باريس تطالب بضمانات من أجل تحقيق شفاف ومستقل في مقتل الصحافي الفرنسي في حمص

صحافي بلجيكي: المرافقون لنا اختفوا قبل الحادث ورجال الأمن لم يتحركوا

فتاة تحتج على نظام الأسد وتحمل شعارا يطالبه بالرحيل في زبداني أمس (رويترز)
TT

لا يبدو أن باريس تثق كثيرا بالسلطات القضائية السورية من أجل جلاء ظروف مقتل الصحافي التلفزيوني جيل جاكيه ظهر الأربعاء الماضي في مدينة حمص نتيجة انفجار قذيفة لم يحدد مصدرها بدقة وتدور بشأنها الكثير من التكهنات.

ويبرز الحذر الفرنسي من خلال ثلاثة عناصر أولها ما نقلته صحيفة «لو فيغارو» صباح أمس عن مصادر في قصر الإليزيه عبرت عن تخوفها من وجود «عملية تضليل» من جانب السلطات السورية لاستخدام مقتل الصحافي الفرنسي وتحميل المعارضة مسؤولية ذلك. وبحسب الصحيفة الفرنسية، فإن المصادر الرئاسية أبدت تعجبها من استهداف الفريق الصحافي في حمص الذي كان جيل جاكيه من ضمنه علما أن السلطات السورية كانت وحدها على علم بقدوم الوفد إلى حمص وبمكان وجوده. وكان الوفد الصحافي المنقسم إلى مجموعتين تحت أعين ورقابة الأجهزة الأمنية السورية التي تولت مرافقته. وأعلنت المصادر الرئاسية أنه «يمكننا الاعتقاد أنه حادث مؤسف ولكنه يأتي مواتيا لنظام يحاول إبعاد الصحافيين الأجانب وتشويه صورة التمرد».

ويتمثل العنصر الثاني في استعجال القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي التي كان جيل جاكيه يعمل لديها إلى تقديم شكوى إلى النيابة العامة في باريس التي أمرت بفتح تحقيق قضائي لجلاء ظروف مقتل الصحافي. وتأتي هذا التطور بعد أن أمرت السلطات السورية، بضغط من فرنسا ومن العديد من بلدان العالم ومنظماته، إلى تشكيل لجنة تحقيق سوريا بمشاركة مندوب عن القناة الفرنسية. غير أن هذه الأخيرة نفت أن يكون قد تم اتصال معها من أجل ضم ممثل عنها إلى لجنة التحقيق وفق ما أعلنته السلطات السورية مساء الخميس.

غير أن الأهم من ذلك أن إدارة القناة تحدثت عن «عناصر مريبة» دفعتها لتقديم طلب التحقيق. وسيتم تشريح الجثة التي أعيدت إلى باريس صباح أمس لتحديد سبب الوفاة ومصدر الإصابة والعناصر المشابهة. ووفق ما أعلنه رئيس القناة ريمي فليملان ومسؤول الأخبار فيها تيري تويلييه، فإن «التساؤلات» تدور حول «اختفاء العسكريين فجأة لحظة إطلاق النار بينما كان من المفترض أن تحظى مجموعة الصحافيين بمواكبة عسكرية». كذلك تساءلت القناة عن سبب وجود التلفزيون الرسمي السوري في المكان حتى قبل وصول المجموعة إلى الحي الذي استهدف. لكن إدارة القناة بقيت حذرة في اتهاماتها الضمنية إذ شددت على أنها «لا تريد استباق الأمور» ولكنها تحتاج إلى «إجابات» عن هذه الأسئلة المعلقة. كذلك أعلنت المصادر الرئاسية أنها «لا تملك أدلة» على ما تعتبره محاولة تضليل سورية رسمية.

من جانبها، طالبت وزارة الخارجية الفرنسية أمس بـ«كافة الضمانات» الضرورية من أجل قيام «تحقيق مستقل وشفاف وذي صدقية» يمكن من إلقاء «كافة الأضواء» على الحادث و«إظهار الحقيقة وتحديد المسؤوليات». لكن الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال رفض توضيح ما يقصده عمليا بـ«تحقيق مستقل» وما إذا كان ذلك يعني المطالبة بتحقيق دولي أو بمشاركة رسمية فرنسية. وفي أي حال، نفت الخارجية أن يكون قد حصل أي اتصال من قبل السلطات الرسمية السورية بها منذ مقتل الصحافي التلفزيوني. وجاكيه هو أول صحافي أجنبي يقتل في سوريا منذ اندلاع المظاهرات والانتفاضة قبل أكثر من عشرة أشهر.

ودعت باريس الصحافيين الفرنسيين إلى الامتناع عن الذهاب إلى سوريا «في إطار الظروف والوضع القائم في الوقت الحاضر» كما حثت الموجودين فيها على التزام «الحذر». غير أنها بالمقابل، جددت تمسكها بضرورة أن تلتزم السلطات السورية بتنفيذ تعهدها المتضمن في المبادرة العربية التي قبلتها والخاص بتمكين الصحافة العالمية من الوصل بحرية وأمن إلى سوريا.

ويشير الانطباع السائد في باريس إلى أن فرنسا تميل إلى اعتبار أن التصويب على الوفد الصحافي الدولي «عملية مقصودة» تستهدف أمرين اثنين: إلصاق التهمة بالمعارضة وكأنها لا تريد أن يطلع الخارج على حقيقة ما يجري ميدانيا وتوفير الدليل على وجود «عصابات مسلحة» لا تتردد في إطلاق القذائف والصواريخ على الصحافيين كما على المدنيين. أما الأمر الثاني فيتمثل في «ردع» الإعلام الخارجي عن الذهاب إلى سوريا للمضي في سياسة التعتيم التي درج عليها النظام منذ بداية الأحداث.

وكان الصحافي البلجيكي جينس فرانسين، أحد شهود العيان للحادث الذي وقع مؤخرا في حمص، ضمن فريق بلجيكي مكون من خمسة أفراد يعمل لمحطة التلفزة البلجيكية «في آر تي» ذهب ضمن وفد إعلامي استضافته السلطات السورية، أكد أن هناك بعض الأمور التي شاهدها جعلت الأمر يبدو وكأنه قصة غريبة للغاية، ومنها على سبيل المثال أن الأشخاص المكلفين بمرافقة الفريق الصحافي اختفوا ولم يرافقونا في الذهاب إلى المكان الذي وقع فيه الحادث، كما أن عددا من الأشخاص الذين كانوا من المفترض أن يكونوا ضمن مجموعتنا التي ستخرج بشكل جماعي، تخلفوا عن الذهاب معنا، فضلا عن أن عناصر الاستخبارات الأمنية التي كانت قريبة من مكان الحادث ظلوا في أماكنهم ولم يتحركوا عند وقوع الانفجار بينما سارعنا جميعا للهروب من مكان الانفجار لتفادي التعرض للخطر وهي كلها أمور غريبة وتستحق وضع العديد من علامات الاستفهام وأضاف أن هناك خمس قنابل ألقيت في نفس توقيت وصولنا إلى مكان الحادث وبعدها لم يحدث شيء كما أن المحلات التجارية التي كانت في الشارع الذي وقع به الانفجار كانت مغلقة بينما باقي المحلات التجارية في الشوارع الأخرى كانت مفتوحة للجميع وخلال تصريحات للراديو البلجيكي قال الصحافي فرانسين أن الوفد الصحافي كان يرافقه دائما مجموعة من رجال الأمن السوري والذين كانوا يبذلون قصارى جهودهم حتى لا ننجز عملنا في بعض الأمور ومنها على سبيل المثال أنه أراد التوقف أمام محطة تموين الديزل والبنزين لسؤال عدد من الأشخاص حول ارتفاع أسعار البنزين والديزل ولكن لم يسمح لهم بهذا كما أن رجال الاستخبارات الأمنية السورية يوجدون تقريبا في كل ركن من أركان الشوارع وفي حال التقى الفريق الصحافي بمواطن لإجراء مقابلة معه يلتف على الفور حوله أعداد من الأشخاص تجبر المتحدث على أن يغير من طريقة كلامه ويبدأ في الإدلاء بتصريحات رسمية معتادة وأضاف الصحافي أنه في رحلته عرف معنى كلمة «الحيطان لها ودان» وأن السلطات السورية استدعت عددا من الصحافيين لكي يروا فقط الأشياء التي تريد السلطات أن تظهرها ويتم تسليط الضوء عليها.