عام على سقوط بن علي.. والتونسيون يبحثون عن ضوء في آخر النفق

الانتقال إلى الديمقراطية والشعور بالرفاه الاجتماعي والاقتصادي محطات ما زالت بعيدة

TT

يسيطر التقييم الحذر على الثورة الحاصلة في تونس ويذهب شق من التونسيين نحو الجانب السلبي من الأوضاع لولا الإطاحة بالنظام القائم على الظلم والغطرسة التي تمثل نقطة مضيئة لا محيد عنها. وينمو إحساس قوي بأن الانتقال إلى الديمقراطية والشعور بالرفاه الاجتماعي والاقتصادي ما زالت محطات بعيدة تتطلب مجهودات جماعية جبارة لا يؤشر لحلولها أي نور في آخر النفق.

وكانت الساحة السياسية في تونس قد عاشت خلال الأشهر التي تلت الإطاحة بنظام بن علي على وقع خلافات عاصفة بين اليمين واليسار تناولت بالأساس مسائل الهوية خرجت منها حركة النهضة أبرز طرف مستفيد من العملية بعد نجاحها في اكتساح انتخابات المجلس التأسيسي وسيطرتها على 89 مقعدا من مقاعد المجلس بعيدة عن حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي يقوده المنصف المرزوقي الذي حصل على 29 مقعدا فحسب.

ونجحت النهضة في استمالة حزب المؤتمر وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي يتزعمه مصطفى بن جعفر مكونة ائتلافا حكوميا مكونا من ثلاثة أحزاب تقاسمت السلط فيما بينها وطعمت المجموعة ببعض الحقائب الوزارية التي أسندت إلى شخصيات مستقلة درءا للاتهامات الموجهة للأحزاب الثلاثة بالمحاصصة واقتسام المناصب الوزارية. وراهنت الأحزاب اليسارية من بينها الحزب الديمقراطي التقدمي على أول محطة انتخابية للإطاحة بالتيارات الإسلامية إلا أنها فشلت في الأمر ومنيت بهزيمة مدوية، ولا تزال تسعى إلى الرجوع إلى المشهد السياسي إلا أنها تعاني حسب المتابعين للمشهد السياسي من ابتعادها عن الشارع التونسي وهي بذلك لن تتمكن في المدى القريب من قلب المعادلة السياسية مع التيارات السياسية الدينية ممثلة خاصة في حركة النهضة التي تقود البلاد.

ولا تزال العلاقة بين اليسار واليمين متعثرة فاليسار يتعقب حركة النهضة ويسعى إلى إظهارها في مظهر العاجز عن مباشرة الحكم وغير القادر على قيادة البلاد، أما حركة النهضة فهي تسعى بكل الوسائل إلى إعلان حسن النوايا وتدعو المجتمع التونسي إلى الانتظار لبعض الوقت حتى تتمكن من تنفيذ برامج الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي. ومع مرور الوقت عادت الاعتصامات والاحتجاجات للظهور من جديد بعد أن عيل صبر الفئات الشابة بالخصوص من الانتظار (قرابة 200 ألف عاطل من أصحاب الشهادات الجامعية) وتواجه الحكومة الجديدة التي يقودها حمادي الجبالي (الأمين العام السابق لحركة النهضة) مجموعة كبيرة من الملفات العالقة، ولم تتمكن بعد نحو العشرين يوما من تسلمها الحكم توجيه خطاب سياسي مقنع يطمئن التونسيين على مصير أبنائهم، كما أنها لم تتمكن إلى حد الآن من وضع مخططات واضحة للخروج من مأزق البطالة والحاجة الاجتماعية لقرابة 25 في المائة من التونسيين مصنفين من بين الفقراء. فالحكومة الجديدة لم تجد الحلول المجدية بعد لملف التشغيل (كان عدد العاطلين عن العمل في حدود 700 ألف عاطل في بداية يناير - كانون الثاني - من سنة 2011 وأصبح الحديث حاليا عن عربة تقل قرابة المليون عاطل عن العمل) وتعرف تونس تنامي عدد العاطلين خاصة في صفوف الشباب بعد إعلان مجموعة من المستثمرين الأجانب عن تحويل استثماراتهم إلى دول أخرى لعدم توفر الشروط الأمنية من ناحية ولكثرة الاعتصامات والاحتجاجات سواء المطالبة بالتشغيل أو المطالبة كذلك بتسوية الوضعيات المهنية الهشة والزيادة في المرتبات، وتشهد مناطق عدة بعد سنة من الإطاحة بنظام بن علي تزايد الاعتصامات والاحتجاجات في أكثر من موقع في تونس.

كما أن الحكومة الحالية تعاني الأمرين من ملف شهداء وجرحى الثورة فهي تدرك أن المؤسسة الأمنية هي التي تقف وراء استعمال الرصاص الحي بقطع النظر عن النوايا ولا تستطيع الحسم في الأمر وجلب المتهمين. ووهي تواجه عائلات الشهداء والجرحى وهم يضغطون عليها من أجل جلب المتهمين بقتل أبنائهم ومحاسبتهم قبل المرور إلى مصالحة وطنية. ولا يزال الإعلام خارج السيطرة وهو يخبط خبط عشواء دون احتكام إلى مهنية صريحة وهو لا يمكن أن يخضع لسيطرة أي طرف ولكن تركه دون ضوابط أخلاقية قد يعيد البلاد إلى المربع الأول كما تتهمه حكومة الجبالي. أما القضاء فهو لم يفعل الكثير في تعقب رموز الفساد وجلبهم بدءا من الرئيس المخلوع وبقية رموز الفساد والأمر أصبح حساسا بعد مرور سنة على الإطاحة بنظام بن علي، إذ لم يعش الشارع التونسي على وقع محاكمات مدوية تقطع مع الماضي وتدين من مارسوا ضده التسلط ومن أثروا ثراء فاحشا وتسلطوا على أملاك التونسيين متكئين على قرابتهم وتزلفهم إلى نظام بن علي.

كل هذه الوضعيات الشائكة تجعل الأمر صعبا للغاية وهو ما أنبأ في أكثر من مناسبة بعودة الثورة المضادة خاصة أن العديد من السياسيين وخاصة منهم المنتمين إلى الأحزاب اليسارية أصبحوا ينادون بضرورة استكمال الثورة إلى حد القضاء على الديكتاتورية بعد التخلص النهائي من الديكتاتور وفي ذلك الكثير من الصحة باعتبار أن عديد الملفات لا يزال عالقا.

وحول هذا الموضوع يقول حمة الهمامي الأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي إن الحكومة الحالية بمختلف قياداتها ومؤسساتها مطالبة بطمأنة التونسيين على مصير أبنائهم وأن تسعى لاجتثاث كل أنواع الفساد ومحاسبة المارقين والخارجين عن القانون خلال فترة حكم بن علي وربما في عهد بورقيبة كذلك. ويعترف الهمامي بأن الثورة التونسية أنجزت ما لم تتمكن غيرها من الثورات العربية أن تنجزه وبكلفة بشرية محدودة، فقد أطاحت بالديكتاتور في وقت وجيز وأرست دعائم المؤسسات الدستورية ومكنت المعارضين السابقين من قيادة البلاد وبإمكانها أن تمكن التونسيين من نظام ديمقراطي حقيقي ولكن ذلك يتطلب مواصلة الثورة فهي لم تحقق كل أهدافها وما زالت لديها ملفات عالقة على غرار تطهير البلاد من البوليس السياسي ومحاسبة المذنبين على كافة المستويات قبل المرور إلى مصالحة جماعية تقطع مع الماضي.

ويذهب عبد السلام الحيدوري ناشط نقابي من منزل بوزيان بمحافظة سيدي بوزيد إلى أن الثورة على مستوى الجهات التونسية التي اندلعت منها أولى المصادمات لم توفر الكثير لأبناء الجهة ولم تأخذهم من حالة الخصاصة إلى حالة الاكتفاء العائلي، وربما إعادتهم إلى وضع اجتماعي واقتصادي أكثر قتامة بعد إقدام مجموعة كبيرة من المؤسسات الاقتصادية على إغلاق أبوابها نتيجة حرق البعض منها والاعتصامات المتكررة للعمال مطالبين بتحسين ظروف عملهم ومرتباتهم.

ويرى الحيدوري أن سنة واحدة لا تكفي لتغيير الأحوال ولكن على القيادات السياسية التي تقود البلاد حاليا أن تنزل إلى ميدان تلك المناطق وأن تبدأ بالفعل في برمجة مجموعة من المشاريع حتى لا تحصل ردة كبيرة تكون عواقبها وخيمة. ولم يخف الحيدوري أن بعض الفئات الشابة بدأت تفكر في تنفيذ ثورة ثانية مضادة وهي تنتظر من يطلق الصاعق.