تونس: حكومة الجبالي تفتح ملف «الداخلية»

تغييرات حاسمة على رأس أهم الإدارات الأمنية.. وانتظار المزيد منها

TT

لم تجرؤ الحكومات المؤقتة التي تعاقبت على قيادة تونس بعد الثورة على الاقتراب من ملف المنظومة الأمنية، فعمليات التحقيق مع النشطاء السياسيين في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، والاتهامات الموجهة لوزارة الداخلية باستعمال التعذيب ضد معارضي النظام، كانت كلها تتم بأوامر من المنظومة الأمنية التي بقيت مغلقة، وحاولت في أكثر من مناسبة محاصرة الأطراف التي تسعى إلى تطهيرها من الداخل.

ولئن عمد فرحات الراجحي، وزير الداخلية في عهد الباجي قائد السبسي إلى إحالة أكثر من 40 ضابطا إلى التقاعد المبكر، فإن من تسلم ملف الأمن بعد ذلك تحاشى الخوض في موضوع الإصلاح الأمني رغم الشعارات المتواصلة بضرورة محاسبة المذنبين وتطهير السلك الأمني وزرع ثقافة جديدة لدى أعوان الأمن. ويبدو أن حركة النهضة برئاسة حمادي الجبالي، التي تقود الائتلاف الحكومي الثلاثي قررت التوجه نحو ملفين في غاية الأهمية في وقت واحد؛ وهما: ملف الإعلام، بتعيينها مجموعة من المسؤولين الجدد على رأس مؤسسات إعلامية عمومية، وملف الأمن، بإجرائها مجموعة مهمة من التعيينات التي أفرزت ردود فعل سلبية من قبل المؤسسة الأمنية خاصة بعد الإعلان عن إقالة العقيد المنصف العجيمي، المدير العام لوحدات التدخل. إلا أن المعلومات التي تسربت أمس تؤكد أن التغيير في المواقع القيادية بالمؤسسة الأمنية لم يشمل العجيمي فقط؛ بل شمل مجموعة أخرى من القيادات الأمنية تم التكتم بشأنها. ولم يتم الإعلان عنها باعتبار أن وزارة الداخلية اعتادت في السابق عدم الإعلان عن مثل تلك التنقلات والتغييرات التي تحدث على مستوى مصالحها الحيوية.

وتشير المعلومات التي جاءت لتوضيح مغزى الاحتجاجات التي حدثت أول من أمس في شارع الحبيب بورقيبة بوسط العاصمة التونسية، إلى أن علي العريض، وزير الداخلية الجديد (القيادي بحركة النهضة)، أجرى حركة نقل على العديد من المواقع؛ من بينها تعيين العقيد عماد الغضباني، مديرا عاما جديدا لوحدات التدخل بالنيابة، خلفا للعقيد المنصف العجيمي الذي تم إلحاقه بديوان الوزير. كما تم تعيين العميد عبد الواحد المساكني، مديرا عاما للمصالح المشتركة خلفا للحبيب بن كاملة الذي ألحق بالمفتشية العامة للأمن الوطني. وقرر العريض كذلك تعيين رياض باللطيف مديرا عاما للتكوين بالوزارة خلفا لليث بن حسين الذي ألحق بالإدارة العامة للأمن الوطني. وعين كذلك لطفي بالصغير مديرا لإدارة الحدود والأجانب خلفا لعز الدين اخلفي الذي ألحق بالإدارة العامة للمصالح المشتركة.

وتشير كل التحاليل السياسية التي رافقت هذه التغييرات إلى أنها مست إدارات عامة تشكل القلب النابض لوزارة الداخلية وهي إدارات لم تشهد تعيينات جديدة على رأسها منذ سنوات، وهو ما يفسر رد الفعل بعد الإعلان عن إقالة المدير العام لوحدات التدخل المتهم بإطلاق الرصاص الحي إبان الثورة على متظاهرين في منطقتي تالة والقصرين الواقعتين في الوسط الغربي، وتنحصر مهمة وحدات التدخل في مكافحة الشغب وأعمال العنف التي تحدث في الطريق العام كما تتولى حراسة المنشآت العامة والمؤسسات الخاصة.

ولا تستبعد مصادر مطلعة أن يجري علي العريض، وزير الداخلية في الحكومة الجديدة، المزيد من التعديلات التي تشمل أسلاكا أمنية أخرى قد تكون تعوق عملية الانتقال الديمقراطي خشية فتح ملفات المحاسبة القضائية سواء خلال سنوات حكم بن علي أو خلال أيام الثورة.