بدء تداول أسماء لخلافة ميليباند في قيادة «العمال» بسبب افتقاره للخبرة والحسم

إد ميليباند
TT

ينبغي أن تكون هذه لحظة مشرقة باعثة على التفاؤل بالنسبة إلى حزب العمال المعارض في بريطانيا.. فقد ارتفعت نسبة البطالة وازداد خفض الميزانية ورفضت الحكومة الاتفاق الاقتصادي الجديد المقدم من قبل الاتحاد الأوروبي خلال فترة رئاسة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المنتمي إلى حزب المحافظين.

ومع ذلك ليست المشكلة في كاميرون، بل في رئيس حزب العمال إد ميليباند، الذي يواجه أزمة عميقة تتعلق بالشعبية. فبعد 16 شهرا من هزيمته لأخيه والفوز بزعامة المعارضة، تراجعت شعبية ميليباند إلى أدنى مستوياتها. وفجأة لم يعد الأمر يقتصر على خصومه، بل امتد ليشمل تشكيك الوسطاء النافذين داخل حزبه علنا في قدرته على القيادة. وواجه ميليباند منتقديه الأسبوع الحالي ووضع توجها جديدا لحزب العمال في محاولة لإحياء قيادته والصمود من أجل منافسة كاميرون في الانتخابات التي ستجرى بعد ثلاث سنوات. كما أكد على بعض النقاط المألوفة في برنامج حزب العمال، حيث دعا إلى التوزيع العادل للثروة ورأسمالية أقل قسوة.

لكن مع ذلك يبدو أن ميليباند يردد ما يقوله كاميرون، حيث يتساءل عما إذا كانت بريطانيا المثقلة بالديون لا تزال قادرة على تحمل عدد أفراد الحكومة الكبير كما كان في الأيام الخوالي. وقال إن حزبه سيدعم فرض قيود على الإنفاق لمعالجة عجز الميزانية، وتعهد بأن يدلل على أن حزب العمال يصلح لكل الأوقات وليس فقط الأوقات الجيدة، لكن المشكلة كما يقول المحللون لا تكمن في رسالة حزب العمال، ولكن في من يوصل الرسالة.

انهال وابل من الانتقادات على ميليباند، سواء كان ذلك بوجه حق أم لا، على كل شيء بداية من فشله في أن يكون زعيما يتمتع بالمصداقية إلى انتقادات الصحافة البريطانية له بأنه «أكثر قبحا» من أن يتولى المنصب الرفيع في بريطانيا، حيث يبدو أن عملية تعديل اعوجاج الحاجز الأنفي لم تساعده كثيرا.

يبدو أن ميليباند لا يجيد الرياضة الفكرية الدموية للسياسة البريطانية، حيث يستنزف مجهوده أسبوعيا في البرلمان من خلال مواجهاته الفظة مع كاميرون، والتي كثيرا ما تصل إلى حد التراشق اللفظي. وقال بيتر كيلنر، رئيس «يو غوف»، إحدى كبرى الشركات البريطانية التي تعمل في مجال استطلاعات الرأي: «لا يراه أكثر الناس كرئيس وزراء بسبب طريقته وافتقاره إلى الخبرة والحسم. ويعتقد البعض أحيانا أن منصب رئيس الوزراء للرجال، بينما ينظرون إلى ميليباند كصبي».

جدير بالذكر أنه تم انتخاب إد ميليباند، 42 عاما، ابن الأكاديمي الماركسي والناجي من الهولوكوست رالف ميليباند، كعضو في البرلمان منذ سبعة أعوام، وسرعان ما وصل إلى منصب وزير الطاقة والتغير المناخي في عهد رئيس الوزراء العمالي السابق غوردون براون. وفي انتخابات عام 2010 على زعامة الحزب، تفوق ميليباند على أخيه الأكبر والأكثر خبرة ديفيد ميليباند، الذي تولى منصب وزير الخارجية في حكومة براون. ويعود ذلك بشكل كبير إلى دعم الاتحادات العمالية له. ويبدو أن الكثير من أعضاء حزب العمال يتساءلون عما إذا كانوا قد اختاروا ميليباند المناسب.

ما يخدم إد ميليباند هو تاريخ حزب العمال من التمسك بالزعماء الذين لا يتمتعون بشعبية على عكس خصومه من حزب المحافظين. ومع ذلك بدأت الانتقادات داخل الحزب لعجزه عن التواصل مع الناخبين تطفو على السطح. وكتب موريس غلاسمان، أحد المطلعين على أحوال الحزب، عن أزمة حزب العمال تحت قيادة ميليباند، الأسبوع الماضي: «يبدو أنه لا توجد استراتيجية أو خطاب أو طاقة للعمل». أما في صحيفة «ديلي ميرور»، فقد كتب أحد الأعضاء البارزين في البرلمان عن حزب العمال وهو آلن جونسون يقول: «يبدو حزب العمال في الوقت الراهن مثل لؤلؤة عالقة داخل محارة.. بداخلها جوهرة، لكن الناس لا يرون سوى القشرة الخارجية لها».

ويبدو موقف ميليباند أسوأ عند مقارنته بنجاح كاميرون. فمن عدة أوجه، واجه رئيس الوزراء الحالي الاختلافات وحظي بقبول معقول رغم الحملة المستمرة المناهضة لإنفاق الحكومة بحسب استطلاعات الرأي. وكسب كاميرون نقطة بعد رفضه للاتفاق الجديد المقترح من قبل الاتحاد الأوروبي في بروكسل لدعم عملة اليورو، حيث يساور الكثير من البريطانيين الشكوك بشأن اليورو مما جعلهم يدعمون قراره بقوة. وخلال استطلاع الرأي الأخير لصحيفة «الغارديان» حظي كاميرون بتأييد 48 في المائة من البريطانيين في ما يتعلق بشعبيته بصفته الشخصية، بينما كانت نسبة تأييد العينة التي اشتمل عليها حزبه 21 في المائة. وعلى الجانب الآخر، لم يحصل ميليباند إلا على 32 في المائة، بينما حظي حزب العمال بشكل عام على 23 في المائة. وللمرة الأولى منذ 16 شهرا، يحتل ميليباند مرتبة أدنى من نيك كليغ، نائب رئيس الوزراء رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار المشارك في الحكومة الائتلافية والذي لا يحظى بدعم كبير ويتعرض لانتقادات شعبية كثيرة منذ توليه المنصب.

ومع ذلك من صالح ميليباند عدم وجود خليفة واضح له إذا تنحى عن منصبه. ومن الأسماء التي تم تداولها أعضاء في البرلمان ينتمون إلى حزب العمال ووزراء سابقون منهم إيفيت كوبر وألستر دارلينغ. ومع ذلك، يبدو أن إخلاص وولاء حزب العمال هو ما يراهن عليه ميليباند في لعبته بشكل ما الآن. وقال توني ترافيرس، المحلل السياسي بكلية لندن للاقتصاد: «يمثل كاميرون نفسه واحدة من أكبر المشكلات التي يواجهها ميليباند. فرئيس الوزراء شخصية بارزة ولديه قدرة استثنائية على الحديث بثقة عن كل الأمور. يجب على زعيم حزب العمال أن يتمتع بالقدرة على مواجهة ذلك، وهو ما لم ينجح فيه ميليباند حتى هذه اللحظة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»