خبراء أميركيون: «الحرب السرية» أهم من ضربات الطائرات من دون طيار

قالوا إن أعمال التخريب والاغتيالات والتفجيرات يمكن أن تؤدي بإيران إلى التراجع\

الرئيس الكوبي راؤول كاسترو خلال توديعه الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في مطار خوسيه مارتي في هافانا أمس(ا.ف.ب)
TT

مع احتدام الجدل في إسرائيل والولايات المتحدة حول هجمة عسكرية محتملة لتعطيل برنامج إيران النووي، تبدو حملة إجراءات سرية متسارعة من اغتيالات وتفجيرات وهجمات وانشقاقات هادفة لجعل ذلك الجدل غير وثيق الصلة بالموضوع، بحسب مسؤولين ومتخصصين أميركيين حاليين وسابقين في الشأن الإيراني.

وقد سقط آخر ضحايا الحملة التي يرى خبراء أنها تنفذ بالأساس من قبل إسرائيل، يوم الأربعاء عندما أدت قنبلة إلى سقوط عالم نووي عمره 32 عاما قتيلا في ساعة ذروة الازدحام في الصباح في طهران.

كان العالم، مصطفى أحمد روشان، مراقبا بمصنع «ناتانز» لتخصيب اليورانيوم، الشريك في ما يعتبره القادة الغربيون تقدم إيران البطيء والمؤكد في الوقت نفسه نحو تصنيع سلاح نووي. كان على الأقل خامس عالم متصل بمجال الطاقة النووية يتم اغتياله منذ عام 2007؛ في حين نجا عالم سادس، هو فريدون عباسي، من محاولة اغتيال في عام 2010 ونصب رئيسا لمنظمة الطاقة الذرية في إيران.

على غرار الهجمات بطائرات من دون طيار التي انتهجتها إدارة أوباما كوسيلة حربية رئيسية ضد تنظيم القاعدة، في باكستان، بيد أن الحملة السرية متعددة الوجوه الموجهة ضد إيران تمثل بديلا للحرب.

لكن على أكثر تقدير، يمكن القول إنها أبطأت، لكنها لم توقف، جهود إيران في تخصيب اليورانيوم، وهو وقود محتمل لأي سلاح نووي. ويرى بعض المتشككين أنها ربما تصعب الأمر على إيران أو تشكل سابقة خطيرة لاستراتيجية يمكن استغلالها ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

لن يناقش مسؤولون إسرائيليون أو أميركيون الحملة السرية تفصيليا، تاركين قدرا من الشك حول مرتكبي الجرائم وغرضهم. على سبيل المثال، قال كريم سجادبور، خبير إيراني بمعهد «كارنيغي» للسلام الدولي، إنه يعتقد أن بعضا من العلماء الذين تم اغتيالهم على الأقل ربما يكونون قد قتلوا على يد النظام الإيراني. وقال إن بعضهم أظهر تعاطفا مع المعارضة الإيرانية، ولم يكن جميعهم خبراء رفيعي المستوى.

«أعتقد أن ثمة مبررا للشك في فكرة أن جميع الهجمات قد تم تنفيذها من قبل إسرائيل»، هكذا تحدث سجادبور. وأضاف: «من المحير جدا أن العلماء النوويين الإيرانيين، والذين من المرجح أن تكون خطواتهم خاضعة لرقابة مشددة من قبل الحكومة، يمكن اغتيالهم في وضح النهار، وأحيانا في ساعات ذروة الازدحام المروري».

وعلى الرغم من ذلك، يتم التعبير عن وجهة نظر أخرى أكثر شيوعا، من قبل باتريك كلاوسون، مدير مبادرة الأمن الإيرانية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وقال كلاوسون: «عادة ما يتم سؤالي عن الوقت الذي يحتمل أن تشن فيه إسرائيل هجوما ضد إيران. فأجيب: قبل عامين».

وقال كلاوسون، إن الحملة السرية كانت مفضلة بدرجة أكبر من الغارات الجوية التي تشنها إسرائيل أو الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية المشتبه بها. وقال: «أعمال التخريب والاغتيالات هي السبيل المفضل انتهاجها، إذا كان بوسعك تنفيذها». وأضاف: «إنها لا تثير رد فعل قوميا في إيران، والذي من شأنه أن يقوي شكيمة النظام. كما تسمح لإيران بالرجوع عن موقفها إذا ما أقرت بأن تكلفة تصنيع سلاح نووي باهظة».

وقال مسؤول أمني إسرائيلي رفيع سابق، والذي اشترط التحدث عن الحملة السرية بشكل عام دون الخوض في تفاصيل ودون الكشف عن هويته، إن حالة الشك بشأن من يضطلع بالمسؤولية كانت مفيدة.

وقال: «لا يكفي التخمين. لا يمكنك إثبات صحة الادعاءات، ومن ثم، لا يمكنك الثأر. حينما يكون من الواضح جليا من وراء أي هجوم، يكون رد فعل العالم مختلفا».

وأشار المسؤول الإسرائيلي السابق إلى أن إيران نفذت الكثير من الاغتيالات بحق أعدائها، معظمهم من رموز المعارضة الإيرانية، إبان الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كما اتهمت مؤخرا بحياكة مخطط لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة في واشنطن.

أضاف «في العالم العربي، ثمة مثل شائع، ألا وهو: إذا كان بيتك من زجاج، فلا ترمي الناس بالحجارة»، لكنه صور الاغتيالات والتفجيرات على أنها جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع نطاقا للحيلولة دون نشوب حرب شعواء.

وقال المسؤول السابق: «أعتقد أن مزيج الدبلوماسية والعقوبات والأنشطة السرية ربما يحقق لنا شيئا. أعتقد أنها السياسة السديدة وقتما يكون لدينا متسع من الوقت».

لقد وظفت إسرائيل الاغتيالات كأداة لإدارة الدولة منذ نشأتها في عام 1948، على حد قول المؤرخين، حيث قتلت عشرات الفلسطينيين وغيرهم من المقاتلين الآخرين وعددا محدودا من العلماء الأجانب ومسؤولين عسكريين أو أفراد متهمين بالمشاركة في مذبحة الهولوكوست.

غير أنه لا توجد سابقة بعينها لما يبدو أنه الحملة الجارية في الوقت الراهن ضد إيران، والتي تشارك فيها كل من إسرائيل والولايات المتحدة وتوظفان فيها عددا هائلا من الوسائل.

لقد نفذت الاغتيالات بالأساس من قبل سائقي دراجات بخارية يقومون بتثبيت قنابل مغناطيسية في سيارة الضحية، وعادة ما يكون ذلك في مناطق الازدحام المروري، قبل أن يلوذوا بالفرار بسرعة.

وصرحت وكالة «أنباء مهر» الإيرانية بأن انفجار يوم الأربعاء وقع في شارع غولنابي في طريق روشان إلى العمل في الساعة 8:20 صباحا. وذكرت وكالة الأنباء أن العالم، الذي تلقى تعليمه أيضا في جامعة تقنية، كان نائب مدير الشؤون التجارية بموقع «ناتانز»، المسؤول عن شراء الأجهزة والخامات. وأصيب شخصان آخران، وتوفي آخر لاحقا في المستشفى، بحسب مسؤولين إيرانيين.

وبعث سفير إيران لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، خطابا احتجاجيا إلى السكرتير العام بان كي مون يلقي فيه باللوم على «مواقع أجنبية معينة» في ما أطلق عليه «أعمال إرهابية» تستهدف تعطيل «البرنامج النووي السلمي، انطلاقا من الاعتقاد الخاطئ الذي مفاده أن الدبلوماسية وحدها لن تكفي لتحقيق ذلك الغرض».

أدان السفير في خطابه أعمال التخريب، في إشارة واضحة إلى فيروس «ستاكسنت»، الذي يعتقد أنه مشروع أميركي - إسرائيلي مشترك، أدى إلى تدمير نحو خمسة أجهزة طرد مركزي التي تستخدمها إيران في تخصيب اليورانيوم. وقد قيل أيضا إن الحملة السرية شملت «هجمة عسكرية على إيران»، في إشارة واضحة إلى انفجار غامض دمر جزءا كبيرا من قاعدة الصواريخ الإيرانية يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني).

تسبب هذا الانفجار، الذي يشير خبراء إيرانيون إلى اعتقادهم أنه ربما يكون جهدا إسرائيليا، في مقتل الجنرال حسن طهراني مقدم، مدير برنامج الصواريخ في إيران. وتظهر صور فوتوغرافية التقطت بالصواريخ عدة مبان في الموقع الذي سوي بالأرض أو لحق به دمار شامل.

وقد حاولت وكالة الاستخبارات المركزية، بحسب مسؤولين حاليين وسابقين، مرارا وتكرارا عرقلة برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني بوسائل سرية، من بينها تضمين أجزاء تالفة في سلسلة الإمداد الإيرانية.

إضافة إلى ذلك، يعتقد أن الوكالة قد شجعت بعض العلماء النوويين الإيرانيين على الانشقاق، وهو جهد ظهر للنور في عام 2010، حينما ادعى عالم يدعى شهرام أميري، أتى إلى الولايات المتحدة، أنه قد تم اختطافه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وعاد إلى إيران. (وتشير تقارير صحافية إلى أنه قد تم إلقاء القبض عليه منذ ذلك الحين ويخضع للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى). اختفى علي رضا أصغري، نائب وزير دفاع سابق، أثناء زيارته لتركيا في عام 2006 ويعتقد أنه قد انشق، ربما متجها إلى الولايات المتحدة.

وقال ويليام سي بانكس، خبير في قوانين الأمن القومي بجامعة سيراكيوز، إنه اعتقد أنه حتى بتقديم الولايات المتحدة معلومات استخباراتية معينة لإسرائيل من أجل مساعدتها في قتل عالم إيراني، فإنها تنتهك مرسوم قانون يعود لأمد طويل والذي يحظر الاغتيالات. وقال إن الأساس المنطقي للهجمات الموجهة بطائرات من دون طيار ضد أهداف إرهابية - وهو أن الولايات المتحدة في حرب مع تنظيم القاعدة وحلفائه - لن يسري هنا.

وقال بانكس: «بموجب القانون الدولي، سيكون الدعم والتحريض مماثلا لاتخاذ إجراء نهائي لحل الأزمة». وأضاف: «سنكون في موقف خطير من الناحية الأخلاقية، وسيراقب العالم بأسره، ولا سيما الصين وروسيا».

وقال غاري سيك، متخصص في الشأن الإيراني بكولومبيا، إنه يعتقد أن الحملة السرية، المصاحبة للعقوبات، لن تقنع إيران بالتوقف عن نشاطها النووي.

أضاف «من المهم أن نتساءل عما يمكن أن تشعر به الولايات المتحدة إذا تم خفض الدخول، لقد كان يتم اغتيال علمائنا وكنا نتلقى هجمات سيبرانية». واستكمل سيك: «هل سنستسلم أم سنواصل جهودنا؟ أعتقد أننا سنواصل حربنا، وكذلك إيران».

أسهم في إعداد التقرير ستيفن لي مايرز وديفيد سانغر من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»