من انتخاب المحافظين وانتخاب العمد، ووجود مجالس قروية ومجالس بلدية ومجالس محافظات، هذا يعني تعميق الديمقراطية على كل الأصعدة.. أليس هذا تحقيقا لهدف من أهداف الثورة؟! تغيير المجتمع المصري من أساسه وتغيير الحكم وطريقة إدارة مصر من أساسه.. وحين ترى الكلام الذي يتحدث به الجميع عن إعادة النظر في القوانين والنظم الاقتصادية والكلام الذي يقوله كثير منا عن إعادة بناء مصر.. كل هذا تحقيق لأهداف الثورة. ونقل السلطة من المجلس العسكري الأعلى إلى سلطة وطنية منتخبة بتاريخ أول يوليو (تموز) المقبل.. هذا تحقيق لهدف ضخم جدا من أهداف الثورة.

* هذا رغم التشكيك بأنه بالوصول إلى يوم 25 يناير (الذكرى الأولى للثورة) فإن خريطة إنجازات الثورة ربما تتغير أو ربما تنقلب.. هناك من يتوقع أن تحدث في ذلك اليوم صدامات تنقل مصر إلى وجهة غير معلومة، كيف ترى الأمر؟

- هذا سؤال جيد. فعلا هناك من يعتقد أن 25 يناير المقبل يمكن أن يكون يوم صدام، أو أن تدفع به بعض قوى الفوضى إلى صدام.

* (هذا) مع الإصرار (من جانب تلك القوى) على تسلم السلطة حالا (من المجلس العسكري إلى مجلس مدني).

- مسألة تسلم السلطة حالا وفوريا مسألة غير مقبولة، وإلا سنصبح جماهيرية لا جمهورية.. لا كلام مثل هذا.. بل الانتقال إلى سلطة وطنية منتخبة، مع التأكيد على كلمة «منتخبة». الآن النقاش، حتى في الأزهر اليوم، وفي النقاش العام، هو أن يوم 25 من الشهر الجاري سيكون يوم احتفال ويوم توحد ويوم تجمع، وليس يوم صدام أو فوضى.

* نعم.. لكن هناك توقعات أيضا بصدام دموي يبدأ من يوم 27 الجاري وقد يستمر إلى يوم 11 فبراير (شباط)، يوم ذكرى تنحي الرئيس السابق.. ما رأيك في هذا السيناريو المطروح؟

- لماذا قد يحدث هذا؟! هذا ليس مطلبا من مطالب الثورة. وإذا كان، فسيكون مطلبا من مطالب الفوضويين.. وهناك فرق كبير جدا بين دعاة الفوضى ودعاة الثورة.

* متى سيتم فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة؟

- في 15 أبريل، ويمكن أن يتقدم أسبوعا أو اثنين.. تم الاتفاق على خارطة طريق بأن يكون الموعد غايته 30 يونيو. وهذا ليس ببعيد بل قريب جدا. ومن 15 أبريل حتى ذلك التاريخ يكون التقدم الرسمي للترشح والدعاية الانتخابية.

* ألا يوجد جدل حول انتخابات الرئيس أولا أم وضع الدستور أولا؟

- يوجد جدل.. وفي الإمكان إنهاء موضوع الدستور في الشهرين المقبلين. توجد فترة كافية ومريحة لوضع الدستور قبل موعد إجراءات الترشح للرئاسة، وخاصة أن معظم أجواء الدستور متفق عليها. الخلاف ينحصر في الجزء الخاص بنظام (حكم) رئاسي أم برلماني، وما هي سلطات الرئيس وسلطات البرلمان، وباقي المواضيع، مثل هوية مصر ونسبة تمثيل العمال والفلاحين في البرلمان، ليس من الصعب الاتفاق حولها. ويتبقى موضوع المؤسسة العسكرية في الدستور، وهذه المؤسسة يجب أن تحترم وأن تظل محترمة باعتبارها إحدى المؤسسات الرئيسية التي تكون الدولة.

* هل أنت مع انتخاب الرئيس أولا، أم مع وضع الدستور أولا؟

- لا أولا، ولا ثانيا.. الرئيس يجب أن ينتخب وأن يكون في مكتبه يوم 1 يوليو 2012. يوضع الدستور قبل أو بعد، هذه مسألة لا يجب أن تؤخر انتخاب الرئيس، لكن الأفضل أن ننتهي من وضع الدستور قبل هذا الموعد.

* وماذا ستكون أولويات الرئيس المقبل؟

- في ما يتعلق بي.. أنا أعتبر أن مهمتي هي إعادة بناء مصر.. ليس وحدي، وإنما أن أقود عملية إعادة بناء مصر، وأن أنسق بين كل القوى الوطنية وغيرها لنعيد بناء مصر كما قلت.. عملية إعادة بناء مصر تتطلب ثلاثة بنود أساسية.. أولا: تحقيق الديمقراطية، ثانيا: ملف الإصلاح، ثالثا التنمية الاقتصادية. الديمقراطية ليست مجرد الصندوق (الانتخابي) الذي نراه، لكنها تعني حقوق الإنسان وتعني اكتمال المؤسسات المصرية وتعني الفصل بين السلطات وتعني استقلال القضاء.. وبالنسبة لملف الإصلاح، فإن أول شيء يجب أن تقضي على الفساد.. وأقول لك كيف.. الفساد ليس سحابة في الفضاء، لأن الفساد كان مقننا. هات مئات القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة، تجدها جميعا مليئة بالاستثناءات التي تؤدي للفساد دون أن تقع تحت طائلة القانون، مثل ما حدث في قوانين المباني والأراضي الزراعية ومصالح الناس الغلابة حتى في منح رخص الأكشاك. وكمواطنين في دولة من دول العالم الثالث علينا أن ندرك أن الفقر هو أساس الفساد لأن الكل يريد أن يأخذ ما يستطيع. ولذلك عليك أن تضع في ذهنك أن أكبر أعداء مصر هو الفقر، وأن الأساس في برنامجك وعملك هو محاربة الفقر بكل معانيه.. فقر مادي، فقر معنوي وهو الفقر الذي تعرضت له مصر. أما بالنسبة للنقطة الثالثة وهي التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيجب أن يكون هناك برنامج اقتصادي للمستقبل. البرنامج قصير المدى الذي يخص اليوم، يقع على (رئيس مجلس الوزراء الحالي الدكتور كمال) الجنزوري، لأنه يحكم من الآن حتى يوم 30 يونيو، أما نحن فننظر إلى المستقبل، فلا بد من خطط متوسطة المدى وطويلة المدى.

* لكن بالنسبة لقضية المحاكمات الجارية مع رموز من النظام السابق، فإن هناك من يرى أنه بالفعل بدأت محاكمات، دون أن يروا أحكاما.. ومن ثم يعتقد كثيرون أنه لا جدية في الأمر ما دامت لم تصدر أحكام؟

- هنا نقول إنه حيث توجد محاكمات يجب أن تكون هناك أحكام.. وهذا هو المتوقع. المسألة ليست مسألة محاكمة حتى يتابعها الجمهور.. لا.. بل هي محاكمة حتى نحقق العدالة. ونحن في انتظار هذه الأحكام، وأتصور أن الحكم في محاكمة الرئيس السابق سيكون في الشهور الأولى من هذا العام.

* هناك نقطة أخرى تخص ثورة 25 يناير، حيث يتردد أن هناك محاولات لتشويه الثوار من خلال التخوين والاتهام بتلقي التمويل والاتهام بالعمالة للخارج، وما إلى ذلك.

- أضف إلى هذا أيضا دخول الفوضويين الذين هم أيضا شوهوا الثوار.. لأن أحدا ما يريد أن يحرق وزارة، أو يعطل أعمال الناس أو غيره.. هذا بالتأكيد ليس عمل الثوار. وأنا استمعت كثيرا من شباب الثورة كيف تدخلوا هم، شباب الثورة، لمنع استمرار مثل هذا التعويق أو التعطيل.. فعلا توجد محاولات لتشويه الثورة وتشويه الثوار، ولكن تحقيق أهداف الثورة سينصف الثورة والثوار.

* مصر عرفت عبر تاريخها الطويل بالمركزية.. وحتى في قرون حكم المماليك والعثمانيين كان الحكم في يد طبقة منفصلة تماما عن الشعب المصري، ويعتقد البعض أنه منذ سنة 1952 (ثورة 23 يوليو)، وحتى تنحي الرئيس السابق، كان الحكم في قبضة واحدة، هي قبضة الجيش غير الظاهرة.. هل من السهل أن تتحول مصر، بعد كل هذه الحقب، إلى نظام حكم يديره الشعب؟

- في العقود الثلاثة الأخيرة لم تكن القبضة هي قبضة الجيش، ولكن قبضة نظام أمني قاس. وهناك فرق بين الاثنتين. كان النظام (في الثلاثين سنة الأخيرة) سلطويا ديكتاتوريا يحكم على أساس الأمن وقسوته وحصار الشعب بطوق أمني، ولكن لم يكن في قبضة الجيش. وهذا النظام المركزي أدى إلى أن المؤشرات التي تركها النظام السابق في المجتمع المصري هي أولا: 50 في المائة من المصريين يعيشون حول مستوى خط الفقر.. أي إن واحدا من كل اثنين من المصريين أصبح فقيرا، والثاني غير مضمون أن يكون غنيا. كذلك 30 في المائة أمية.. أي إن واحدا من كل ثلاثة مصريين أمي لا يعرف الكتابة ولا القراءة. البطالة.. المؤشرات تقول إن من 20 إلى 25 في المائة بطالة، أي إن واحدا من كل أربعة أو خمسة عاطل. لماذا حدثت مثل هذه الأمور؟ لسوء إدارة الحكم والمركزية المفرطة والديكتاتورية القاسية.. أنهينا الديكتاتورية بالديمقراطية.. لا جدال في هذا. الجانب الآخر، من أجل أن تدير الحكم، يجب أن يديره المسؤولون وهم على قرب من الناس. من هنا يأتي ما طالبت به وهو أن المحافظ يجب أن ينتخب والعمدة يجب أن ينتخب. ليس أن ينتخب وننساه، ولكن ينتخب ويكون مسؤولا أمام مجلس تشريعي بقدر الوحدة السكانية المسؤول عنها.. أي مجلس قروي.. مجلس حي.. مجلس محافظة، بالإضافة إلى البرلمان. أنا اقترحت هذا ونشرته في مقال وتم التعليق عليه بالمناسبة في جريدة «الشرق الأوسط».. هنا تكون المفرخة التي يخرج منها الشباب الواعي سياسيا. سن الترشح للبرلمان 25 سنة، وفي المجالس المحلية تنزل بالسن ويمكن أن يكون 21 سنة. وكذلك بالنسبة للمرأة، والمرأة الصغيرة الشابة سيكون لديها فرصة الدخول إلى مثل هذه المجالس في القرى والأحياء والمحافظات، وأيضا بالنسبة للمسيحيين، هناك قرى تسمح بذلك. فلنفتح الباب لإعادة تشكيل الحركة السياسية وأدوات الحكم في مصر. هذا جزء من تصوري أنا شخصيا للحكم المقبل. وحين نعود إلى الحديث عن الوضع الحالي (مع اقتراب ذكرى الثورة)، فإن ما أقوله هذا هو نتاج لـ(ثورة) 25 يناير. إنما لا يمكن أن نقيس المكاسب في أول كل شهر، أو في كل آخر أسبوع، لأن هناك مكاسب ربما لا تتحقق قبل عشرين سنة، لكن هناك مكاسب تحققت على أرض الواقع اليوم.. ونحن نسير إلى الأمام، وبعد أن ينتخب الرئيس ويبدأ مراجعة القوانين الظالمة ويبدأ في محاربة الفساد ومحاربة الفقر.. هذه هي الأمور التي ستحقق أهداف الثورة بحركة دائبة ومستمرة.

* السؤال ليس عن الثلاثين سنة الأخيرة من حكم مبارك فقط، لأنه يقال إن الإرث السياسي المصري ونظام الحكم المركزي الممتد منذ قرون، لم يتح للشعب أن يكون هو القائم بأموره لا محليا ولا مركزيا.. وحتى جمال عبد الناصر أشار إلى هذا عام 1954 في كتابه «فلسفة الثورة» بقوله إن الشعب ينأى بنفسه انتظارا لمن يفوز بالحكم ليصفق له.. على هذه الخلفية الآن هل ترى أن الشعب تفتح وأصبح يمكنه تحقيق ديمقراطية حقيقية بمصر؟

- الشعب المصري يستطيع بالطبع.. الشعب حاول أن يتعامل وينقذ نفسه إبان الحكم السلطوي الديكتاتوري، لكن الشعب المصري مثله مثل كل الشعوب.. لماذا يكون الشعب المصري استثناء عن كل الشعوب وأنه لا يستطيع أن يتعامل مع الديمقراطية؟!.. الشعب الهندي تعامل بها والشعب الفيتنامي تعامل بها وكذلك في ماليزيا وتركيا وتونس أيضا.. فلماذا «لا» بالنسبة للمصريين؟! مثل هذه المقولات تستهدف الإضرار بالشعب المصري والحقيقة تستهدف أيضا جرحه نفسيا بأنه غير قادر.. أقول إن الشعب المصري قادر، وسترى.. ها هي الانتخابات البرلمانية قد تمت، والانتخابات الرئاسية مقبلة في الطريق.. وحين تكون الانتخابات على كل المستويات بما فيها (اختيار الحكام المحليين في) القرية والمدينة والمحافظة، سيكون هذا دفعة كبيرة لعملية الديمقراطية التي بدأها المصريون في القرن التاسع عشر، من سنة 1862 وما بعدها حين كانت في مصر جمعية تشريعية ومجلس شورى القوانين، وغير ذلك من مجلس للنواب ومجلس للشيوخ.

* يفضل البعض الرجوع للماضي لفهم الحاضر.. مثلا في عام 1805 كان الأزهر اللاعب الرئيسي في فرض سلطته على الدولة العثمانية حين كانت مصر ولاية تابعة لها، حيث فرض على القسطنطينية في تلك السنة محمد علي ليكون واليا على مصر. واليوم أصبح المؤثرون في اختيار الحاكم كثيرين.. هناك توجهات الأزهر والتيار الإسلامي السياسي (جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي) وأحزاب سياسية وغير ذلك.. في اعتقادك مَن مِن هذه التيارات هو القوى الغالبة اليوم في الدفع برئيس للدولة؟ وعلى من يمكن أن يراهن المرشح للرئاسة من بين هذه القوى؟

- مرشح الرئاسة يجب أن يراهن على كل هذه القوى ولا يستبعد أيا منها. لكن كثير من النظم، وبالذات النظام المصري الذي سقط، كان يراهن على أن الجيش سوف يحميه، والشرطة سوف تؤمنه، والجماهير المؤيدة له سوف تهتف باسمه، وأن الأموال الخاضعة له والحكومة بما فيها حتى المحليات سوف يساعدونه، وأن قوى ودولا أجنبية سوف تحميه.. ونسي البعد الأهم، وهو الشعب. ولذلك على كل من يرغب في ترشيح نفسه للرئاسة، ألا يعتمد على هذه القوى أو تلك.. لن تنفعه قوى أجنبية وقوة السلطة لن تنفعه، كما أن الأحزاب كلها لن تكفيه، وإنما الشعب. فعلى المرشح أن يقنع الناس بداية من القرية إلى ما فوق.. الأمي والمتعلم. وأنا أرى أن الناس جميعا الآن يفهمون جيدا أن خللا كبيرا حدث في مصر، وأن هذا يتطلب أشياء كثيرة جدا.. يتطلب رئاسة واعية وقوية. ويتطلب تعاونا بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الشعب، أي البرلمان، ويتطلب حكومة ذات كفاءة وتعبئة للموارد، وعلاقات مصرية - دولية أساسية، ومصرية - عربية قبل الدولية.. مصرية - عربية فيها ثقة وثقة متبادلة. كل هذه الأمور يجب أن تجيش لصالح الخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه. هذا يجعلني أقول لك إنه أمام الرئيس المقبل.. أولا حملة انتخابية رئاسية مهمة، وأمامه أيضا مسؤولية كبيرة جدا، هي ليست نزهة، ولكن في الحقيقة مسؤولية قاسية على من سوف يجلس على هذا الكرسي.

* حضرتك تقدم نفسك كمرشح مستقل عن الأحزاب وعن التيارات الموجودة على الساحة السياسية، فكيف سيكون موقفك إذا دفعت التيارات الرئيسية بمرشحين للرئاسة منافسين لك؟

- على الشعب أن ينتخب.. هناك أحزاب وتيارات رئيسية دفعت بمرشحين في الانتخابات البرلمانية ونجحوا.. وحزب الحرية والعدالة (الإخواني) حصل على الأغلبية (في البرلمان) فعلا.. وكذلك حزب النور (السلفي) أخذ جزءا كبيرا، وحزب الوفد أيضا والكتلة (المصرية) حصلت على نصيب. وبعض هذه الأحزاب سيؤيد هذا المرشح (للرئاسة) أو ذاك.. لكن (أنا) أتقدم وأقول هذا هو برنامجي وهذا ما أعتقده بأن لدي قدرة كاملة لأعالج هذا الموضوع أو أقود عملية إعادة البناء في مصر، وعلى الشعب المصري أن ينتخب. الديمقراطية.. يجب أن ترحب بالمكسب وتستعد له، وبالخسارة وأن تستعد لها.

* لكن هل يوجد في تصورك في الفترة المقبلة الاعتماد على تحالف ما، أو إقناع بعض الأحزاب للوقوف خلف حملتك للترشح للرئاسة؟

- بالطبع يوجد.. مؤكد سأتحدث مع كل الأحزاب ومع كل التيارات ومع كل الناس، ومعك شخصيا لكي تصوت لي.. وبدأت منذ زمن التوجه إلى القرى والنجوع والمراكز والمحافظات للتحدث مع الناس.

* ألست متخوفا من المنافسين الذين يعتزمون الترشح للرئاسة ويدغدغون الجانب الديني لدى المصريين؟

- الشعب المصري واع، لأننا نحن كمصريين مشاعرنا تدغدَغ دينيا.. كلنا.. فأنا لا أخاف منهم، لأنني أنا واحد من الناس الذين يمكن أن تدغدغ مشاعره بالدين، وبمبادئ الدين وسماحة الدين. لكن أيضا لا ننسى أن في كل واحد منا الجانب الديني والجانب الوطني.. وهو أن البلد يغرق، ولا بد فيها من عمل وبرامج جدية تتمشى مع ما يحتاج إليه العصر اليوم. أريد لشبابنا فرص عمل في الداخل والخارج.. فرص عمل بالنسبة للصناعات التي أستطيع أن أنميها في مصر وعلى رأسها السياحة والزراعة. هذه أشياء ينبغي أن نقوم بها. أنت تصلي لله، وتقوم بواجبك باعتبار أن الدين يقول لك ذلك.

* لكن في تجربة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ورغم حظر الدستور والقانون استخدام الدين في العمل السياسي، فإنه لوحظ أن غالبية مرشحي التيار الديني كانوا يستخدمون المساجد في الدعاية الانتخابية.

- أنا أعتقد أن الوعي المصري الجماعي أذكى من أن يدرك أو يؤمن بأن المسألة مسألة عبادة فقط.. لا.. المسألة مسألة عبادة واحترام للأديان. كمواطن مصري مسلم أحترم الدين الإسلامي ولا يصح أن أخرج عنه وإذا خرجت عنه فيجب أن أعود إليه. ولكن أنا لدي واجب آخر.. علي أن أعمل وأن أقرأ وأن أتعلم العلوم الحديثة وأعبر عن رأيي التعبير الحر الرصين وأن أستمتع بالآداب والفنون، وإذا كنت من المبدعين أن أقدم أفضل ما لدي.. ماذا تعني مصر؟!.. مصر تعني الأزهر ومصر تعني النخبة المثقفة التي قادت العلم والأدب والفن في كل العالم العربي والشرق الأوسط لعقود طويلة من السنين.. إذن مصر هي طه حسين، والعقاد، ومصر هي أم كلثوم ومصر هي عبد الوهاب، ومصر هي أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وهي العالم الكبير علي مصطفى مشرفة، وهي نجيب محفوظ.. هذه هي مصر.. وإذا أردتها أن تصبح متخلفة ليس فيها لا مبدعون ولا فنانون ولا أدباء ولا علماء، فلا تكون مصر أبدا.

* مع كل هذا توجد مخاوف عبر عنها كثيرون من جر مصر إلى الخلف، خاصة بعد اكتساح الإسلاميين في انتخابات البرلمان الأخيرة.. هل نتيجة الانتخابات أقلقتك؟

- لا.. الحقيقة هنا هي أنني لا أقلق من هذا أبدا، لأن الديمقراطية تعني أن تنتظر نتيجة الانتخابات (الرئاسية)، وماذا سيقول لك الناس (الناخبون).. أن تأتي بأغلبية فيها تيار إسلامي هذا هو ما أراده الشعب بالنسبة للانتخابات البرلمانية. وهناك من يقول إنه كان فيها مخالفات كثيرة، إلى آخره.. لكن الحقيقة أنه مهما كانت هناك من مخالفات فإن هذا (النتيجة) يعكس بشكل أو بآخر المزاج المصري في ما يتعلق بالبرلمان، لكن المزاج المصري فيما يتعلق بالمسيرة المصرية إلى الأمام (انتخاب الرئيس)، فأعتقد أنه يريد بناء متوازنا ومؤسسة متوازنة ما بين مختلف التيارات.

* هناك تسريبات في الفترة الأخيرة تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين قد تؤيد الدكتور نبيل العربي الأمين العام الحالي للجامعة العربية كمرشح للرئاسة المصرية.. هل فكرت في هذا الأمر؟

- لا.. أنا لم أفكر في هذا الأمر.. أنا على اتصال بالكل، وبالدكتور نبيل العربي، وبالأخ منصور حسن (رئيس المجلس الاستشاري المعاون للمجلس العسكري الحاكم) وبآخرين.. وموقفهم هم أنهم خارج نطاق الترشيح الرئاسي، لكن إذا حدث فأنا أرحب لأن الساحة تتسع. حين يذكر اسم نبيل العربي أو غيره، فهذا لا يزعجني بل أرحب بهذا.

* حسنا.. وإذا قرر المجلس العسكري الوقوف وراء مرشح بعينه للرئاسة، أو ترشح المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. هل ستستمر في الترشح؟

- أنا مستمر في الترشح للمعركة الانتخابية، إن شاء الله، إلى نهايتها.. أنا أعلم أن المشير ليس في وارد الترشيح.. هو نفسه لا يريد الترشح. نحن نضع عليه افتراضا ثم نبني افتراضات ثم أسئلة على الافتراضات ثم نخلق موقفا مرتبكا ومتوترا. الرجل لم يقل إنه سيترشح، فلماذا نفترض فرضا ثم نناقشه؟! وأهلا وسهلا بجميع المرشحين، والناس هي التي تختار وتريد أن تعرف شكل كل مرشح.. وعلى كل واحد أن يدخل وأن يعاني وأن يقوم بجولات انتخابية وأن يتحدث مع الناس وأن يتلقى الشتائم (من الخصوم)، والناس توافق على بعض آرائه أو تعارض بعض آرائه.. المسألة ليست سهلة. ليس معنى أن فلانا أخذ تأييدا من هذا «يبقى خلاص».. لا.. انزل إلى النجوع واسمع الناس ماذا تقول لك، وقد تقول لك «لا».. آسف جدا.. أنت تنفع أو لا تنفع.

* وأنت تسعى للترشح للرئاسة.. هل تميل سياسيا إلى اليمين أم إلى اليسار أم إلى الوسط؟

- أنا أساسي الوطنية المصرية. وهذه قد تقتضي مني أن آخذ موقفا فيه شيء من اليسارية أو آخذ موقفا فيه طابع يميني أو آخذ موقفا وسطيا. لكن الأساس هو الوقوف موقفا وطنيا يملي عليك أن تتبع الأساليب التي تحقق المصلحة المصرية، ولأنني جزء من العالم العربي فيجب أن أحترم البعد العربي وكذلك البعد الأفريقي.. أنا أرى أن المجال الحيوي المصري مجال ثلاثي.. هو العربي والأفريقي والمتوسطي.

* أحيانا خصوم عمرو موسى يلمحون إلى تذكير الناس بأنك كنت وزيرا في النظام السابق.. ما ردك عليهم؟

- نعم.. كنت وزيرا في النظام السابق. هذا لا يحتاج إلى كلام.. ثم إنني لم أكن فقط وزيرا في النظام السابق، بل أفخر بأنني كنت وزيرا للخارجية. أنا كنت وزيرا لخارجية مصر من 1991 إلى 2001 وقد قمت بواجبي وبمسؤولياتي وبمهامي على وجه يرضي ضميري. وأسعد كثيرا حين أستذكر هذا التأييد العارم من شعب مصر والشعوب العربية والاحترام الذي حظيت به الدبلوماسية المصرية من كل أرجاء العالم. هذه مسألة لا أخشى فيها لومة لائم. ردي على هذا أنه كلام لا يقوله الثوار، وإنما مجموعة من الناس والحملات الانتخابية التي تريد أن تستغفل الناس. إذا كان عصام شرف رئيس الوزراء السابق، الذي عين وانتخب واختير من الميدان (ميدان التحرير) كان وزيرا في إحدى وزارات حسني مبارك وكان عضوا في الحزب الوطني وعضوا في لجنة السياسات واخترتموه.. ويأتي من يقول إنني كنت وزيرا، بينما هو كان رئيسا للوزراء.. هذا كيل بمكيالين وكلام رخيص.

* هناك أقوال أخرى تتردد بأن عمرو موسى حصل على تمويل من المملكة العربية السعودية لدعم الترشح للرئاسة، والبعض وصل بالمبلغ إلى 50 مليون دولار أو جنيه.

- طبعا هذا كلام غير صحيح.. وهذا اتهام للناس. السعودية دولة صديقة ودولة شقيقة ودولة تنتظر ما يجري في مصر. وهي في ما أرى على بعد واحد من الكل.. المرشحين والتيارات السياسية الموجودة. لكن مسألة أن السعودية أرسلت لي فلوسا، فأنا أقول لك «لا».. هذا لم يحدث ولن يحدث.. وأنا أطالب من يقولون مثل هذا الكلام ويكتبون مثل هذه الأمور أن يراعوا الله، لأن هذا لا يصح.

* مستقبل العلاقة مع إسرائيل يشغل ذهن المواطن المصري.. كيف سيكون الحال من وجهة نظرك؟

- في كثير من القرى التي زرتها في الصعيد (جنوبا) وفي الوجه البحري (شمالا) وخلال النقاش في مختلف القضايا الخدمية والمحلية مثل مشكلة أسطوانات الغاز والدعم والتعليم.. لم تكن أي جلسة تنتهي في كل مرة إلا بالسؤال عن فلسطين.. ومنذ بداية ثورة 25 يناير ومنذ كنت في الجامعة العربية كانت أسئلة الشباب الذين ألتقي بهم لا تخلو من الحديث عن فلسطين والدولة الفلسطينية وغزة وحماس.. وأنا أقول إن منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى نظام جديد. العالم العربي والشرق الأوسط كله آخذ في التغير، والأمور السابقة لم تعد تكفي، ولا بد أن نقيم نظاما سياسيا واقتصاديا وأمنيا جديدا بالمنطقة.. هذا أولا، ثانيا، وفي ما يتعلق بمصر والنزاع العربي - الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.. فمصر سوف تستمر ويجب أن تستمر في أن تكون جزءا من المبادرة العربية (الخاصة بالسلام). المبادرة العربية يجب أن تحكم سياسة مصر في ما يتعلق بقضية النزاع العربي - الإسرائيلي وطريقة حله.. في ما يتعلق بالعلاقة المصرية - الإسرائيلية، فهناك المعاهدة المصرية - الإسرائيلية، ولا أعتقد أن هناك ظروفا تؤدي إلى إلغائها.. لا أعتقد ذلك، ولا أرى أن في ذلك حكمة. المعاهدة تستمر ما دام الطرف الآخر يحترمها، إلا أن الوضع في سيناء وتأمين سيناء ووجود السلطة المصرية في سيناء يتطلب إعادة النظر في بعض الملاحق الأمنية بالمعاهدة.. وهذا يمكن التحدث فيه أو نتحرك فيه في الإطار السياسي. أما القضية الفلسطينية فلا يجب أن تدير مصر ظهرها لها، وهي أمن قومي بالنسبة لمصر. أنا (كمصر) الجار الأكبر لفلسطين وإسرائيل يجب أن أعمل على ضبط الأمور في هذه المنطقة في جواري (الشمالي) الشرقي بثلاث نقاط: حل النزاع العربي - الإسرائيلي حلا عادلا محترما، وحل القضية الفلسطينية بقيام دولة فلسطين الحقيقية، وبـ(إقامة) نظام أمني يشعر فيه الجميع بالأمن، وعلى رأسه منع الأسلحة النووية.

* السؤال لدى الرأي العام يتعلق أيضا بموضوع تصدير الغاز المصري لإسرائيل واستمرار العلاقات معها.

- موضوع الغاز لإسرائيل فيه أمران.. أمر بيع الغاز أو عدم بيعه. والأمر الثاني كيف تبيعه.. يوجد فساد في صفقات البيع التي حدثت في السابق. هذا الفساد يجب أن تتوجه إليه فورا، أما مسألة البيع فوجهة نظر سياسية.. يجب أن تقف المؤسسات السياسية وتبحث كيف ستدير سياسة الغاز والبترول والطاقة وغير ذلك، ولمن ستصدر.

* حين كنت أمينا للجامعة العربية انتظمت اجتماعاتها على جميع المستويات بما فيها اجتماعات القمة، كما شهدت إصلاحا إداريا، واتخذت لأول مرة قرارات لحماية المدنيين في ليبيا، جعلت المواطن العربي يتنبه إلى فائدتها، لكن يبدو للبعض أن دور الجامعة أصيب بانتكاسة بشأن معالجتها لملف حماية المدنيين في سوريا.. لماذا؟

- أنا من أنصار أخذ مسألة التغيير في العالم العربي بجدية بالغة. ويجب أن تكون الجامعة العربية في عملها منسجمة مع عجلة التاريخ. ولذلك موضوع ضرب المواطنين وكبت الثورات ومحاولة وقف عجلة التغيير.. كل هذه أمور أنا لا أقبلها.

* وماذا عن استمرار النظام السوري بقتل المواطنين في الوقت الحالي وفقا لما تبثه القنوات الفضائية من دماء؟.. يبدو أن الملف السوري لا يعامل بنفس طريقة ملف الثورة الليبية.. ما السبب؟

- وضع ليبيا كان بين بلدين حدث فيهما التغيير، هما تونس ومصر، ومن ثم صعب أن يفلت من التغيير. سوريا في منطقة لم ترد إليها الثورات. وهي في منطقة غاية الحساسية.. إسرائيل بجوارها، وبجوارها دول عربية تخشى من تطورات سياسية معينة، بجوارها العراق وتركيا وغيرهما، لكن هذا لا يبرر أبدا استخدام القوة والعنف ضد المواطنين ولا يبرر أبدا سقوط خمسة آلاف مواطن في مواجهات بين الحكومة والمواطنين. لست في الصورة بشأن ما تقوم به الجامعة العربية حاليا بالضبط، لكن أعتقد أن بعثة الجامعة العربية يجب أن تعتبر خطوة أولى وليست نهاية المطاف.. كما قلت الوضع السوري مختلف عن الوضع الليبي.. الوضع السوري فيه تعقيدات كثيرة حوله، وفي رأيي أنها لا يجب أن تبرر أبدا الدماء التي سالت وتسيل في شوارع دمشق. من هنا الجامعة العربية أعتقد أنها لا بد أن تسير في طريق واضح جدا نحو التغيير يجب أن يحترم، وأن ضرب المدنيين لا بد أن يتوقف، وإلا فإنه على الجهات المختصة بالسلم والأمن الدوليين أن تتصرف.

* لو طلب من عمرو موسى أن يضع حلا للمشكلة السورية.. ما الحل في تصورك؟

- أولا يجب وقف الاعتداء على المواطنين.

* كيف يمكن أن يحدث هذا؟

- المراقبون (التابعون للجامعة العربية) يجب أن يعطوا تقارير سريعة ويومية عما يجري.. كيف وهم في سوريا يحدث إطلاق نار على المواطنين السوريين؟! ثم إن الدبلوماسية العربية في ما أرى، تكون دبلوماسية نشطة وفيها كل الدول الفاعلة التي تجري كلها، كمجموعة وليس كدولة واحدة، مع الجامعة العربية، الاتصالات الدولية. كل الدول مهتمة بموضوع سوريا لحساسية المنطقة. قضية سوريا مدوّلة بالفعل، لكن التدويل لم يفعّل. والدور المصري يجب ألا يقل أبدا عن الدور التركي أو الدور الإيراني في فعالية متابعة ومواجهة وعلاج الوضع في سوريا.