المحكمة العليا في إسرائيل تصادق على قانون يمزق عشرات آلاف العائلات الفلسطينية

أعلى هيئة قضائية تجيز تفكيك أسر لأن أحد أفرادها ليس مواطنا

جندي إسرائيلي يخلي مستوطنين عن بؤرة استيطانية أقاموها قرب مدينة الخليل أمس (أ.ف.ب)
TT

صادقت أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، الليلة قبل الماضية، على قانون عنصري يرفض الاعتراف بزواج المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48) في إسرائيل من مواطنين من الضفة الغربية وغزة والأردن ومصر، ويضع هذه العائلات أمام أحد خيارين: فإما الرحيل، وإما تمزق هذه العائلات وإجبار أحد الزوجين على فسخ عقد الزوجية وترك الأولاد والبيت الذي بناه بشقاء العمر.

واتخذت محكمة العدل العليا الإسرائيلية هذا القرار بعد مسيرة قضائية طويلة متواصلة منذ سنة 2003، عندما سن الكنيست الإسرائيلي قانونا يقضي بمنع لم شمل عائلات فلسطينية على طرفي الخط الأخضر. وفي حينه أرادت حكومة آرييل شارون وقف ظاهرة الزواج بين مواطنيها من العرب وفلسطينيي الضفة، وذلك في إطار تهويد البلاد وتقليص عدد العرب فيها إلى الحد الأدنى.

والمعروف أن إسرائيل قامت على الأراضي الفلسطينية سنة 1948، ونتيجة للحرب من جهة وللمذابح وغيرها من الممارسات الاحتلالية وكذلك نتيجة لعمليات طرد منظمة من جهة أخرى، بات غالبية الشعب الفلسطيني خارج وطنه. وبعد احتلال سنة 1967، التقى أفراد العائلة الواحدة بعد طول تشرد وبعاد قسري، وقسم ضئيل منهم مارس حقه الطبيعي في الزواج من القريب أو القريبة. وبسبب «قانون العودة» الإسرائيلي، الذي يتيح لأي يهودي في العالم بأن يتمتع بالجنسية الإسرائيلية ويحرم غير اليهود من ذلك، أعطي الأزواج أو الزوجات من أبناء الضفة الغربية (وفي ما بعد من أبناء الأردن ومصر) حق إقامة من دون مواطنة. وقد بلغ عدد العائلات في هذا الوضع نحو 50 ألفا، تضم نحو 150 ألف شخص.

لكن حكومة شارون ووزارة الداخلية بقيادة إيلي يشاي، رئيس حزب اليهود الشرقيين المتدينين (شاس)، وغيرهما من قوى اليمين، اعتبرت هذه الظاهرة «مدمرة لإسرائيل وتمس بطابعها اليهودي»، وبادرت إلى سن قانون خاص يمنع لم شمل تلك العائلات ويجبر من لا يحمل الجنسية على مغادرة إسرائيل، غير آبه بوضعه العائلي والاقتصادي. فهناك عائلات تضم أولادا غالبيتهم أطفال، وهناك عقود عمل إذا نقضت تؤدي إلى خسارة التعويضات، وهناك قروض إسكان لبيوت تم شراؤها. ولم يستثن القانون إلا حالات خاصة يبت في شأنها وزير الداخلية.

واستقبل القانون باعتراضات شديدة من العائلات ومن القيادات العربية في إسرائيل، واهتمت بتبعاته الخطيرة مؤسسات حقوقية في العالم، فقرروا تحديد تطبيقه بمدة زمنية هي سنة واحدة، ملمحين إلى احتمال إلغائه بانتهائها. لكن الكنيست راح يجدد القانون سنة بعد أخرى. فتوجهت هذه العائلات، سنة 2007، مدعومة من مركز «عدالة» القانوني وجمعية حقوق الإنسان الإسرائيلية، والنائبة عن حزب «ميرتس» الصهيوني اليساري زهافا جلئون، إلى محكمة العدل العليا بدعوى أساسية تطالب بإلغاء القانون. وأوضح المدعون أن القانون يمس بحقوق أساسية للإنسان في أن يختار شريك حياته، ويؤدي إلى تمزق عائلات عديدة وإلى مآس اجتماعية كبيرة.

وردت النيابة العامة بالقول إن هذه العائلات تستطيع أن تمارس هذه الحقوق خارج حدود إسرائيل. وقالت إن إلغاء القانون سيتيح إغراق إسرائيل بمئات ألوف الفلسطينيين، وهذا يؤدي إلى فقدان إسرائيل طابعها كدولة ذات أكثرية يهودية. وحسب القاضي آشر غرونيس، الذي سيصبح بعد ستة شهور رئيسا لمحكمة العدل العليا، فإن «حقوق الإنسان لا يجب أن تمارس تحت أي شرط، وأنه في هذه الحالة يعتبر بمثابة انتحار قومي لدولة اليهود».

وتباينت الآراء في المحكمة، فتقرر توسيع الهيئة القضائية لتضم 11 قاضيا. وفي الليلة قبل الماضية قرروا بأكثرية 6 مقابل 5 قضاة رفض الدعوى وإبقاء القانون على حاله. وكانت رئيسة المحكمة، دوريت بينيش، ضمن الأقلية الرافضة للقانون.

وقد أثار هذا القرار غضبا عارما في أوساط فلسطينيي 48. وأصدرت لجنة المتابعة العليا بيانا، أمس، دعت فيه إلى تضافر الجهود من أجل فضح السياسات والقوانين والقرارات الإسرائيلية العنصرية والتصدي لها، بما فيها قرار المحكمة العليا التي رفضت الالتماسات المقدمة ضد قانون منع لم الشمل. وقالت لجنة المتابعة، في بيانها، إن القانون يمس بأحد أبسط الحقوق الإنسانية، ويؤثر على الفلسطينيين في الداخل في عملية اختيار شريك الحياة، ويمنع لم شمل العائلات الفلسطينية التي فيها أحد الأزواج من الداخل الفلسطيني والآخر من مناطق السلطة الفلسطينية أو إحدى الدول العربية. وأضاف البيان أن قرار المحكمة العليا الجائر هو جريمة كبيرة، ويؤكد أن المحكمة باتت في قبضة التطرف الإسرائيلي الذي يحكم السيطرة عليها وتحت تأثير عصابات فاشية تملي عليها قراراتها وتوجهاتها خاصة في اتجاه تعميق الفصل العنصري واستهداف العرب في هذه البلاد.

وأصدر النائب أحمد الطيبي من «الكتلة الموحدة والعربية للتغيير»، المتزوج بنفسه من امرأة من طولكرم، بيانا وصف فيه القرار بأنه «وصمة عار على جبين كل واحد من القضاة الستة الذين اتخذوه». وأضاف أن «فلسفة القرار تستند إلى عقيدة عنصرية ترى في العرب ضيوفا في وطنهم، بينما ترى في أناستاسيا ميخائيلي، الروسية التي اعتنقت اليهودية، صاحبة الوطن».

واستطرد النائب الطيبي الذي كان أحد الذين توجهوا بدعوى مشابهة للمحكمة العليا عام 2005 ضد القانون «لقد سقطت المحكمة العليا في امتحان الدفاع عن حقوق الأقلية، وهذا دورها الطبيعي المفترض، وخنعت لإملاءات اليمين الإسرائيلي بعد أن كانت في الماضي قد أقرت كل بشائع الاحتلال من الاستيطان والاغتيالات والمصادرة والإبعاد، إلى جانب عدم تصديها لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد المواطنين العرب في كل مجالات الحياة خاصة الأرض والإسكان والميزانيات والأوقاف والتعليم والزراعة والتشغيل وغيرها. واختتم قائلا «لقد أثبت القرار ما قلناه دوما بأن إسرائيل هي ديمقراطية تجاه اليهود ويهودية تجاه العرب».