مصدر عسكري مصري لـ«الشرق الأوسط»: سنسلم السلطة كاملة ولن تكون هناك امتيازات إضافية للجيش

بعد تشكيك كارتر في تسليم الجيش السلطة للمدنيين كاملة

المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع لدى استقباله الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أمس (أ.ف.ب)
TT

أبدى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بعد لقاء مع قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر شكوكه إزاء خضوعهم بشكل كامل لسلطة الحكومة المدنية التي وعدوا بإرسائها، وبينما قال سياسيون إن شكوك كارتر وانطباعاته تعكس حقيقة واقعية ملموسة لدى معظم المصريين الذين قاموا بالثورة لإنهاء حكم عسكري استمر 60 عاما، رفض مصدر عسكري رفيع المستوى تصريحات كارتر هذه، وقال لـ«الشرق الأوسط» «إن المجلس سوف يسلم السلطة كاملة وفق الجدول الزمني المحدد دون أي امتيازات إضافية للقوات المسلحة»، مؤكدا أن «الجيش المصري يحمي مقدرات الشعب ولا ينتظر مقابلا أو أن يحصل على شيء».

وقال المصدر العسكري المصري في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «المجلس العسكري سوف يسلم السلطة في موعدها للرئيس المنتخب من الشعب وفق الجدول الزمني المحدد سلفا»، مشددا على أنه «لن تكون هناك امتيازات إضافية للقوات المسلحة لأن الجيش المصري ملك للشعب وليس جيشا من المرتزقة فهو يدافع عن تراب هذا الوطن (يقصد مصر) وفق عقيدة راسخة لدى المدرسة العسكرية المصرية ويقدم روحه فداء له دون مقابل ويحمي مقدرات الشعب وتراب مصر ولا ينتظر أن يحصل على شيء سوى الدفاع عن مصر ومكانتها وشعبها الذي يؤمن بوطنية أبناء القوات المسلحة».

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن «ما صرح به كارتر يعود إليه شخصيا ويُسأل هو عن حقيقته، أما اجتماعه مع المشير طنطاوي فلم تكن فيه أية إشارة من قريب أو بعيد إلى احتفاظ المجلس ببعض الاختصاصات قبل تسليم السلطة للرئيس القادم، فالمجلس سوف يسلم السلطة كاملة للرئيس القادم قبل نهاية يونيو (حزيران) دون انتقاص لاختصاصات معينة وهو ما وعد به الشعب قبل ذلك».

وقال كارتر لـ«نيويورك تايمز»، واصفا اللقاء الذي عقده أمس مع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة: «أعتقد أن السيطرة المدنية الكاملة، أمر مبالغ فيه إلى حد ما، ولا أعتقد أن المجلس العسكري سيسلم المسؤولية كاملة إلى حكومة مدنية. ربما ستكون هناك بعض الامتيازات للجيش الذي سيتمتع بالحماية على الأرجح».

وتحمل تقييمات كارتر للانتقال السياسي في مصر أهمية خاصة، لأن دوره في اتفاقات كامب ديفيد للسلام جعلت منه شخصية تحظى باحترام واسع في القاهرة، وأكسبته قدرة على الوصول إلى أعلى مستويات الحكومة والمجتمع المصري. وقد حضر كارتر بصحبة فريق من مؤسسته «كارتر سنتر»، المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، للمساعدة في مراقبة نهاية الجولة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية الأولى منذ سقوط نظام حسني مبارك في فبراير (شباط) الماضي.

وأشار إلى أنه على الرغم من اتسام الانتخابات بأنها حرة ونزيهة فيما يبدو فإن القضية الأكثر إلحاحا هي مقدار السلطة التي سيتخلى عنها المجلس العسكري للبرلمان المنتخب حديثا أو الجمعية التأسيسية التي ينتظر أن يختارها.

وأوضح كارتر، 87 عاما، أنه تحدث مع طنطاوي خلال اجتماعهما عن كيفية حل الخلافات المحتملة بين المجلس العسكري والهيئات المدنية المنتخبة فيما يتصل بصلاحيات الجيش وامتيازاته في المستقبل، والتي وصفها بـ«القضية الأساسية التي لم تحل بعد».

وقالت «نيويورك تايمز» إن قادة الجيش يتمتعون باستقلال شبه ذاتي في الحكومة المصرية على مدار ستة عقود منذ عهد ثورة يوليو (تموز) 1952. وسعوا مؤخرا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى فرض بنود دستورية تحمي ميزانيتهم من الإشراف المدني ومنحهم صلاحيات سياسية دائمة، حتى اضطروا إلى التراجع أمام موجة جديدة من الاحتجاجات، والتي قال عنها كارتر: «كان الرد سريعا من الشارع، من الثوار».

وأشار كارتر إلى أن هناك الكثير من الأسئلة المتعلقة التي لا تزال دون إجابات، مثل: هل سيسمح الجيش للمدنيين باختيار مجلس الوزراء بشكل كامل بما في ذلك وزراء الدفاع والداخلية والمالية؟ وهل سيقبل الجنرالات انتهاء الامتيازات الخاصة، وميزات التمويل والإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها إمبراطورية الأعمال التجارية للجيش، والتي تتنوع من صناعة السيارات، إلى المنتجات الاستهلاكية، إلى الفنادق والمنتجعات؟ وهل سيطلب الجنرالات حصانة من الملاحقة القضائية بتهم الفساد خلال عهد حسني مبارك أو حتى مقتل متظاهرين خلال حكم الجيش؟

وقال كارتر إنه خلال اجتماعه مع قادة المجلس العسكري، أكدوا مرارا على أنهم يتوقعون عقد «اتفاق متناغم بين الجيش والسلطة المدنية المنتخبة». وأضاف كارتر «حين أقول: لنفترض أن هناك اختلافا شديدا في الآراء كيف سيحل هذا؟.. يثير هذا دائما نوعا من الارتباك».

وأكد كارتر أنه متفائل بأن تمثل نتيجة المفاوضات خطوة كبيرة نحو ديمقراطية مدنية، وأضاف: «أعتقد أنه لا مفر من هذا ولا أظن أن احتفاظ الجيش بقدر من المكانة الخاصة سيوقع ضررا كبيرا».

وأشار، على سبيل المثال، إلى أنه في العديد من التحولات إلى الديمقراطية في أميركا اللاتينية كان الحكام العسكريون يمنحون حصانة من الملاحقة القضائية في مقابل التنازل السلمي عن السلطة، ولمح إلى القتلى الذين سقطوا خلال الشهور الثلاثة الماضية والذين بلغوا أكثر من 80 متظاهرا والذين قتلوا من قبل قوات الأمن المصرية والشرطة العسكرية.

وقال كارتر «إذا قررت القيادة المدنية منح المجلس العسكري حصانة من الملاحقة القضائية، من مقتل المتظاهرين في التحرير خلال الشهور القليلة الماضية، على سبيل المثال، فليس لديّ مانع في ذلك. أما حماية ميزانية الجيش من الرقابة المدنية فربما تكون مسألة أخرى يمكن أن يتوصل القادة السياسيون المدنيون بشأنها إلى تسوية».

في الوقت نفسه، يرى كارتر أن «مصر أكثر ديمقراطية» من شأنها أن تسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وأنه نتيجة للنفور الشعبي تجاه إسرائيل بين المصريين حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين، يؤكد البعض في واشنطن وتل أبيب على أن استبدال ديكتاتورية مبارك الصديقة بحكومة ديمقراطية يمكن أن يشكل تحديات جديدة للأمن الإسرائيلي. لكن كارتر قال إن السلام لا يزال يحظى بشعبية جارفة في مصر، وأن ضغوطا جديدة من مصر قادرة على دفع إسرائيل إلى التحرك لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو الهدف الذي اتفقت عليه جميع الأطراف في اتفاقات كامب ديفيد.

وأضاف «أعتقد أن هذا إحدى السبل التي يمكن من خلالها إنقاذ حل الدولتين الذي توافق عليه حكومتنا ظاهريا، ولكنه أمر يعاني من مخاطر التعرض للإجهاض».

وأثنى كارتر على إدارة أوباما لقرارها قبول نتائج الانتخابات المصرية حتى لو كان يسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية الأكثر انتشارا في مصر. وقارن هذا الموقف برفض واشنطن الاعتراف بانتصار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية في الأراضي الفلسطينية عام 2006. وقال إن هذا «تحسن كبير، لكن التحسن ليس كلمة قوية بما يكفي».

لكنه أقر أيضا بأن الثورة المصرية ألقت ضوءا جديدا على التحالف الذي ساعد في تشكيله مع رجال مصر الأقوياء المدعومين من القوات المسلحة، بداية بالرئيس أنور السادات ثم خلفه مبارك. وقال إن الكثير من المصريين يشكون في الوقت الراهن أن الولايات دعمت الديكتاتورية على مدى ثلاثة عقود على نقيض قيمها للحفاظ على السلام مع إسرائيل.

وقال: «أعتقد أن هذا صحيح، فقد كنا كذلك، ولا يمكنني الادعاء بأنني كنت أفعل نقيض ذلك».

من جانبهم، أبدى عدد من السياسيين المصريين والمرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، قناعتهم الشديدة بكلام كارتر، مؤكدين أنه أمر واقع يسعون إلى تغييره عبر مواصلة الضغط على المجلس العسكري.

من جانبه قال الدكتور عبد الله الأشعل، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، إن كلام كارتر واقعي ويعكس تقديرنا السابق، فهو رجل له خبرة طويلة وليس له أي مصلحة في توريط المجلس العسكري، موضحا لـ«الشرق الأوسط»، أن تقديرات كارتر تؤكدها عدة مؤشرات؛ أولا: أن حديث المجلس العسكري اليومي عن تسليم السلطة يصطدم مع ضعف مصداقيته لدى الشعب المصري، فكل وعوده لم يحقق منها سوى القليل، يساعده في ذلك قدرته الفائقة على استئناس القوى السياسية، في ظل تهديداته بانهيار الدولة، إذا انسحب من إدارتها.

وقالت بثنية كامل، المرشحة المحتملة لرئاسة الجمهورية، إن حديث كارتر الذي وصفته بـ«الشخص المحترم ذو الضمير»، يؤيد ما كنا نقوله منذ فترة، ويعكس الأمر الواقع الذي يراه كل الثوار في الأحداث اليومية، مؤكدة أن كل أفعاله (العسكري) تقول ذلك، وأوضحت كامل لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب الثورة لم تتحقق إلا بالضغط والعسكري لم يقم بعمل من تلقاء نفسه»، موضحة أن «كل لحظة يستمر فيها في السلطة يدفع ثمنها الشعب المصري من الضحايا».

وأوضح أمين اسكندر النائب البرلماني وأمين عام حزب الكرامة القومي، أن المجلس العسكري سيسلم بالفعل السلطة للرئيس والحكومة المقبلة دون شك، لكنه فقط سيطمئن على صلاحياته في الدستور وعدم مساءلته.

وكان الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، قد قال في تصريح سابق له «إن الجماعة مستعدة للموافقة على أن يتنازل المجلس العسكري عن السلطة دون أن يلاحق وإعطاء أعضائه ضمانات بعدم المحاكمة والخروج الآمن، حتى لا يؤدي غير ذلك لصراع ومعارك لا تحمد عقباها». وأضاف أن «الإخوان مستعدون لأن يعفوا عن التجاوزات المالية للمجلس العسكري، كذلك تجاوزاته في قتل بعض الشهداء، بهدف أن يكون تسليم السلطة للمدنيين بشكل آمن خاصة أن العسكري حمى الثورة».

كما قال المرشح الرئاسي المحتمل الشيخ السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، إن الانتقال إلى الحكم المدني لا يمكن تحقيقه دون تهدئة مخاوف الجيش من المساءلة، وأوضح إسماعيل لـ«رويترز»، أن «الحل البراغماتي هو أن تفك المواجهة بين قوة الشعب الأعزل والسلطة العسكرية التي في يدها السلاح وشبكة من المصالح متصلة بها ومتصلة بقوى دولية». وأضاف «هذه هي الطريقة لتشجيع الجيش على ترك البلد للشعب. خلاف ذلك سيواصل الجيش استعمال الإكراه السياسي».